بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
أما بعد:
أيها المسلمون: نعيش هذه الأيام ضجة إعلامية حول ما يسمى بالانتفاضة، والتي أثارها اليهود بدخولهم إلى ساحة المسجد الأقصى، وقد تفاعل العالمُ مع هذه الحادثة، وتكلم المتكلمون بشتى أنواع التنديد والشجب والاستنكار.
وبعد فترة سيهدأ الجميعُ، وكأن شيئاً لم يكن، وسيستمر المخطط اليهودي يمضي في تحقيق طموحاتهم حتى تحينُ اللحظة الحاسمة، والتي يعود فيها المسلمون إلى دينهم الحق، ويرفعوا راية الجهاد ضد أعداء الله.
عندها تقف تلك المهازلُ التي تخرج علينا يوماً بعد يوم، ويهزم الجبناء، ويطهر الأقصى، وتعود رايةُ التوحيد خفاقة كما كانت - بإذن الله تبارك وتعالى -.
أيها الأخوة: لقد كان الحديث في الفترة الماضية عن الجهاد وكيفية الإعداد له، وبعضِ طرق الأعداء التي حصرت الجهاد في مسائل محددة، وأضعفت أثره في النفوس.
أما حديثنا في هذا اليوم فسيكون - بإذن الله - عن أهمّ أعدائنا على الساحة الدولية وهم اليهود، وسنبدأ هذه السلسة بذكر بعض صفات اليهود الذين أثاروا تلك المشكلة وغيرها، وسنعتمد في ذلك على ما ورد في كتاب الله - عز وجل - العالِم ُبنفسياتهم وتفكيرهم، والعالمُ بماضيهم ومستقبلهم.
أيها الإخوة نذكر بهذا الموضوع لعدة أسباب من أهمها ما يلي:
الأول: لكي نحذر من الوقوع في تلك الصفات الممقوتة، حتى لا يحصل لنا ما حصل لهم من الغضب والذل، والمهانة والطرد، والإبعاد من رحمة الله.
الثاني: لكي نعرف واقع أولئك القوم فلا نصدقهم، ولا نهادنهم، ولا نتعاون معهم بأي حال من الأحوال.
إخوة الإيمان: لقد أمرنا الله - تعالى - بالحذر والابتعاد عن صفات أهل الكتاب بشكل عام، واليهودِ بشكل خاص، كما أمرنا بمخالفتهم في أشياء كثيرة، ومما يدل على ذلك أمره - تعالى - لنا بأن ندعوه في كل ركعةٍ, من صلاتنا بأن يبعدنا عن طريق اليهود والنصارى ومن سار على نهجهم، أمرنا أن نقول: \"اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِم غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِم وَلَا الضَّالِّينَ\"، ثم نقول بعد ذلك آمين، نرفع بها أصواتنا، وترتج المساجدُ بأصوات الموحدين، معلنين البراءة من اليهود المغضوب عليهم، ومن النصارى الضالين.
إن قولنا (آمين) في نهاية الفاتحة له معان عظيمةٍ, يجهلها بعَضُ المسلمين، فينبغي أن نعيد النظر في معناها، وأن نخرجها من قلب صادق مخلص لربه - عز وجل -.
كما حذرنا الله من قسوة القلب التي يتصف بها أهل الكتاب ومنهم اليهود فقال - سبحانه -: (( أَلَم يَأنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا أَن تَخشَعَ قُلُوبُهُم لِذِكرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلُ فَطَالَ عَلَيهِمُ الأَمَدُ فَقَسَت قُلُوبُهُم وَكَثِيرٌ مِنهُم فَاسِقُونَ )).
ونهانا عن التفرقِ والاختلاف الذي حل بهم فقال - جل وعلا -: ((ولا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاختَلَفُوا مِن بَعدِ مَا جَاءَهُمُ البَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُم عَذَابٌ عَظِيمٌ ))، وبشكل عام فنحن مأمورون بالحذر من أخلاقهم، والتشبه بهم في الأقوال والأفعال والمعتقدات.
وحتى نحذر من الوقوع في صفاتهم فلعله من المناسب أن نستعرض بعض تلك الصفات الذميمة الممقوتة والتي منها ما يلي:
أولا: قلة أدبهم مع الله - عز وجل - ومع ورسله - صلوات ربي وسلامه عليهم -: فاليهود يعتبرون من أقل الناس أدباً مع الله - تعالى -، ومع رسله - صلوات ربي وسلامه عليهم -، ومن أمثلة قلة أدبهم مع الله - عز وجل - قولهم: (( إن الله فقير ونحن أغنياء ))، وقولهم: (( عزير ابن الله ))، وقولهم: (( يد الله مغلولة ))، والجواب: (( غلت أيديهم ولعنوا بما قالوا بل يداه مبسوطتان ينفق كيف يشاء ))، وقالوا أيضاً: (( سمعنا وعصينا )).
ومن قلة أدبهم مع ربهم أيضاً أنهم قالوا لموسى - عليه السلام - (( أرنا الله جهرة ))، ولم يكتفوا بهذا كله بل ألفوا الكتب على حسب أهوائهم، وقالوا هذا كلام اللِه ومن عنده يقول - تعالى - مبيناً هذا الواقع: (( فَوَيلٌ لِلَّذِينَ يَكتُبُونَ الكِتَابَ بِأَيدِيهِم ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِن عِندِ اللَّهِ لِيَشتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيلٌ لَهُم مِمَّا كَتَبَت أَيدِيهِم وَوَيلٌ لَهُم مِمَّا يَكسِبُونَ))، هذا غيض من فيض من أمثلة قلة أدبهم وعدم احترامهم لله - عز وجل - الذي أنعم عليهم بنعم لا تعد ولا تحصى، وفضلهم على العالمين في وقتهم.
أما قلةِ أدبهم مع الأنبياء والمرسلين فأكثر من أن يحصى، فلقد آذوا موسى بشتى أصناف الأذى مع علمهم بأنه رسول من الله إليهم، مما جعل موسى - عليه السلام - يستنكر هذا الأسلوب القبيح فقال الله - تعالى - حكاية عنه (( وَإِذ قَالَ مُوسَى لِقَومِهِ يَا قَومِ لِمَ تُؤذُونَنِي وَقَد تَعلَمُونَ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكُم فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم وَاللَّهُ لَا يَهدِي القَومَ الفَاسِقِينَ ))، ولذلك حذرنا الله من فعلهم فقال – سبحانه: (( يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ ءَاذَوا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهاً ))، أما أذيتهم لعيسى فكثير أيضاً، وقد بلغ بهم الحال أن حاولوا صلبه لكن الله - تعالى - نجاه منهم كما قال - تعالى - مقرراً اعترافهم بذلك: (( وَقَولِهِم إِنَّا قَتَلنَا المَسِيحَ عِيسَى ابنَ مَريَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُم وَإِنَّ الَّذِينَ اختَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ, مِنهُ مَا لَهُم بِهِ مِن عِلمٍ, إلا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً )).
أما أذاهم للأنبياء - صلى الله عليهم وسلم - فيقول عنه - سبحانه -: (( لَقَد أَخَذنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسرَائِيلَ وَأَرسَلنَا إِلَيهِم رُسُلاً كُلَّمَا جَاءَهُم رَسُولٌ بِمَا لا تَهوَى أَنفُسُهُم فَرِيقاً كَذَّبُوا وَفَرِيقاً يَقتُلُونَ )).
أيها الأخوة في الله: إن أناساً هذا طبعهم: قلةُ أدب مع الله ومع ورسله، وقتلٌ لأفضل خلق الله، ثم يطمع عاقل منهم أن يحترموه ويقدروه؟ ويحسنوا علاقتهم به ويكفوا أذاهم عنه إن هذا ضرب من المستحيل، وجهل بالدين.
ومن صفات اليهود المتأصلة في نفوسهم فعلُ المنكرات، وعدمُ النهي عنها، ولذلك لعنهم الله - تعالى - بقوله\" \"لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابنِ مَريَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوا وَكَانُوا يَعتَدُونَ كَانُوا لا يَتَنَاهَونَ عَن مُنكَرٍ, فَعَلُوهُ لَبِئسَ مَا كَانُوا يَفعَلُونَ تَرَى كَثِيراً مِنهُم يَتَوَلَّونَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئسَ مَا قَدَّمَت لَهُم أَنفُسُهُم أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيهِم وَفِي العَذَابِ هُم خَالِدُونَ وَلَو كَانُوا يُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِ مَا اتَّخَذُوهُم أَولِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيراً مِنهُم فَاسِقُونَ\".
بل إن اليهود لم يكتفوا بفعل المنكرات، بل شجعوا عليها حتى لو أدى ذلك إلى أن يدفعوا من أموالهم ما يوفرها ويزينها للناس قال - تعالى - مبيناً حالهم: (( أَلَم تَرَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيباً مِنَ الكِتَابِ يَشتَرُونَ الضَّلَالَةَ وَيُرِيدُونَ أَن تَضِلٌّوا السَّبِيلَ ))، وكما هو معلوم أن هذه الآية نزلت في اليهود في عصر النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذه الرغبة في إفساد الناس موجودة عند يهود اليوم، فالناظر إلى كبرى البنوك الربوية، ودور السينما، ومصانع إنتاج الخمور والمخدرات، وشركات التدخين وبيوت الأزياء، وشبكات الجنس والمنظمات السرية وغيرها يجد أن اليهود من ورائها.
وهذه الصفة الذميمة توعد الله أصحابها بقوله: (( إِنَّ الَّذِينَ يُحِبٌّونَ أَن تَشِيعَ الفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ ءَامَنُوا لَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدٌّنيَا وَالآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعلَمُ وَأَنتُم لا تَعلَمُونَ ))، لذلك نحذر من تقليد اليهود في هذه الصفة فلا نحاول أن ننشر الفساد بين المسلمين سواء عن طريق البيع أو التشجيع أو السكوتِ على المنكر، فلا نبع ولا نشتري المجلاتِ المنحرفة، ولا الأفلامِ المحرمة، ولا نبع ولا نشتري الدخان، أو أجهزة اللهو الجالبة للفتنة، ولا أيَّ شيء يفسد الأمة، فلنحذر من هذا الخلق الذي يتحلى به بعض المسلمين رغبة في جمع المال، فلا بارك الله في مال يُعذب به صاحبُه في الدنيا والآخرة.
إخوة الإيمان: أقول ما تسمعون، وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله ولي الصالحين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والعاقبة للمتقين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وصلى الله وسلم على سيد ولد أدم أجمعين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد:
أيها المسلمون: ومن أشهر صفات اليهود نقضهم للعهد والميثاق، فلقد نقضوا عهدهم مع الله ومع رسله في أكثر من موضع، وقد سطر الله ذلك في كتابه فقال - سبحانه -: (( أو كلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم بل أكثرهم لا يؤمنون ))، ويقول - سبحانه -: (( وَإِذ أَخَذنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسرَائِيلَ لَا تَعبُدُونَ إلا اللَّهَ وَبِالوَالِدَينِ إِحسَاناً وَذِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينِ وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسناً وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَءَاتُوا الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيتُم إِلَّا قَلِيلاً مِنكُم وَأَنتُم مُعرِضُونَ))، (( أَلَم تَرَ إِلَى المَلَإِ مِن بَنِي إِسرَائِيلَ مِن بَعدِ مُوسَى إِذ قَالُوا لِنَبِيٍّ, لَهُمُ ابعَث لَنَا مَلِكاً نُقَاتِل فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَل عَسَيتُم إِن كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَد أُخرِجنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيهِمُ القِتَالُ تَوَلَّوا إِلَّا قَلِيلاً مِنهُم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ ))، حصل هذا قبل بعثة النبي - صلى الله عليه وسلم -، فلما جاء الإسلام وقدم النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى المدينة وعاهدهم نقضوا العهد أكثر من مرة، وتآمروا مع القبائل الكافرة ضد المسلمين، حتى انتقم الله منهم وأخزاهم.
أيها الإخوة: إذا كان هذا دأبهم مع الله ومع رسله فكيف بغيرهم؟ لاشك أن غيرهم من باب أولى، لذا ينبغي على المسلم عدم تصديقهم مهما أعطوا من عهود ومواثيق، خصوصاً أنهم أشد الناس عداوة للمؤمنين كما أخبر بذلك المولى - سبحانه وتعالى - فقال: (( لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ ءَامَنُوا اليَهُودَ وَالَّذِينَ أَشرَكُوا ))، كما أن المسلم يحذر من السير على منوالهم، فلا ينقض العهد والميثاق مهما كانت الأحوال، استجابة لأمر الله - تعالى - حيث يقول: (( وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم ولا تنقضوا الأيمان بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلاً إن الله يعلم ما تفعلون )).
وأخيراً أيها الإخوة: هذا ما تيسر من ذكر أخلاق اليهود، ولعلنا في الجمعة القادمة نكمل ما بقي منها، أسأل الله - تعالى - أن يلهمنا رشدنا، وأن يعيننا على أنفسنا وعلى الشيطان، كما أساله - تعالى - أن يغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد