بسم الله الرحمن الرحيم
مرة أخرى يثبت اللوبي اليهودي قدرته على السيطرة على صانع القرار الأمريكي..هذه المرة من خلال تسخير الإدارة الأمريكية ودفعها لإصدار تقرير يدين كل العالم تقريباً بسبب ما قيل إنه معاداة للسامية. التقرير الذي أصدرته وزارة الخارجية الأمريكية جاء بطلب من أعضاء (يهود) في الكونجرس الأمريكي، زعموا تنامي ظاهرة العداء للسامية في العالم، وهو زعم يراد منه تقديم اليهود في العالم على أنهم ضحية للآخرين بسبب دينهم ومن ثم ابتزاز هذا العالم لتحقيق أهدافهم.
إن مصطلح معاداة السامية يحتوي مقداراً كبيراً من استغباء الأوروبيين والأمريكيين الذين لا يعودون في غالبيتهم للأصل \"السامي\"، من خلال احتكار مصطلح السامية وحصره في اليهود، مع أن غالبية يهود اليوم ليسوا من أصول سامية بعد أن تهود كثيرون من أبناء أوروبا الوسطى قبل بضع مئات من السنين. فالمصطلح ذو دلالة عرقية، واليهود -كما هم المسلمون والمسيحيون وغيرهم من أتباع الديانات- ينتمون إلى خليط من الأجناس والأعراق. وإذا سلمنا جدلاً بوقوع اليهود تحت الاضطهاد بسبب دينهم لكان من الأولى تعريف هذه \"الظاهرة\" بمعاداة اليهود أو معاداة اليهودية دون إضفاء صفة العرقية على اليهود لكي يبدو وكأنهم أمة ذات كيان موحد ومستقل. كما أن مصطلح معاداة السامية توسع في المفهوم الغربي ليشمل ليس فقط معاداة اليهود كيهود بل أخذ بعداً سياسياً من خلال شموله معاداة الصهيونية ومعاداة إسرائيل أيضاً!
تقرير الخارجية الأمريكية عن معاداة السامية في العالم والذي صدر في الخامس من يناير الحالي جاء استناداً إلى قانون وقعه الرئيس بوش في أكتوبر الماضي تحت اسم قانون \"استعراض معاداة السامية في العالم\" لعام 2004. والقانون في أحد بنوده يطلب من وزير الخارجية الأمريكي تقديم تقرير لمرة واحدة فقط إلى الكونجرس يوثق فيه أي عمل معاد للسامية في كل بلد في العالم. واضعو التقرير زعموا أن الحوادث المعادية لليهود أو \"للسامية\" زادت بشكل كبير في العالم خلال السنوات العشر الماضية وهو ما أرغم الحكومة الأمريكية والمجتمع الدولي على التركيز على هذه المسألة بحماس شديد، على حد قولهم.
ويشير التقرير إلى أن حل مشكلة معاداة السامية يكمن في ثلاث طرق:
الأولى التثقيف لنشر روح التسامح والاحترام وتحديد الأسباب الحقيقية للمشكلات التي تؤثر على المجموعات المختلفة ومن ثم مواجهة الدعاية المعادية للسامية على حد وصف التقرير.
أما الثانية فهي وضع تشريعات تحظر جرائم الكراهية.
أما الثالثة فهي تعزيز جهود أجهزة تنفيذ القانون بهذا الصدد. وقد أعلن مايكل كوزاك القائم بأعمال مساعد وزير الخارحية لشؤون الديمقراطية وحقوق الإنسان أنه من المهم بالنسبة لاستراتيجية الولايات المتحدة حماية حقوق الإنسان والحربات الدينية إذ إن هذا التقرير يوضح هذا الالتزام من جانب واشنطن. وبالطبع فإن الحديث هنا عن حقوق الإنسان اليهودي والحرية الدينية لليهود، وليس عن أحد غيرهم ممن تنتهك الإدارة الأمريكية والحكومات الغربية بشكل عام حرياتهم صباح مساء. ولم ينس كوزاك التذكير بما قاله جورج بوش عشية توقيعه قانون استعراض معاداة السامية في أكتوبر الماضي من أن \"الدفاع عن الحرية يعني أيضاً وقف الشر المتمثل في معاداة السامية\"!
الذي دفع لإصدار هذا التقرير كما تقول الإدارة الأمريكية هو تزايد الحوادث المعادية للسامية منذ بداية القرن الحالي من حيث العدد والعنف(!) خصوصاً في أوروبا. هذه الظاهرة ازدادت حدتها كما يقول التقرير في أوروبا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية لكنها خفت في العقود التي تلت ذلك لتعود من جديد خلال السنوات الأربع الماضية وبحدة أكبر.
انحياز كامل
التقرير لم يعتبر مجرد انتقاد السياسات الصهيونية عداءً للسامية لكنه يرى أن تحقير الكيان الصهيوني كدولة أو شتم قادة \"إسرائيل\" أحياناً من خلال تشبيههم بقادة النازية ومن خلال استخدام شعارات النازية في مهاجمتهم، كل ذلك يعد معادياً للسامية وليس انتقاداً مقبولاً لمسائل قابلة للجدل.
ويرى التقرير أن هناك أربعة مصادر أو أشكال اتخذتها ظاهرة معاداة السامية في العالم:
الكراهية التقليدية لليهود التي سادت في أوروبا وبعض الدول الأخرى منذ عدة قرون. ويتضمن ذلك تنامي ظاهرة التشدد القومي وغيرها والتي تعتقد أن الجالية اليهودية في أي بلد تهيمن على الحكومة فيه وعلى وسائل الإعلام وقطاع الأعمال والاقتصاد.
المشاعر القوية المعادية ل \"إسرائيل\" التي تتجاوز حدود النقد الموضوعي للسياسات الإسرائيلية.
المشاعر المعادية لليهود التي يعبر عنها بعض المسلمين في بعض الدول الأوروبية والذين يزدادون عدداً هناك بسبب العداء الدائم للكيان الصهيوني واليهود وبسبب معارضة المسلمين لما يحدث في فلسطين المحتلة وفي العراق في الوقت الحالي.
الانتقادات الموجهة لكل من الولايات المتحدة ونظام العولمة والذي يتحول إلى \"إسرائيل\" واليهود بشكل عام بسبب ربط اليهود و\"إسرائيل\" بأمريكا والعولمة.
ووفقاً للتقرير فإن مركز الرصد التابع للاتحاد الأوروبي رصد زيادة ملحوظة في الحوادث المعادية لليهود في كل من فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبلجيكا وهولندا خلال عامي 2002 و 2003 على الرغم من المراقبة القوية التي تفرضها حكومات تلك الدول على مثل تلك \"المخالفات\". وإذا كان التقرير قد ركز على خطر الجاليات المسلمة في أوروبا الغربية وكونهم سبباً رئيساً في انتشار ظاهرة معاداة اليهود واليهودية في أوروبا، فإنه لم يغفل أيضاً ذكر تنامي النزعة القومية واليمينية بين شعوب دول أوروبا الشرقية والاتحاد السوفييتي سابقاً، حيث تسود قناعة بين هذه الشعوب، وفقاً للتقرير، بأن اليهود يتلاعبون بالاقتصاد العالمي.
وفي الشرق الأوسط والعالم العربي، اتهم التقرير دولاً عربية مختلفة خصوصاً سورية ومصر بأنهما \"تغمضان عينيهما وفي حالات تدعم معاداة اليهود من خلال برامج الإذاعة والتلفزيون وغيرها من وسائل الإعلام\"! وهو دليل واضح على تسييس التقرير ومن يقفون وراءه من اللوبي اليهودي. ويذكّر التقرير بشيوع إنكار مذابح الهولوكست أو التقليل من شأنها بين شعوب الشرق الأوسط.
ويلاحظ التقرير أن ناقدي دولة \"إسرائي\"ل يلجؤون لرسوم كاريكاتيرية تحتقر اليهود في معرض انتقادهم ل \"إسرائيل\" وسياستها وللمجتمعات اليهودية التي تدعمها\" كما يشير إلى أن الولايات المتحدة تكون مشمولة أيضاً في الهجوم من خلال التأكيد على أن السياسة الخارجية الأمريكية توضع في \"إسرائيل\" أو أن اليهود يسيطرون على وسائل الإعلام والأسواق المالية في الولايات المتحدة وبقية دول العالم. ولم يفت التقرير أن يذكر بأن الصحافة العربية خلال حملة الانتخابات الرئاسية الأمريكية، حملت عدداً كبيراً من الرسوم الكاريكاتيرية تتهم الحزبين الأمريكيين الرئيسين بالانحياز ل \"إسرائيل\" ورئيس الوزراء شارون.
والمثير أن يدافع التقرير الأمريكي عن \"بروتوكولات حكماء صهيون\" بزعم أنه ثبت زيفها قبل عدة سنوات باعتبار أن الوكالات الاستخبارية القيصرية في روسيا هي التي زورتها ونسبتها للحركة الصهيونية. وفي هذا السياق يتهم التقرير وسائل الإعلام العربية بالاستمرار في نشر هذه البروتوكولات ونسبتها لليهود، كحقيقة قائمة. ويتهم التقرير التلفزيون السوري بالتحديد ببث مسلسلات مطولة تعتمد على هذه البروتوكولات.
ويشير التقرير إلى حظر الحكومة الفرنسية لبث قناة المنار الفضائية التابعة لحزب الله بسبب بثها مواد معادية لليهود، باعتبار ذلك عملاً إيجابياً، كما أن التقرير اتهم قناتي الجزيرة والعربية ببث برامج وأخبار مريبة وطالب -بطريق غير مباشر- الحكومة الفرنسية بسحب ترخيص بث القناتين أيضاً كما فعلت مع المنار (علماً بأن القناتين تبثان داخل الولايات المتحدة نفسها)!
الملاحظة الجديرة بالاهتمام أن التقرير رصد ما اعتبره انتهاكاً لحقوق اليهود في كل مناطق العالم إلا في الولايات المتحدة نفسها، فهل أمريكا خالية من مثل هذه المخالفات ؟! إن صدور التقرير عن وزارة الخارجية الأمريكية يعطي مؤشراً على تسييس معاداة السامية وليس مجرد اعتبارها مخالفة لحقوق الإنسان، فالهجوم الأمريكي الكبير في هذا التقرير جاء على أوروبا الغربية بالتحديد (الاتحاد الأوروبي) وبعض الدول العربية التي تريد واشنطن ممارسة ضغط عليها لتغيير سياساتها بما يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية.
إن إصدار مثل هذا التقرير قد يكون نزيهاً ويعبر عن نوايا حسنة إذا تبعته تقارير أخرى عن انتهاكات حقوق البشر خصوصاً العرب والمسلمين من جانب الإدارة الأمريكية و\"إسرائيل\" وعدد من الدول الغربية وهي ظاهرة تطغى على معاداة السامية خصوصاً بعد هجمات 11 سبتمبر.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد