بسم الله الرحمن الرحيم
يعرض الدكتور خالد أبو عصبة من خلال كتابه \"جهاز التعليم في إسرائيل: البنية، المضامين، التيارات، أساليب العمل\" للقارئ العربي صورة كاملة عن جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي، معتمداً في عرضه أسلوب البحث المكتبي، ومتجنباً في نفس الوقت تقديم الملاحظات والمواقف الشخصية من منطلق التعامل مع الموضوعات والقضايا المختلفة التي وردت في الكتاب من خلال مطالعة أكبر عدد ممكن من الأدبيات التي تتطرق إلى هذا الموضوع.
- اسم الكتاب: جهاز التعليم في إسرائيل.. البنية، المضامين، التيارات، أساليب العمل.
- المؤلف: خالد أبو عصبة.
- عدد الصفحات: 298.
- الناشر: المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية، مدار, رام الله.
- الطبعة: الأولى/ 2006.
ويكشف الكتاب عن مدى اهتمام الحكومة العبرية بوظيفة جهاز التربية والتعليم لديها، ولعل ذلك يظهر جلياً من خلال الموارد المالية الطائلة التي تستثمر في هذا الجهاز في مختلف مراحله بغية غرس القيم الدينية والصهيونية من جهة، وتطوير القضايا التعليمية، والرغبة في امتلاك المعرفة واستغلالها في ثورة المعلومات والتكنولوجيا للربط ما بين التعليم والتقنية.
معالم الجهاز:
فالحقائق التي أوردها الكاتب في ثنايا الكتاب توصل القارئ إلى استنتاجات بارزة حول معالم التربية والتعليم لدولة إسرائيل سواء أكان ذلك في أهدافه، أو تطلعاته وأسلوب عمله، وذلك من خلال اعتماد مؤلف الكتاب على المراجع الأصلية لأبرز الباحثين والدارسين لجهاز التربية والتعليم في إسرائيل.
فترتيب فصول الكتاب جاءت متداخلة من حيث المبنى والمضمون، فكل فصل من الفصول يتناول المبنى من جهة، والعلاقة القائمة بين هذا المبنى، والمضامين المتعلقة به، والمتأثرة من جرائه.
ويحاول الكاتب من خلال تلك الفصول المختلفة الوقوف على الأساسيات التي تحدد معالم جهاز التعليم في إسرائيل، فضلاً عن إيراده بعض التفاصيل الجزئية في بعض فصول الكتاب بغرض إبراز تلك الأساسيات.
وبما أن القضية التربوية والتعليمية في أي مجتمع تعتبر القضية الأساسية في مدى قدرته على الاستمرارية في نقل الموروث الثقافي والحضاري المتمثل بالقيم الخاصة، بغرض المحافظة على ذاته وخصوصيتهº يشير الكاتب في هذا السياق إلى أن معدل مصروفات ثلاثين دولة من الدول التي تعتبر من الدول المتطورة في العالم على قطاع التعليم وصل إلى 6.2% من إنتاجها القومي في عام 2001، في حين بلغ ما أنفقته إسرائيل على هذا القطاع في نفس العام إلى 8.2% من إنتاجها القومي، الأمر الذي يشير إلى مدى اهتمامها بجهازها التربوي والتعليمي أسوة بالدول المتطورة.
ويحاول الكاتب مواكبة تطور جهاز التربية والتعليم بكل جوانبه في فترة ما قبل قيام إسرائيل إلى يومنا هذا، وذلك لما أسهم به هذا الجهاز في إقامة الدولة، ورسم معالمها.
ويرى مؤلف الكتاب أنه رغم مضي أكثر من نصف قرن على قيام إسرائيل، وأكثر من قرن على بداية سعي الحكومة الصهيونية لتأسيسهاº فما زال جهاز التربية والتعليم يتخبط كثيراً في كل ما يتعلق بالتربية على القيم ما بين التيارات المختلفة في إسرائيل، ويبحث عن الطريق التي تؤدي إلى الوحدة الوطنية بين تيارات وتوجهات متناقضة خاصة لكون المجتمع الإسرائيلي مجتمعاً يعتمد على الهجرة بشكل أساسي منذ قيامه وحتى اليوم.
تحديات عديدة:
ويتطرق الكتاب إلى التحديات العديدة والجدية التي تواجه جهاز التربية والتعليم الإسرائيلي في كل ما هو متعلق بكيفية التعامل مع النسيج الاجتماعي والثقافي الإسرائيلي المركب.
فهذه الحالة على الرغم من كونها معقدة للغاية، ومليئة بالتناقضات الداخليةº فهي كذلك في حالة دائمة من الصراع الخارجي، وغالباً ما يقوم دعاة الصهيونية والعاملون على مستوى اتخاذ القرارات في الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بتقديم صورة وردية لمجتمع فتي متماسك نجح في صهر أعضائه القادمين من شتى بقاع الأرض، ومن شتى الخلفيات الثقافية والاجتماعية الإثنية والعرقية, وفي خلق نموذج \"العبري الجدي\".
إلا أن هذا التصور ما زال بعيداً عن المنال، بل ويشير الواقع الاجتماعي والثقافي والسياسي إلى تقوقع كل شريحة على ذاتها وحتى عدم الانخراط، ناهيك عن الصهر وقبول صورة العبراني الجديد أي المتمعن والمدقق في قراءة هذا الجهاز يلمس بأن الهدف لم يتم تحقيقه بعد.
فهنالك التيارات التعليمية العديدة التي تمثل فئات من المهاجرين حسب موطنهم الأصلي سواء من الدول الغربية أم الدول الشرقية, كما تنتمي هذه التيارات المختلفة من حيث الهيكلية والمبنى وتبعاً لهذا المبنى أو ذاك تختلف كذلك في الأيديولوجية التي تنعكس في المضامين (الإطار المفاهيمي للمناهج والمقررات) التي تطرحها هذه التيارات التعليمية برمتها - سوى تيار التعليم العربي - والتي تعتمد سياسة تربوية تقوم أساساً على مرتكزات دينية يهودية خاصة تدعو إلى ربط الإنسان اليهودي بأرض فلسطين باعتبارها أرض الشعب المختار.
ومن ثم فلم يكن ارتباط اليهودي بالأرض الفلسطينية مادياً، بل من صميم العقيدة اليهودية، مما تسبب في إخراج جيل متعصب يؤمن في حقه في الأرض ويتشبث بها، كما يتعامل بشعور من الفوقية على الفلسطيني صاحب الأرض الأصلي في الواقع.
ويظهر الكتاب مدى الملائمة والتوافق القوي بين أهداف جهاز التربية والتعليم التربوية من جهة وحاجات المجتمع الإسرائيلي المنقسم والمنشطر على نفسه اجتماعياً وثقافياً من جهة أخرى، ويرى مؤلف الكتاب أن جهاز التربية والتعليم - ووفق هذه الخصوصية الاجتماعية - اعتمد على الخلفية الدينية والتوارتية التلمودية في تحقيق ذلك التوافق.
الأسس الأيديولوجية:
يحتوي الكتاب على ستة فصول: الفصل الأول تحت عنوان جهاز التعليم العبري قبل قيام دولة إسرائيل، جاء هذا الفصل كفاتحة للكتاب وذلك لصعوبة فهم جهاز التعليم في إسرائيل منذ قيامها وحتى يومنا هذا دون الوقوف ومعرفة الخلفية التي انبثق عنها، والميراث الذي بلوره، حيث أن التيارات التعليمية المركبة للجهاز - كما هي اليوم - جاءت امتداداً للتيارات الأيديولوجية والحزبية التي كانت موجودة قبل قيام إسرائيل.
فقد وجد التعليم اليهودي منذ الاستيطان الأول للمهاجرين اليهود في فلسطين، فمنذ سنوات الثمانين من القرن التاسع عشر أنشئت المدارس الأولية التي أخذت على عاتقها مهمة توفير التعليم اليهودي، كما تم التطرق في هذا الفصل إلى مبنى الجهاز خلال فترة الانتداب البريطاني، حيث شهدت هذه الفترة بداية تنظيمية في فلسطين، وتحديد علاقته مع الانتداب البريطاني.
وتناول الفصل الثاني الذي جاء تحت عنوان \"السياسات التربوية لجاز التعليم الإسرائيلي\" تحليلاً للسياسة التربوية المنهجية في الجهاز على مختلف تياراته، وذلك من خلال الوقوف على الأسس الأيديولوجية الموجهة لعمله وما لها من أثر في بناء شخصية الخريجين من جهة، وفي التأثير على المجتمع برمته من جهة ثانية.
كما يحاول الكاتب الوقوف على المعضلات المركزية التي ترافق هذه السياسة التربوية مثل: العلاقة مع السلطة المركزية والحكم المحلي، والتربية الصهيونية الدينية، والتربية الصهيونية العلمانية، التعليم النظري والتعليم المهني التكنولوجي... إلخ.
ويقف مؤلف الكتاب من خلال هذا الفصل على المصادر الأيديولوجية التي يعتمد عليها جهاز التربية والتعليم في إسرائيل وذلك من خلال التعامل معه كما جاء في مناهج التدريس، وتتطرق نهاية الفصل إلى الأهمية التي يوليها المجتمع الإسرائيلي بشكل عام للغناء الشعبي، وما لهذا الغناء العبري من أثر على البيئة التي تصاحب العملية التربوية، ومدى مساهمة هذا الجانب وتجنيده في خدمة الاستيطان والاحتلال.
التيارات التعليمية:
كما يتطرق الفصل الثالث إلى التيارات التعليمية المختلفة الفاعلة حالياً في الجهاز التعليمي في إسرائيل، كما يقف على مدى مركزية السياسة الحكومية المتمثلة بسياسة وزارة التربية والتعليم في التعامل مع هذه التيارات، رغم ما يبدو للوهلة الأولى من وجود تعددية ليبرالية في الجهاز التعليمي، كما يتطرق أيضاً إلى الخلفية التاريخية في تكون هذه التيارات التي تعود جذورها إلى ما قبل إقامة إسرائيل، وذلك حسب التيارات الحزبية والأيديولوجية التي كانت فاعلة في تلك الحقبة التاريخية.
ويتعامل الفصل الثالث مع كل تيار من هذه التيارات المختلفة من حيث الأيديولوجية المركزية، والتوجه التربوي الأساسي من خلال طرحه لأهداف تربوية خاصة به، الأمر الذي يشير إلى الشرخ الثقافي والاجتماعي والسياسي، حيث يحاول كل تيار ووفق الأهداف التربوية الخاصة بهº جذب أكبر عدد ممكن من الطلبة بغية تعميق التربية الخاصة بهذا التيار أو ذاك بغرض رسم معالم شخصية خريجيه.
ويتناول الفصل الرابع الذي جاء تحت عنوان \"جهاز التعليم العربي في إسرائيل\" مميزات جهاز التعليم العربي من حيث المبنى والعمل التربوي والتعليمي، وكذلك مكانته بين التيارات التعليمية الأخرى سواء أكان ذلك من حيث المبنى والعمل التربوي أم التعليمي، وكذلك مكانته بين التيارات التعليمية الأخرى من حيث السياسة المنهجية إزاءه من قبل الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، أو من حيث مدى نجاح أو فشل هذا الجهاز في تحقيق ما يرجى منه، وما يصبو إليه المجال التعليمي والتربية على القيم.
ويركز هذا الفصل بشكل مركزي على عاملين أساسيين يتعلقان بجهاز التعليم العربي: الأول خضوعه للمراقبة والسيطرة التامة من قبل المؤسسة الحاكمة، وعدم إتاحة الفرصة للمربين العرب بالمشاركة في تحديد السياسة التربوية المتعلقة بتربية طلبتهم.
والثاني يتعلق بالموارد التي ترصد لجهاز التعليم العربي مقارنة مع جهاز التعليم العام والرسمي الذي يعتبر التعليم العربي جزءاً منه من الناحية الإدارية والتنظيمية.
ويهدف هذا الفصل إلى الوقوف على البيئة السياسة والاجتماعية التي يعمل في كنفها جهاز التعليم العربي في إسرائيل، وذلك من خلال رصد وتشخيص العوامل والعقبات التي تقف حجر عثرة أمام تطوره.
التعليم العالي:
ويشير الفصل الخامس الذي يتناول اتجاهات وتوجهات وتطور التعليم العالي في إسرائيل إلى مقدرة جهازها التعليمي على إيصال أكبر نسبة من الطلبة إلى التعليم العالي من حيث الكم والكيف، كما يتطرق إلى أثر هذا التعليم على الرفاه الاجتماعي والمستوى الاقتصادي للفرد والجماعة، ويتحدث عن المبنى التنظيمي والهيكلي للتعليم فوق الثانوي، وتطور الكليات الأكاديمية، ومدى مقدرة المجموعات السكانية المختلفة على الالتحاق به.
كما يتعامل بشكل عميق مع اتجاهات التطور الحاصل في السنوات الأخيرة في المجال العلمي والتكنولوجي، ومدى الاستثمار والاعتماد في الاقتصاد الإسرائيلي على البحث التكنولوجي.
ويختم الكتاب بالفصل السادس الذي يبرز الفجوات التحصيلية البارزة بكل ما يتعلق بالتحصيل التعليمي للطلاب، ومن ثم محاولة إعطاء تفسير لها على خلفية الاختلافات الثقافية للمجموعات السكانية والإثنية المركبة للمجتمع، بما في ذلك السياسة المتعلقة بالأقلية العربية الفلسطينية.
كما عالج هذا الفصل بإسهاب قضية الدمج التي اعتبرت مركزية في السياسة التربوية في إسرائيل منذ الستينيات حتى يومنا هذا، والتي جاءت بهدف صهر المهاجرين من مجتمعات وثقافات مختلفة في بوتقة واحدة، والجدل السياسي والتربوي الطويل الذي واكبها حول ما ترمي إليه من أهداف، وكذلك حول نتائج هذه السياسة التربوية بعد ما يقارب أربعين عاماً من انتهاجها.
كما يحاول التعامل مع الأرقام والإحصائيات التي تشير إلى وجود الفجوات التحصلية لدى الطلبة، سواء أكان ذلك على خلفية القومية (يهود مقابل عرب)، أم على خلفية اجتماعية – اقتصادية، أم على خلفية الجنس، كما تم التطرق إلى السياسة التربوية والتعليمية للحكومات المتعاقبة إزاء هذه الفجوات.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد