الأناجيل ليست كلام الله ( 2 )


 

بسم الله الرحمن الرحيم



استكمالا لما ابتدأناه من إثبات القول بوقوع التحريف في أناجيل النصارى، نورد أمثلة أخرى تدل على صحة دعوى المسلمين بأن تلك الأناجيل محرفة، وأنها لا يمكن أن تكون كلمة الله، لما اشتملت عليه من التناقض والاضطراب الذي ينزه عنهما كلام الله - سبحانه - الذي {لا يَأتِيهِ البَاطِلُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَلا مِن خَلفِهِ} (فصلت: 42) فمن تلك الأمثلة:

تخلف نبوءات الأناجيل عن الوقوع

وهذا من أقبح التحريف، إذ إن أخبار الأنبياء حق لا يمكن أن تتخلف، فإذا وجد في الكتاب خبر قد عين وقته أو علامته ولم يتحقق بعد مضي ذلك الوقت أو مجيء تلك العلامة، فهذا يدل على أن ذلك النبي لم يكن نبيا، أو أن الخبر إليه لم يكن صحيحا، لما تقرر من ثبوت العصمة لأنبياء الله في تبليغ وحيه.

ومع ذلك نجد في أناجيل النصارى بشارات أو نبوءات منسوبة إلى المسيح - عليه السلام -، لكنها لم تقع رغم وقوع علامتها ومرور الوقت المحدد لها، فمن ذلك ما جاء في إنجيل متى 27-28/16من قول المسيح - عليه السلام -: \" فَإِنَّ ابنَ الإِنسَانِ سَوفَ يَعُودُ فِي مَجدِ أَبِيهِ مَعَ مَلاَئِكَتِهِ، فَيُجَازِي كُلَّ وَاحِدٍ, حَسَبَ أَعمَالِهِ. الحَقَّ أَقُولُ لَكُم: إِنَّ بَعضاً مِنَ الوَاقِفِينَ هُنَا لَن يَذُوقُوا المَوتَ، قَبلَ أَن يَرَوا ابنَ الإِنسَانِ آتِياً فِي مَلَكُوتِهِ \" فقد دلت هذه النبوءة على أن نزول عيسى - عليه السلام - من السماء سيكون قبل أن يفنى الجيل الذي يخاطبه، بل قبل أن يموت بعض الواقفين بجانبه، وقد مات ذلكم الجيل كله ومئات من الأجيال بعده، ولم ينزل المسيح - عليه السلام - ولم تتحقق نبوءته، ويقيننا بأن عيسى نبي من عند الله يدفعنا إلى اتهام النقلة عنه في عدم الدقة، بل والزيادة في كلامه والنقصان منه حسب الأهواء والرغبات.

ومن هذا القبيل أيضا ما جاء في إنجيل لوقا من قول الملائكة لمريم - عليها السلام -: 30-33 / 1: (لاَ تَخَافِي يَا مَريَمُ، فَإِنَّكِ قَد نِلتِ نِعمَةً عِندَ اللهِ! وَها أَنتِ سَتَحبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابناً، وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. إِنَّهُ يَكُونُ عَظِيماً، وَابنَ العَلِيِّ يُدعَى، وَيَمنَحُهُ الرَّبُ الإِلهُ عَرشَ دَاوُدَ أَبِيهِ، فَيَملِكُ عَلَى بَيتِ يَعقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلَن يَكُونَ لِمُلكِهِ نِهَايَةٌ). ومعلوم أن داود - عليه السلام - تولى حكم بني إسرائيل وكانت مملكته ممتدة على رقعة جغرافية واسعة في حين أن عيسى - عليه السلام - لم يستطع أن يتملص من دفع الجزية لقيصر، بل إنه - عليه السلام - يصرح كما في إنجيل يوحنا 18/36: \" بأن مملكته ليست من هذا العالم \" فكيف يصح بعد هذا ما جاء في إنجيل لوقا من أنه يعطى ملك داود وأن ملكه يبقى إلى الأبد!!!



تناقض واضطراب في كلام الأناجيل

من ذلك ما جاء في إنجيل متى 38-40 / 12: \" عِندَئِذٍ, أَجَابَهُ بَعضُ الكَتَبَةِ وَالفَرِّيسِيِّينَ، قَائِلِينَ: \" يَا مُعَلِّمُ، نَرغَبُ فِي أَن نُشَاهِدَ آية تُجرِيهَا! فَأَجَابَهُم: جِيلٌ شِرِّيرٌ خَائِنٌ يَطلُبُ آيَةًº وَلَن يُعطَى آيَةً إِلاَّ آيَةَ يُونَانَ النَّبِي ِّ (يونس - عليه السلام -) فَكَمَا بَقِيَ يُونَانُ فِي جَوفِ الحُوتِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ, وَثَلاَثَ لَيَالٍ,، هَكَذَا سَيَبقَى ابنُ الإِنسَانِ فِي جَوفِ الأَرضِ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ, وَثَلاَثَ لَيَالٍ, \" ففي هذا النص يمتنع المسيح - عليه السلام - عن إعطاء علماء اليهود آية في حياته، ولكنه في نص آخر يعرض عليهم آية ومعجزة بناء هيكلهم في ثلاثة أيام بعد أن يهدموه هم، فقد جاء في إنجيل يوحنا 18-20/ 2: \" فَتَصَدَّى اليَهُودُ لِيَسُوعَ وَقَالُوا لَهُ: \"هَاتِ آيَةً تُثبِتُ سُلطَتَكَ لِفِعلِ مَا فَعَلتَ! \" أَجَابَهُم يَسُوعُ: \"اهدِمُوا هَذَا الهَيكَلَ، وَفِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ, أُقِيمُهُ\". فَقَالَ لَهُ اليَهُودُ: \"اقتَضَى بِنَاءُ هَذَا الهَيكَلِ سِتَّةً وَأَربَعِينَ عَاماً، فَهَل تُقِيمُهُ أَنتَ فِي ثَلاَثَةِ أَيَّامٍ,؟ \"، فبأي الفقرتين نأخذ وإلى أي القولين نصير!! هل نأخذ بالفقرة التي تنفي إعطاء عيسى لبني إسرائيل آية؟ أم بالفقرة التي تثبت إعطاءهم إياها؟!!.



الاختلاف في حامل الصليب

ومن أوجه التناقض والاختلاف ما جاء في إنجيلي متى 27/32 ولوقا 23/26 من أن حامل الصليب هو سمعان القيرواني، في حين جاء في إنجيل يوحنا 19/17 أن المسيح - عليه السلام - هو من كان يحمل الصليب!! وهنا نسأل نفس السؤال من كان الحامل الحقيقي للصليب المسيح أم سمعان القيرواني؟ !!



الاختلاف في وصية المسيح لتلاميذه

جاء في إنجيل متى 9-10/10 أن المسيح - عليه السلام - قال لتلاميذه: \" لا تقتنوا ذهبا ولا فضة ولا نحاسا في مناطقكم ولا مزودا للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصاً \" في حين أن في إنجيل مرقص 8-9/6: \" وأوصاهم ألا يحملوا شيئا في الطريق غير عصا فقط \" فهل لنا أن نسأل هنا هل أوصاهم بترك كل شيء حتى العصا أم أوصاهم بترك كل شيء بما في ذلك العصا!! فأي الوصيتين أحق بالتصديق وأي القولين هو القول الثابت عن المسيح - عليه السلام -؟!!.

إن هذه الأمثلة وغيرها تؤكد على أن هذه الأناجيل ليست من وحي الله - عز وجل -، وأن تلك الأناجيل ما هي إلا كتب اشتملت على حكايات وقصص وأقوال نسبت إلى المسيح - عليه السلام -، فيها الصحيح والضعيف والحق والباطل، وإن المنهج الصحيح في معرفة ما في تلك الأناجيل من حق وباطل هو عرضه على القرآن الكريم والسنة النبوية فما أقرا قبُِِِل، وما أنكرا رُدَّ، وما سكتا عنه فنتوقف في قبوله أو رده، وبغير هذا المنهج لن نستطيع أن نرجح بين هذه الأناجيل إلا بتحكم لا يقبله المنهج العلمي.

نسأل المولى - عز وجل - أن يهدينا لما اختلف فيه من الحق بإذنه إنه يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply