بسم الله الرحمن الرحيم
قد أشرنا في العدد السابق إلى أن تصريحات العميد السابق لكلية الشريعة كانت تحاول الدفاع عن الفكر الصوفي بقصد كانت أم بغير قصد، وقد كانت محاولة منه لتبرير بعض الأفعال الشركية كالطواف حول القبور مع إقراره ببدعية هذا العمل، بالإضافة إلى مدحه للصوفية وافتخاره بأنه يدرس كتاب الحكم العطائية الذي وصفه بعض العلماء أنه يدعو إلى وحدة الوجود وغيرها من الأفكار المغالية في التصوف، وسنوضح في هذه الحلقة حقيقة ابن عربي صاحب كتاب (فصوص الحكم) وماذا قال عنه العلماء وعن كتبه، وسنوضح أيضا ماهية كتاب الحكم العطائية، بالإضافة إلى أقوال العلماء في بيع مثل هذه الكتب - المليئة بالعقائد الفاسدة والانحرافات البدعية - أو اقتنائها.
حقيقة ابن عربي
يقول الذهبي في ترجمته في سير أعلام النبلاء: ابن العربي صاحب التواليف الكثيرة محيي الدين أبو بكر محمد بن علي بن محمد بن أحمد الطائي الحاتمي المرسي ابن العربي نزيل دمشق. ذكر أنه سمع من ابن بشكوال وابن صاف، وسمع بمكة من زاهر بن رستم وبدمشق من ابن الحرستاني، وببغداد وسكن الروم مدة وكان ذكيا كثير العلم كتب الإنشاء لبعض الأمراء بالمغرب ثم تزهد وتفرد وتعبد وتوحد وسافر وتجرد واتهم وأنجد وعمل الخلوات وعلق شيئا كثيرا في تصوف أهل الوحدة ومن أردأ تواليفه -كتاب الفصوص- فإن كان لا كفر فيه فما في الدنيا كفر. نسأل الله العفو والنجاة فواغوثاه بالله وقد عظمه جماعة وتكلفوا لما صدر منه ببعيد الاحتمالات، وقد حكى العلامة ابن دقيق العيد شيخنا أنه سمع الشيخ عز الدين بن عبد السلام يقول عن ابن العربي شيخ سوء كذاب يقول بقدم العالم ولا يحرم فرجا، قلت: إن كان محيي الدين رجع عن مقالاته تلك قبل الموت فقد فاز وما ذلك على الله بعزيز. توفي في ربيع الآخر سنة ثمان وثلاثين وستمائة، وقد أوردت عنه في التاريخ الكبير وله شعر رائق وعلم واسع وذهن وقاد, ولا ريب أن كثيرا من عباراته له تأويل إلا كتاب الفصوص، وقرأت بخط ابن رافع أنه رأى بخط فتح الدين اليعمري أنه سمع ابن دقيق العيد يقول: سمعت الشيخ عز الدين وجرى ذكر ابن العربي الطائي فقال هو شيخ سوء مقبوح كذاب. {السير 23/48 }
من أقواله
قال: \"فإني رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مبشرة أريتها في العشر الآخر من محرم سنة سبع وعشرين وستمائة بمحروسة دمشق، وبيده - صلى الله عليه وسلم - كتاب، فقال لي: هذا كتاب فصوص الحكم خذه واخرج به إلى الناس ينتفعون به، فقلت: السمع والطاعة لله ولرسوله وأولي الأمر منا كما أُمرنا. فحققت الأمنية وأخلصت النية وجردت القصد والهمة إلى إبراز هذا الكتاب كما حده لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غير زيادة ولا نقصان \".
وقال في وصف نوح - صلى الله عليه وسلم -: { ومكروا مكراً كباراً }º لأن الدعوة إلى الله مكر بالمدعو، فأجابوه مكراً كما دعاهم فقالوا في مكرهم: { لا تذرن آلهتكم ولا تذرن وداً ولا سواعاً ولا يغوث ويعوق ونسراً }. فإنهم لو تركوهم جهلوا من الحق على قدر ما تركوا من هؤلاء. فإن للحق في كل معبود وجهاً يعرفه من يعرفه ويجهله من يجهله {وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه } أي حكم فالعالم يعلم من عَبَد وفي أي صورة ظهر حتى عُبِد، وإن التفريق والكثرة كالأعضاء في الصورة المحسوسة والقوى المعنوية في الصورة الروحانية، فما عبد غير الله في كل معبود ( الفصوص/72 ).
قال: ( اعلم أن التنـزيه عن أهل الحقائق في الجانب الإلهي عين التحديد والتقييد فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب) -الفصوص/86-.
وقال ابن تيمية أيضاً: \" وقد صرح ابن عربي وغيره من شيوخهم بأنه هو الذي يجوع ويعطش، ويمرض ويبول ويَنكح ويُنكح، وأنه موصوف بكل عيب ونقص لأن ذلك هو الكمال عندهم، كما قال في الفصوصº فالعلي بنفسه هو الذي يكون له الكمال الذي يستقصى به جميع الأمور الوجودية، والنسب العدمية: سواء كانت ممدوحة عرفاً وعقلاً وشرعاً، أم مذمومة عرفاً وعقلاً وشرعاً، وليس ذلك إلا لمسمى الله خاصة\" - الفتاوى 2/265-.
- ويعتذر شيخ الإسلام عن الإفاضة في بيان عقيدة هؤلاء القوم والتحذير منهم قائلاً: \" ولولا أن أصحاب هذا القول كثروا وظهروا وانتشروا، وهم عند كثير من الناس سادات الأنام، ومشايخ الإسلام، وأهل التوحيد والتحقيق. وأفضل أهل الطريق، حتى فضلوهم على الأنبياء والمرسلين، وأكابر مشايخ الدينº لم يكن بنا حاجة إلى بيان فساد هذه الأقوال، وإيضاح هذا الضلال.
ولكن ليعلم أن الضلال لا حد له، وأن العقول إذا فسدت: لم يبق لضلالها حد معقول، فسبحان من فـرق بين نوع الإنسانº فجعل منه من هو أفضل العالمين، وجعل منه من هو شر من الشياطين، ولكن تشبيه هؤلاء بالأنبياء والأولياء، كتشبيه مسيلمة الكذاب بسيد أولي الألباب، وهو الذي يوجب جهـاد هؤلاء الملحدين، الذين يفسدون الدنيا والدين \" -الفتاوى 2/357-358-.
- وقال في وجوب إنكار هذه المقالات الكفرية، وفضح أهلها: \"فهذه المقالات وأمثالها من أعظم الباطل، وقد نبهنا على بعض ما به يعرف معناها وأنه باطل، والواجب إنكارهاº فإن إنكار هذا المنكر الساري في كثير من المسلمين أولى من إنكار دين اليهود والنصارى، الذي لا يضل به المسلمون، لا سيما وأقوال هؤلاء شر من أقوال اليهود والنصارى وفرعون، ومن عرف معناها واعتقدها كان من المنافقين، الذين أمــر الله بجهادهم بقوله - تعالى -: {جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم } والنفاق إذا عظم كان صاحبه شراً من كفار أهل الكتاب، وكان في الدرك الأسفل من النار.
ومن أراد الاستزادة فليراجع رسالة شيخ عبد الرحمن المماة ابن عربي صاحب كتاب - فصوص الحكم - إمام من أئمة الكفر والضلال.
الحكم العطائية
ويقول الشيخ محمود مهدي استانبولي في كتابه ( كتب ليست من الإسلام ) عن حكم ابن عطاء الله السكندري بعد أن نقل كثيراً من الضلالات الموجودة في كتاب الحكم العطائية:
هذه النقم التي سميت بالحكم! وهي لا تزال تدرس في كثير من المعاهد حتى الأزهر، ويوصي بها جهلة الشيوخ طلابهم، وقد وصفها بعض أدعياء العلم الحمقى بقوله: ( لو جازت الصلاة بغير كتاب الله، لجازت بحكم ابن عطاء الله!! < ومعنى ذلك أنه فضلها على حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. وقد أثنى على هذه الحكم الدكتور محمد عبد الرحمن البيصار شيخ الجامع الأزهر الأسبق في مقدمته لكتاب ( التنوير... ) فقال: وحكم ابن عطاء الله تمضي بين الناس في رحلة خالدة! وكأنها شمس تنير للحيارى ظلام الطريق!!
وقد شرح هذه الحكم الصوفي المحروق ابن عجيبة بكتاب سماه: ( إيقاظ الهمم) وهو جدير بأن يسمى: (إماتة الهمم)، وقد زعم في مقدمته أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - اختص بعض الصحابة بعلم الباطن، ومعنى ذلك أنه كتم شيئاً من الدين عن المسلمين.
ومما جاء في كتاب حكم ابن عطاء الله التي يؤيد فيها نظرية وحدة الوجود القائلة بأن الخالق والمخلوق واحد ومثلها نظرية الاتحاد والحلول، وكل ذلك كفر!
1- كان الله ولا شيء معه، وهو الآن على ما عليه كان.
إن القسم الأول من هذا الكلام حديث صحيح، والقسم الثاني وحدة وجود، فصار المعنى: كان الله ولا شيء معه، والآن هو لا شيء معه! أي أن الله والكون واحد!
ويقول ناهياً عن دعاء الله - تعالى -:
1- \" سؤالك منه اتهام له\"
ويستدل ابن عطاء على ذلك بحديث باطل على لسان إبراهيم - عليه الصلاة والسلام -: حسبي من سؤاله علمه بحالي، وهو مخالف للآيات والأحاديث الكثيرة التي تحض على دعاء الله كقوله - تعالى -: { إن الذين يستكبرون عن عبادتي } أي عن دعائي {سيدخلون جهنم داخرين } وقوله - سبحانه -: { ادعوني أستجب لكم}.
2- \"من عبده لشيء يرجوه منه، أو ليدفع عنه ورود العقوبة منه، فما قام بحق أوصافه\".
هذا الكلام هو كقول رابعة العدوية المنحرف: \" ما عبدتك خوفاً من نارك، ولا رغبة في جنتك، ولكني عبدتك لأنك أهل للعبادة\" وهذا مخالف لعبادة الملائكة الذين يخافون ربهم من فوقهم، وعبادة الأنبياء الذين يعبدون الله - سبحانه - رغباً ورهباً!.
حرمة بيع الكتب البدعية
وقد ذكر كثير من العلماء عن حرمة بيع كتب الحلاج وابن عربي وأشباههما من الصوفيين واتلافها، وقد نقل الشيخ مشهور حسن سلمان في كتابه القيم \"كتب حذر منها العلماء\" أقوال العلماء في حكم كتب أهل البدع والضلال ننقل منه ما يلي:
أورد الملك المؤيد إسماعيل أبو الفداء في كتابه \"أخبار البشر\" -4/79- ما نصه:
\"لما دخلت سنة سبعمئة وأربع وأربعين، وفيها مزَّقنا كتاب \"فصوص الحكم\" بالمدرسة العصفورية بحلب، عقب الدرس وغسلناه، وهو من تصانيف محيي الدين بن عربي تنبيهاً على تحريم قنيته ومطالعته.
نقل الشوكاني في \"الصوارم الحداد.. \" -ص68- عن جماعةٍ, أنهم قالوا في مثل هذه الكتب المحذر منها - منهم: البلقيني، وابن حجر، ومحمد ابن عرفة، وابن خلدون - ما نصه:
\" حكم هذه الكتب المتضمنة لتلك العقائد المضلة وما يوجد من نُسخها بأيدي الناس مثل: \"الفصوص\"، و\"الفتوحات\" لابن عربي، و\"البد\" لابن سبعين، و\"خلع النعلين\" لابن قسي، و\"على اليقين\" لابن برخان، وما أجدر الكثير من شعر ابن الفارض والعفيف التلمساني وأمثالهما أن يلحق بهذه الكتب، وكذا شرح ابن الفرغاني للقصيدة التائية من نظم ابن الفارض، فالحكم في هذه الكتب كلها وأمثالها إذهاب أعيانها متى وجدت بالحريق بالنار والغسل بالماء... \" إلى آخر ما أجاب به.
قال المروذي: قلت لأحمد: استعرت كتاباً فيه أشياء رديئة، ترى أن أخرقه أو أحرقه؟ قال: نعم، وقد رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - بيد عمر كتاباً اكتتبه من التوراة، وأعجبه موافقته للقرآن، فتمعر وجه النبي - صلى الله عليه وسلم -، حتى ذهب به عمر إلى التنور، فألقاه فيه.
فكيف لو رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ما صنف بعده من الكتب التي يعارض بها ما في القرآن والسنة؟ والله المستعان، وقد أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - من كتب عنه شيئاً غير القرآن أن يمحوه، ثم أذن في كتابة سنته، ولم يأذن في غير ذلك.
وكل هذه الكتب المتضمنة لمخالفة السنة غير مأذون فيها، بل مأذون في محقها وإتلافها، وما على الأمة أضر منها.
ذكر ابن عبد البر في \"جامع بيان العلم\" -2/117- بسنده إلى ابن خويزمنداد، قال في -كتاب الإجارات- من كتابه في الخلاف \"قال مالك: لا تجوز الإجارات في شيء من كتب الأهواء والبدع والتنجيم، وذكر كتباً، ثم قال: وكتب أهل الأهواء والبدع عند أصحابنا هي كتب أصـحاب الكلام من المعتزلة وغيرهم، وتفسخ الإجارة في ذلك، قال: وكذلك كتاب القضاء بالنجوم وعزائم الجن وما أشبه ذلك\".
إحياء الفكر الصوفي
والمطلوب من الجميع أن يحاربوا كل ما يخدش عقيدة المسلم، مع العلم بأنه يدعي أنه متمسك بالكتاب والسنة، وأن جميع الفرق مازالت تدعي أنها تعتمد على الكتاب والسنة، - وكل يدعي وصلا بليلى وليلى لا تقر لهم بذاك-، ولكن الفرق بين أهل السنة والجماعة، وأهل الفرقة والابتداع هو أن أهل السنة والجماعة يلتزمون بالكتاب والسنة على فهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين، بينما غيرهم يفسرون الكتاب والسنة على أهوائهم، فهل نعي الفرق ونعود إلى المنبع الصافي كما كان عليه الرسول وأصحابه، ونبتعد عن استيراد الأفكار البدعية الدخيلة التي تحررت منها مجتمعاتنا منذ زمان بعيد، والتي أصبحت اليوم مطلب العلمانيين الجدد ومن يساندهم من الغربيين، بقصد تفريغ الإسلام من مضمونه حيث إن مراكز الأبحاث في الغرب بدأت توصي بدعم الحركات الصوفية، ومحاربة الدعوة السلفية، وقد رأينا في الآونة الأخيرة زيادة نشاطات أصحاب الفكر الصوفي في الغرب بينما يضيق الخناق على الدعاة الآخرين، وعليه فإننا نتساءل من هذه التصريحات الأخيرة وتمجيد الصوفية: هل هو تمهيد لإحياء الفكر الصوفي في الكويت الذي تحرر منه الشعب الكويتي بعد أن عرف انحرافاته وبعده عن الإسلام الصافي.
{والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون}.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد