بسم الله الرحمن الرحيم
وقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي *** إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
فأصبح قلبي قابلاً كل حالة *** فمرعى لغزلان ودير لرهبان
وبيت لأوثان وكعبة طائف *** وألواح توراة ومصحف قرآن
ويعلق فضيلته على ذلك بقوله: هكذا حارب شيخ الصوفية الأكبر عقيدة التوحيد الإسلامية بنظرية الوحدة التي قال بها واعتنقها وفتن معه بها أناس كثيرون.
ثم يواصل فضيلته عرض نماذج أخرى من أفكار أئمة الصوفية فيقول: إن \"الجيلي\" وهو من كبار مشايخ الصوفية – يعلن في صراحة أو وقاحة – أنه إله الكون الأعظم فيقول في كتاب \"الإنسان الكامل 1/22\":
لي الملك في الدارين لم أر فيهما *** سواي فأرجو فضله أو فأخشاه
وقد حزت أنواع الكمال، وأنني *** جمال جلال الكل، ما أنا إلا هو
إلى أن يقول:
وإني رب للأنام وسيد *** جميع الورى اسم، وذاتي مسماه
أما \"الحلاج\" – وهو إمام من أئمة الصوفية – فإنه يقول في كتاب (الطواسين/34) :
أنا من أهوى ومن أهوى أنا *** نحن روحان حللنا بدنا
فإذا أبصرتني أبصرته *** وإذا أبصرته أبصرتنا
طبقات الشعراني والشذوذ بأنواعه !!
ثم هذا هو \"النابلسي\" يقول معقباً على قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ} [الفتح: 10]: أخبر تعالى أن نبيه محمداً صلى الله عليه وسلم هو الله تعالى وتقدس، وبيعته هي بيعة الله، ويده التي مدت للبيعة هي يد الله.. كما يقول في تفسير قول الله تعالى لموسى { } [طه: 13] بأن تكون أنت أنا وأكون أنا أنت !!
وقبل أن يمضي الدكتور جميل غازي في عرض نماذج أخرى لأفكار الصوفية ومعتقداتهم في وحدة الوجود نستوقفه لنسأل: ما لنا ولهذا الهراء الذي مضى وانقضى ؟ ولماذا نضيفه على حساب الصوفية ونبني عليه اتهامنا لهم بالتناقض مع الإسلام ؟
فيجيب: لأن الصوفية ما زالوا يتعبدون بهذا الكلام في مساجدنا ومازالت هذه الأفكار هي التي تسود حلقاتهم وأذكارهم، ويستشهد بأحد الأوراد الذي ينشده دائماً المنتسبون إلى الشاذلية والذي يعبر عن وحدة الوجود.
\"اللهم انشلني من أوحال التوحيد، وأغرقني في عين بحر الوحدة حتى لا أرى ولا أجد ولا أحس إلا بها\".
ثم يضيف فضيلته بصوت تمتزج فيه السخرية بالمرارة بأن ما كتبه هؤلاء المشايخ بما فيه من خبل وهوس مازال حتى يومنا هذا هو الدستور السائد بين الصوفية الذي تستند إليه معتقداتهم، ويصوغ مناهجهم في العبادة، ويضرب على ذلك مثلاً بكتاب الطبقات الكبرى للشعراني.. ويقول: إنه كتاب متداول بين الصوفية يأخذون منه ثقافتهم ومعرفتهم بالله فماذا يحتويه هذا الكتاب ؟ دجل وخرافة ومجون وجنون.. وماذا عرض الشعراني في كتابه هذا عن أولياء الصوفية وكراماتهم؟.. لا شيء سوى الخرافة والشذوذ الجنسي والقذارة ثم يدعونا إلى جولة في هذا الكتاب لنرى الشعراني يصف أحد أوليائه فيقول:
وكان رضي الله عنه يلبس الشاش المخطط كعمامة النصارى وكان دكانه منتناً قذراً لأن كل كلب وجده ميتاً أو خروفاً يأتي به فيضعه داخل الدكان، فكان لا يستطيع أحد أن يجلس عنده.
ثم يعقب فضيلته: بأن الشعراني لا يكتفي بهذا من كرامات سيده الشيخ فيضيف: إنه توجه إلى المسجد فوجد في الطريق مسقاة كلاب فتطهر فيها، ثم وقع في مشخة حمير.
ثم يواصل قراءة ما جاء بكتاب الطبقات عما يقوله الشعراني عن \"أبي خوزة\".. وكان رضي الله عنه إذا رأى امرأة أو أمرداً (شاب بلا لحية) راوده عن نفسه وحسس على مقعدته سواء كان ابن أمير أو ابن وزير ولو كان بحضرة والده أو غيره ولا يلتفت إلى الناس.
ويقرأ عما يتحدث به الشعراني عن سيده (علي وحيش) فيقول: \"وكان إذا رأى شيخ بلد أو غيره ينزله من على الحمارة ويقول له أمسك رأسها حتى أفعل فيها فإن أبى شيخ البلد تسمر في الأرض لا يستطيع أن يمشي خطوة\".
ويعقب فضيلته على ذلك بقوله.. هذه بعض كرامات الصوفية المخففة التي تسمح الآداب العامة بذكرها دون أن نتعرض لنماذج أخرى فاضحة امتلأ بها كتاب الطبقات الكبرى للشعراني، وهو كتاب أطالب بإعدامه لما اشتمل عليه من خزي وتشويه للعقيدة.
زوجات الصوفيين أرامل !!
وكان لابد لنا من لحظة صمت لنسترد فيها أنفاسنا اللاهثة ونجمع فيها شتات أفكارنا التي تبعثرت أمم هذا السيل من الخرافة والخبل لكي نعود فنسأل: إذا ما تجاوزنا عن هذه الخرافات والأفكار المشبوهة التي جاءت يقيناً نتيجة لدسائس التيارات والفلسفات المعادية للإسلام، ألم تؤد الصوفية دورها – كما يرى الكثيرون – في خدمة الإسلام وحمايته في مواجهة الفكر الوثني المادي.
ويجيب فضيلته متسائلاً: كيف يمكن للصوفية أن تخدم الإسلام وهي تتعارض معه أساساً، ثم كيف لها أن تحميه وهي دعوة صريحة للتواكل والانعزالية بينما الإسلام دعوة للعمل والجهاد؟.. ثم يضيف أن الله جل شأنه قد استخلفنا في الأرض لنعمرها بإذنه ومشيئته والقرآن العظيم حافل بالآيات الكريمة التي تدعو للجهاد والتعمير بالحق والعدل والخير، والرسول الكريم صلوات الله عليه يدعونا للجهاد ويقود رايته، ويأمرنا بالعمل ويسبقنا إليه، ويقول صلوات الله وسلامه عليه في حديث شريف:
”إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة (النخلة الصغيرة) فإن استطاع أن لا تقوم حتى يغرسها فليغرسها“.
ويضيف.. هذا ما يأمر به الإسلام ويدعو إليه، فبماذا تدعو الصوفية!؟ وماذا تطلب من المريد ليكون من الأولياء؟ لنقرأ مما يقوله الشعراني في كتابه (الطبقات) :
\"لا يبلغ الرجل إلى منازل الصديقين حتى يترك زوجته كأنها أرملة، وأولاده كأنهم أيتام، ويأوي إلى منازل الكلاب\".
ثم يعقب فضيلته متسائلاً: أليست هذه دعوة خطيرة لا تخدم إلا أعداء الإسلام؟ ألا نجد في هذه الدعوة تفسيراً واضحاً لما لاقته الصوفية من ترحيب وتشجيع من جميع الأنظمة الاستعمارية التي تعاقبت على المنطقة الإسلامية ؟
ثم ما الذي يتحقق إذا حصل المريد على واحدة من منازل الصديقين التي أطلق عليها الشعراني منازل الكلاب.. يقول الصوفية: تطوى له الآفاق ويصبح البعيد قريباً، أو بعبارة أخرى يصبح من أهل الخطوة أولئك الذين يطيرون في الهواء ويمشون على الماء..
ويعلق فضيلة الدكتور غازي بقوله: هذا هو أفك الصوفية.. إن العالم حولنا قد قطع أشواطاً بعيدة المدى في طريق التقدم العلمي والحضاري، وحقق انتصارات مذهلة.. وهذه هي آثار أقدامه فوق القمر وفي أعماق المحيط وفي كل مكان في أرض الله.. ونحن.. أين نحن ؟ تائهون غارقون نقنع بأن نقبع في زوايا ضريح، نردد التوسلات، وندعو أصحاب القبور لحل مشاكلنا، ونجتر ذكرياتهم في المشي على الماء أو الطيران في الهواء.. ويضيف: إن أي صوفي تلقاه مهما علا مركزه، وعلت درجته العلمية تجده إنساناً يعادي العقل والنقل والعلم والحضارة، ويردد شعار \"مجانين ولكن على أعتابنا سجد العقل\".
ثم يتساءل فضيلته: أليس في هذا كله تخريب لملكات التفكير التي فضل الله بها الإنسان على كثير من مخلوقاته؟ ثم ألا يعد ذلك مسؤولاً عن تأخر الأمة الإسلامية وإفساد عقول شبابها.
في الإسلام وحده السمو النفسي !
وهنا نقاطعه.. فقد كان لنا تحفظ هام.. أن الصوفية في رأينا لا تعادي العقل أو العلم بل إن كثيراً من أئمتها يحملون أرقى المؤهلات العلمية، وهذا وحده دليل على إيمانهم بالعلم ومعاناتهم في سبيله.. إنما هم فقط يؤمنون بأن العلوم التحصيلية أمور نسبية متغيرة، بينما الحقائق المطلقة تتجاوز طاقة العقل البشري، ولا تتاح إلا لمن صفت نفسه، وأشرقت روحه، وتلقى مدداً إلهياً يعبرون عنه بأنه نور يقذفه الله في القلب، وهو أمر لا ينكره المؤمنون الذين يوقنون بالغيب.
ومن ناحية أخرى قد يكون هناك ما يبرر وجهة النظر التي تتهم الصوفية بالتواكل والسلبية، فمما لا شك فيه أن الصوفية قد علقت بها كثير من السلبيات والشوائب سواء عن جهل أو عن سوء قصد.
ومما لا شك فيه أيضاً أن بعض الفرق قد تجاوزت الحق والصواب في ممارستها للتجربة الصوفية.. ولكن يبقى السؤال الهام: إن التصوف في جوهره دعوة لإحياء الروح، ومنهج لمجاهدة النفس والسمو بها.. أفلا يعتبر ذلك عاملاً إيجابياً يستحق التزكية والإنماء.
وكان للدكتور غازي رأي آخر:
يقول: \"إن إحياء الروح، ومجاهدة النفس، والارتقاء بها، هي أمور من صميم ما يستهدف الإسلام ويدعو إليه، كما أن التخلق بأخلاق القرآن الكريم وسنة الرسول هو الطريق الوحيد لتحقيق ذلك، فكيف نلتمسه عند الصوفية وهم يتجاوزون أصلاً ما جاء بكتاب الله وسنة رسوله، ويؤمنون بعقائد تتصادم مع ما يدعو إليه الإسلام\".
ومضت أكثر من ثلاث ساعات والحوار يستمر وتتصاعد درجة حرارته والأستاذ غازي يمضي في إطلاق قذائفه الثقيلة على أفكار الصوفية ومعتقداتها.. ولكن يلح علينا سؤال هام: إذا كانت الصوفية كما يتهمها فضيلته تتناقض مع الإسلام وتتجاوز عن السنة الشريفة.. فكيف يمكن تفسير ما نسمعه وما يؤمن به الكثيرون من كرامات أولياء الصوفية وشفافيتهم؟
ويجيب: أية كرامات، وأية شفافية.. إن ما يتحدثون به من كرامات ما هي إلا أوهام يخدعون بها البسطاء لكي تمتلئ صناديق النذور بأموال الضعفاء المخدوعين، ويضيف: تعالوا بنا نستعرض كراماتهم المزعومة كما يتحدثون عنها بأنفسهم ويفتح كتاب \"الطبقات الكبرى\" يقرأ لنا ما يرويه الشعراني بلسان أحد أوليائه: \"أشهدني الله ما في العلا وأنا ابن ست سنين، ونظرت في اللوح المحفوظ وأنا ابن ثمان سنين، وفككت طلسم السماء وأنا ابن تسع سنين، ورأيت في السبع المثاني حرفاً معجماً حار فيه الجن والإنس ففهمته وحمدت الله تعالى على معرفته، وحركت ما سكن، وسكنت ما تحرك بإذن الله تعالى: وأنا ابن أربع عشرة سنة\".
ثم يقرأ ما يقوله الشعراني عن الشويمي: \"ومرض سيده مدين (رضي الله عنه) مرة أشرف فيها على الموت فوهبه من عمره عشر سنين ثم مات في غيبة الشويمي فجاء وهو على المغسل، فقال: كيف مت؟ وعزة ربي لو كنت حاضرك ما خليتك تموت، ثم شرب ماء غسله كله\".
وفي كتاب \"الكواكب الدرية\" يقرأ لنا الدكتور جميل غازي ما يؤكده (المناوي) من أن للصوفيين أنواعاً من الكرامات:
النوع الأول منها: إحياء الموتى وهو أعلاها، فمن ذلك أن (عبيد اليسرى) غزا ومعه دابة فماتت فسأل الله أن يحييها فقامت تنفض أذنيها. وأن (مفرجا الدماميني) أحضر له فراخ مشوية فقال: طيري بإذن الله تعالى فطارت. ووضع (الكيلاني) يده على عظم دجاجة أكلها، وقال لها: قومي بإذن الله فقامت، ومات لتلميذ (أبي يوسف الدهماني) ولد فجزع عليه فقال له الشيخ: قم بإذن الله فقام وعاش طويلاً، وسقط من سطح (الفارقي) طفل فمات فدعا الله فأحياه\".
ثم ينتقل الدكتور غازي إلى كتاب الأبريز ويقرأ: \"وأهل الديوان إذا اجتمعوا فيه اتفقوا على ما يكون من ذلك الوقت إلى مثله من الغد، فهم يتكلمون في قضاء الله تعالى في اليوم المستقبل والليلة التي تليه، ولهم التصرف في العوالم كلها السفلية والعلوية، وحتى في الحجب السبعين فهم الذين يتصرفون فيه وفي أهله وفي خواطرهم وما تهجس به ضمائرهم فلا يهجس في خاطر واحد منهم شيء إلا بإذن أهل التصرف\" ويعقب فضيلته على ذلك متسائلاً: \"أليس هذا هو قمة الشرك بالله جل وعلا؟\".
ويعقب د. جميل غازي على ما تراه لنا من كرامات فيقول: أليست هذه خرافات وضلالاً واستخفافاً بالعقول.. بل وافتراء على الله جل شأنه ؟!
ثم يضيف: إن الصوفية يعتبرون أولياءهم أعلى درجة من الأنبياء، ويتجرءون أشنع الجرأة على رسل الله.. فيقول \"البسطامي\" في \"الكواكب الدرية\": \"أخذتم علمكم ميتاً عن ميت وأخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت\" ويقول في جواهر المعاني: \"خضنا بحراً وقف الأنبياء بساحله\".
وعند هذا الحد كان لابد للحوار من أن ينتهي رغم أن د. جميل غازي يقول: مازال هناك الكثير مما ينبغي أن يقال للتعرف على أهل التصوف.
ذكرهم.. موالدهم.. نذورهم.. قبورهم.. عباداتهم.. شيوخهم.. مريديهم..
وتبقى لنا كلمة.. إن البعض قد يغضبه، ما جاء في هذا الحوار من آراء.. وقد يكتفي بأن يصدر ضدنا ما يتراءى له من الأحكام.. ولكننا نرى أن الحوار الجاد المثمر هو وحده القادر على إجلاء الحقيقة وتوضيح الصورة.. إن في بلدنا مؤسسات دينية كثيرة تحتشد بقمم شامخة من أصحاب الفكر الإسلامي.. وأولئك جميعاً مطالبون بأن يقولوا رأيهم بصراحة ووضوح في هذه القضايا.
إن (التعاون) تفسح صفحاتها لكل صاحب فكر، وتدعوه لكي يسهم برأيه ويعطي ما عنده من أجل التفهم الصحيح للإسلام، وترسيخ عقيدة التوحيد حماية لشبابنا من المزالق والانحرافات.