بسم الله الرحمن الرحيم
يبدو أن المنطقة العربية برمتها في حالة سيولة بما فيها أيضاً الكيان الصهيوني ذاته، الذي أصابته عدوى عدم معرفة الاتجاه، ولعل الذي يطالع نتائج الانتخابات الإسرائيلية، ومقررات القمة العربية - وكانتا متزامنتين - يكتشف للوهلة الأولى غياب توجه حقيقي وواضح في العمليتين.
نحن هنا بصدد تحليل نتائج الانتخابات الإسرائيلية، والنتائج المعلنة تقول أن حزب كاديما \' إلى الأمام \' بقيادة أيهود أولمرت فاز بـ28 مقعداً من أصل 120 مقعد أي أقل من الربع، وهو رقم يعني أنه لا يوجد حزب إسرائيلي قادر على الزعم بأنه يمثل الشعب الإسرائيلي أو قطاع هام منه، مع ملاحظة أن استطلاعات الرأي في أوائل غيبوبة شارون كانت تعطي الحزب 43 مقعد، وهذا يعني أن الحزب فقد مع الزمن حوالي ثلث قوته، الأمر الذي يعني أن غياب شارون سيكون عاملاً مؤثراً في قوة الحزب مع مرور الوقت، وأن إسرائيل لم تعد قادرة على إنجاب شخصيات قوية أمثال رابين وشارون وبن جوريون... الخ، وهذا يعني أن الدولة العبرية في طريقها إلى التفكك، وأنها لم تعد تعرف ماذا تريد، وإلى أي طريق تتجه.
صحيح أن أولمرت يسير على خطى شارون، وأعلن أنه سوف ينسحب من كل المستعمرات شرق الجدار العازل، أي يقصر حدود إسرائيل على ما هو داخل الجدار، وهي الفكرة التي كانت خلف تنفيذ هذا الجدار، ولكن هذا يعني أولاً تجاهل الشعب الفلسطيني وسلطته، والتصرف من طرف واحد، وهذا يعني نوع من الخوف الإسرائيلي الداخلي!!.
وقد جاء في المرتبة الثانية حزب العمل الإسرائيلي بـ 20 مقعداً وهو نوع من ارتفاع نصيب الحزب، ولكن هذا بدوره تأكيد على حالة التفكك وعدم وضوح الرؤية لدى الناخب الإسرائيلي، ومن ثم مستقبل إسرائيل ذاته، لأن هذه النسبة بين الأصوات لا تعبر عن موقف سياسي معين، لأن رئيس حزب العمل الجديد عامير بيرتس اهتم في برنامجه الانتخابي بالقضايا الاقتصادية والاجتماعية، وخاطب الجمهور الإسرائيلي من اليهود الشرقيين باعتباره أولاً زعيم نقابي عمالي، وثانياً باعتباره من أصل مغربي أي يهودي شرقي، فحصل على أصوات كانت تتجه إلى اليمين عادة، ولكن أهم ما في الأمر أن هناك تغير في القواعد الشعبية للأحزاب الإسرائيلية والقيادات الإسرائيلية، فحزب العمل الإسرائيلي الذي كان صاحب النصيب الأوفر في بناء وقيادة إسرائيل أيام التأسيس والتمدد، والذي كان يعتمد على الأشكيناز بشكل خاص \' اليهود من أصل أوروبي وغربي وأمريكي \' بات يعتمد على السفارديم \'اليهود الشرقيين\'، أو يحظى بجزء منهم، وهذا يعني تغييراً في بنية الحزب وهيكلته له ما بعده بالطبع.
جاء في المرتبة الثالثة حزب شاس \'13 مقعد\' وهو حزب يميني ديني متفوقاً بذلك على حزب الليكود الذي حصل فقط على 12 مقعد، وهذا يعني أن الليكود في أزمة حقيقية تحت قيادة نتنياهو، بل هذا يعني أن حزب الليكود الذي كان يحظى عادة إما بالمركز الأول أو الثاني في الانتخابات الإسرائيلية نزل إلى المركز الخامس، فهو أقل من أحزاب كاديما، العمل، شاس، ومتعادلاً في عدد الأصوات مع حزب \' إسرائيل بيتنا \'، ولعل تلك النتيجة المتواضعة لحزب الليكود يعني أن الذين تحدثوا عن أن فوز حماس في الانتخابات التشريعية الفلسطينية وتشكيلها للحكومة في الأراضي المحتلة سيدفع الإسرائيليين إلى التشدد والاتجاه يميناً أكثر، ومن ثم فوز الليكود أو زيادة نسبته التصويتيةº هذا الرأي ليس صحيحاً، وليس هناك ارتباط شرطي بين فوز الاتجاه الإسلامي أو حماس أو غيرها ومزاج الناخب الإسرائيلي، وهذا يعني بدوره أن المجتمع الصهيوني فقد تماسكه، وفقد القدرة على فهم ما يدور حوله، وأنه لا يعرف إلى أين يتجه، وأنه يعاني من أزمة بنيوية طاحنة، وأنه في طريقه إلى التفكك.
تواضع نسبة الفوز الذي حققه كاديما، وكذا تشرذم مقاعد البرلمان الإسرائيلي \' الكنيست \' بين أكثر من عشرة أحزاب وتكتلاتº يعني مباشرة ما كررنا دائماً وهو أن إسرائيل تسير في طريق التفكك، وأن الفكرة الصهيونية ذاتها أصبحت في مهب الريح - بسبب العمليات الاستشهادية، واستمرار الكفاح والنضال -، وأن جيل الشباب الإسرائيلي ليس قادراً ولا راغباً في دفع تضحيات مثل جيل الآباء المؤسسين، وأنه سئم من استمرار الموت، ومن ثم سئم من استمرار إسرائيل ذاتها رغم تفوقها العسكري والسياسي ونفوذها الدولي الهائل، ولعل هذا يفسر ضعف نسبة الإقبال على الانتخابات 62% وهي أقل نسبة في تاريخ إسرائيل كلها!!.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد