الصفويون : عهد جديد


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

عاشت الصفوية حيناً من الدهر، وعمرت دولتها قرنين أو تزيد.

وتنتسب الأسرة الصفوية إلى الشيخ صفي الدين الأردبيلي (650هـ - 735هـ) صاحب إحدى الطرق الصوفية الباطنية.

وتطورت طريقته على يد أحد أحفاده وهو الشيخ إبراهيم -والذي أدخل أتباعه في صراعات مع أهل السنة في داغستان- لتصبح طريقة صوفية شيعية غالية، وسار على دربه ابنه حيدر ومن بعده ابنه إسماعيل.

وفي عام (907هـ) أعلن الشاه إسماعيل قيام الدولة الصفوية وعاصمتها مدينة (تبريز) الإيرانية.

وقد سعى الشاه إسماعيل إلى نشر وتثبيت جذور دولته في المجتمع الإيراني بقوة السلاح والدم، وأمر بتحويل مذهب البلاد إلى التشيّعº فغير صيغة الأذان والصلاة وكافة العبادات على طريقة المذهب الشيعي، دون السماح بإظهار مذهب أهل السنة، وأصبح الحراك الثقافي، والاجتماعي مصطبغاً بالمذهب الشيعي، وتبوأ رجال الدين الشيعة مكانة عالية في الدولة الصفوية، وفرض لهم السلاطين خمس أموال الناس، وأرباح التجار(1).

وبلغ تعصب الصفويين لمذهبهم حداً جعل الشاه عباس يحج من عاصمته أصفهان إلى مدينة مشهد مقر مقام الإمام الرضا، ثامن الأئمة عند الشيعة- سيراً على الأقدام ودعا الشيعة إلى الاقتداء به(2).

سقطت الدولة الصفوية عام 1148هـ بعد أن عاثت في الأرض فساداً، وأحدثت انقلاباً مذهبياً في إيران، وكان عهدها عهد طغيان، وظلم، وقمع، وجبروت، وفعلت في أرض العراق الأفاعيل، من قتل وتدمير وتهجير، وتصفية لعلماء أهل السنة.

يقول العلامة الأستاذ محمد بهجة الأثري - رحمه الله -: (والبغداديون ما برحوا يتذكرون هذا المخلوق غير السوي، ويذكرون ببالغ الألم فتحه مدينتهم، وفتكه الفتك الذريع بأسلافهم، وقتله العلماء والوجوه والأعيان، وتدنيسه المساجد والجوامع، ونبشه قبور الأئمة).

والنظرة الإيرانية الفارسية الشيعية إلى العرب السُنة، لا تقل شناءة وشناعة عن النظرة الصهيوصليبية الرومية المعاصرةº فأدبيات القوم القديمة والجديدة تعج بالمواقف والأقوال التي تنبئ عن حقدٍ, وحسد خارج عن حدود المعقول.

إن جـزيرة الـعرب هي (وطـن الإسلام) -كما وصفها الشيخ محمد رشـيد رضـا - رحمه الله - وهي وطـن قائم على سُنة النبي - صلى الله عليه وسلم - وسُـنة الخـلفـاء الراشـدين المهـديين من بعده، وهو ما كان يعدٌّه الروافض القدامى (إسلاماً ناصبياً) وما يعده الروافض الجدد (إسلاماً وهَّابياً).

والجزيرة أيضاً- هي أرض العرب التي اقترن وصفها بالعروبة قبل الإسلام وبعده.

وهذا، وذاك: هو ما جعل الشيعة الفرس يعدونها محط العداوة الأول(3).

 

وقد نشرت صحيفة الوطن السعودية (الاثنين 19 ذو الحجة 1427هـ العدد: 2292) وثائق سرية منسوبة إلى المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، تكشف بجلاء عن أجندة واسعة لعمل المجلس في الفترة الراهنة تتضمن تصفيات للمعارضين لسياسة المجلس، ودعوة إلى بث الفتن والاضطرابات في منطقة الشرق الأوسط ضد السنة، والاستفادة من تجربة العراق وتعميمها على الدول السنية في المنطقة ومن ضمنها السعودية، إضافة إلى تأسيس منظمة عالمية تحت مسمى \"منظمة المؤتمر الشيعي العالمي\" يكون مقرها إيران، والتأكيد على بناء قوات عسكرية غير نظامية لكافة الأحزاب الشيعية وتهيئتها لدعم شيعة السعودية واليمن والأردن، وتصفية الرموز والشخصيات الدينية البارزة في العراق، ودس العناصر الأمنية بينهم لمعرفة خططهم.

 

كما اقترحت إنشاء صندوق مالي عالمي لدعم متطلبات المؤتمر الإدارية والإعلامية والعسكرية، ومتابعة الدول والسلطات والأحزاب وشن حرب شاملة ضدها في كافة المجالات والاقتصادي منها على وجه الخصوص عن طريق تشجيع الصادرات الإيرانية، ومقاطعة البضائع السعودية والأردنية والسورية والصينية.

ونشرت صحيفة الوطن أيضاً- (السبت 15/1/1428هـ العدد: 2318) اتهام مصادر حكومية عراقية أطرافاً مشاركة في العملية السياسية بترويج وثيقة جديدة تتحدث عن توجيه \"سري وشخصي ومستعجل\" صادر عن رئيس الوزراء نوري المالكي يطلب فيه إخفاء قيادات جيش المهدي الذين يرتبطون تنظيمياً بالحرس الثوري الإيرانيº بغرض الحفاظ عليهم من القتل أو الاعتقال، على يد القوات الأمريكية.

ويقترح التوجيه كذلك- إرسال هذه القيادات وعددها 11 فرداً إلى إيران بشكل وقتي.

ولإيران جهود حثيثة في تشييع المنطقة، ومن ذلك ما أشارت إليه صحيفة (الحياة) اللندنية: (أن المجلس الأعلى للتنسيق بين الجماعات الإسلامية السودانية الذي يضم الإخوان المسلمين، والسلفيين، وجماعات أخرى عقد مؤتمراً صحافياً دعا المجلس فيه الرئيس عمر البشير إلى إغلاق المستشارية الثقافية الإيرانية في الخرطوم، وإلى فتح تحقيق في دخول كتب وعرضها في معرض الكتاب هناك، وهي تحتوي إساءات إلى الصحابة -رضوان الله عليهم- وإلى العقيدة الإسلامية.

وقال المجلس: إن (الخطر الشيعي الإيراني) يهدد السودان، وإن هناك قرى بأكملها تشيعت، وإن الحسينيات والزوايا الاثنا عشرية تنتشر في الخرطوم.

ولاحظ المؤتمر أن الشيعة لا يسمحون بنشر مذهب أهل السنة في بلادهم بينما يرسلون إلى بلادنا كتباً تحرف القرآن، وتصف أبا بكر الصديق وعمر -رضي الله عنهما- بأوصاف غير لائقة).

ونشاطهم القومي قائم على قدم وساق، وبدعم من مؤسسات الحكومة وأجهزتها الرسمية.

يقول الشيخ د. وليد الطبطبائي: (وما يحدث في السودان تفعله إيران منذ سنوات عبر مؤسساتها الثقافية والدينية، وبعثاتها الدبلوماسية في أنحاء مختلفة من العالمين العربي والإسلامي).

ويقول: (إيران تراهن في المقابل على التسامح السني في البلاد الأخرى في الترويج للتشيع بنسخته الإيرانية، وتعتمد على الطبيعة العلمانية للحكومات في أكثر البلاد العربية في التغلغل والتأثير في ثنايا المجتمعات السنيةº حيث يغيب الوعي الشرعي، ويسود الحرمان الاقتصادي والسياسي).

وتكمن خطورة عقيدتهم الصفوية في أنها منذ البداية أُلبست ملبساً دينياًº لتحقيق أهدافهم ومصالحهم القومية.

يقول الأستاذ إبراهيم الحافظ - معهد المشرق العربي-: (ما تريده إيران ليس بالضرورة التشيع الفوري...ما تريده إيران هو مواطئ أقدام اجتماعية، تتسلل منها إلى قلب المجتمع، وربط مصالح الفرد العربي المنهك بالمصالح الإيرانية).

ومن نافلة القول أن بقاء الاحتلال في العراق يعد من مصالح الإيرانيين، واستراتيجيتهم طويلة الأمدº فتصعيد الأزمة في العراق، وبقاء العراق رهن المشاكل والجرائم والفوضى، يهيئ أجواء ملائمة للتدخل في الشأن العراقي، والذي ينعكس دوره سلباً على المنطقة عموماً.

وما كانت نداءاتهم برحيل الاحتلال سوى تغطية ماكرة لخططهم، وأهدافهم المبطنة، ولا أدل على ذلك من تصريحات مسئوليهم المنقولة على الصحف والفضائيات.

وليس من سبيل لردم الهوة، واجتثاث الفتنة من مهدها، وإبطال التواطؤ الصفوي الأمريكي إلا بعمل جماعي للدول العربية والإسلامية، والتوقف عن تعاطيها المخيب للآمال مع القضية العراقية.

ولا بد أن يعي أهل السنة حجم القضية، وأن يعملوا على توحيد صفوفهم بعيداً عن المواقف السياسية، والمصالح الشخصية، وأن يتكاتفوا في سبيل نصرة إخوانهم في العراق، وحمايتهم من الأخطار المحدقة بهم.

ولوسائل الإعلام دور رئيس في ذلك، فحملها ثقيل، وواجبها عظيم في عرض حقائق ما يحدث في العراق بكل دقة ومصداقية، وشجاعةº فالمرحلة خطيرة، وقد بلغت مستوى يصعب التغاضي عنه.

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply