بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد:
أحكام الفرع.
أولاً: التعريف:
الفرع لغة: هو ما يتفرع من أصله، والجمع فروع، ومنه يقال: فرَّعت من هذا الأصل مسائل فتفرّعت، أي استخرجت فخرجت، وتفرعت أغصان الشجرة كَثُرَت. (راجع المصباح المنير، ومختار الصحاح).
الفرع اصطلاحًا: لا يخرج استعمال الفرع عند الفقهاء عن المعنى اللغوي:
أ- الفرع بمعنى الولد، ويقابله الأصل بمعنى الوالد.
ب- الفرع بمعنى المقيس: وهو من أركان القياس في مقابلة الأصل، وهو المقيس عليه.
جـ- الفرع بمعنى المسألة الفقهية المتفرعة من أصل جامع. (راجع الأشباه لابن نجيم (ص120)).
والمعنى الذي يعنينا من هذه المعاني هو:
الفرع: أول نتاج الناقة أو الشاة - أول ما ينتج - كانوا يذبحونه في الجاهلية لآلهتهم ويتبركون به. تقول: أفرع القوم إذا ذبحوا الفرع.
وقيل: هو ذبح كانوا إذا بلغت الإبل ما تمناه صاحبها ذبحوه.
وقيل: إذا بلغت مائة بعير.
وقيل: هو طعام يصنع لنتاج الإبل.
ومن هذه التعريفات يتضح أن أهل الجاهلية كانوا يذبحون أول نتاج البهيمة ولا يملكونه رجاء البركة في الأم بكثرة نسلها. (راجع المغني (11/125)).
ثانيًا: حكم الفرع:
مما تعوده الناس في الجاهلية قبل الإسلام أن أول ولد تلده الناقة أو الشاة كانوا يذبحونه لآلهتهم، ويعدون ذلك تقربًا للآلهة، أو لسبب آخر وعلى ذلك كانت
أقوال الفقهاء متعددة فيها وهي تنحصر في:
أ- استحباب الفرع - الفَرعَة:
قال الشافعي - رحمه الله - فيما رواه البيهقي بإسناده الصحيح عن المزني قال: سمعت الشافعي يقول في الفرع: هو شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم فكان أحدهم يذبح بكر ناقته أو شاته فلا يغذوه رجاء البركة فيما يأتي بعد، فسألوا النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه فقال: «فرعوا إن شئتم». وكانوا يسألونه عما كانوا يصنعون في الجاهلية خوفًا أن يكره في الإسلام، فأعلمهم أنه لا مكروه عليهم فيه، وأمرهم اختيارًا أن يغذوه ثم يحملوا عليه في سبيل الله، قال الشافعي: وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الفرع حق» معناه ليس باطلاً، وهو كلام عربي خرج على جواب السائل. قال: وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا فرع ولا عتيرة واجبة». واجبة سيقت على سبيل البيان لمعنى «لا» فهي ليست للنهي، وإنما جاءت لنفي الوجوب، فهي على هذا تفسيريه فتكون خارج الحديث، قال الشافعي: والحديث الآخر يدل على هذا المعنى، فإنه أباح له الذبح واختار له أن يعطيه أرملة أو يحمل عليه في سبيل الله.
وأجابوا عن الحديث السابق كذلك: «لا فرع...» أن المراد نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم.(راجع المجموع للنووي (8/260) بتصرف).
وعليه يحمل القول بالاستحباب عند الشافعية بأنه لحم يوزع على الفقراء والمساكين وهو بر وصدقة، وليس تقربًا إلى آلهتهم، وحديث نبيشة - رضي الله عنه -: نادى رجلٌ رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم -: إنا كنا نعتر... إلى أن قال: إنا كنا نفرع فرعًا في الجاهلية، فما تأمرنا؟ قال: «في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل للحجيج ذبحته فتصدقت بلحمه». ففيه فتصدقت بلحمه، وليس قربانًا للأصنام.
وحديث عائشة - رضي الله عنها - قالت: أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالفرعة في كل خمسين واحدة.
وفي رواية: من كل خمسين شاة. وحديث نبيشة رواه أبو داود والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وحديث عائشة: أخرجه البيهقي، والرواية الثانية لأبي داود (3/256).
ب- لا تسن ولا تكره:
قال صاحب المغني: قال أصحابنا: لا تسن الفرعة... وهو قول علماء الأمصار... ثم قال في حديث: «لا فرع ولا عتيرة»، فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة لا تحريم
فعلها ولا كراهته، فلو ذبح إنسان ذبيحة في رجب، أو ذبح ولد الناقة لحاجته إلى ذلك أو للصدقة به وإطعامه لم يكن ذلك مكروهًا. (راجع المغني (11/126)). فعند الحنابلة أن الفرعة لا تسن ولا تكره، والمراد بالنفي في الحديث هو نفي كونها سنة، لا تحريم فعلها ولا كراهته، فلو ذبح إنسان ولد الناقة لحاجة أو للصدقة لم يكن ذلك مكروهًا ما دامت النية خالصة لله رب العالمين.
جـ- أنها منسوخة:
ذهب المالكية والحنفية وكذلك الحنابلة في الفرع إلى القول بنسخه، ولكل منهم تفصيل في المراد بالنسخ.
الحنفية: قالوا: إن الفرع - الفرعة - منسوخة، والناسخ هو ذبح الأضحية، واستدلوا بما رواه الدارقطني من حديث علي - رضي الله عنه -، وذكر الدارقطني أن في إسناده راويًا متروكًا. روى عن علي - رضي الله عنه - أنه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «نسخت الزكاة كل صدقة في القرآن، ونسخ صوم رمضان كل صوم، ونسخ غسل الجنابة كل غسل، ونسخت الأضاحي كل ذبح». (راجع بدائع الصنائع: 5/69).
المالكية: عند المالكية قولان: منهم من ذهب إلى أن الفرع - الفرعة - منهي عنها ولا برّ في فعلها، واستدلوا بحديث: «لا فرع ولا عتيرة»، يحتمل النهي والنفي للبر.
ومنهم من ذهب إلى نسخ وجوبها وبقيت الإباحة لمن شاء فعلها.
واستدلوا بحديث الحارث بن عمرو التميمي الذي رواه النسائي وغيره، أن الحارث لقي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع، قال: فقال رجل من الناس، يا رسول الله، العتائر والفرائع، قال - صلى الله عليه وسلم -: «من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع».
وعند الحنابلة كذلك نسخ الوجوب وبقاء الإباحة، وأيدوا نسخ السنة بأمرين:
أولهما: أن حديث: «لا فرع ولا عتيرة» من رواية أبي هريرة - رضي الله عنه - وهو متأخر بالإسلام، فإن إسلامه كان سنة فتح خيبر، وهي السنة السابعة من الهجرة، فالحديث متأخر فيكون ناسخًا.
ثانيهما: أن الفرع كان من فعل الجاهلية، فالظاهر بقاؤهم عليه إلى حين نسخه، واستمر النسخ من غير رفع له.
قال صاحب المغني: إذا ثبت هذا فإن المراد بالخبر نفي كونها سنة لا تحريم فعلها ولا كراهته. (11/126). اهـ.
ما دامت النية منعقدة لله، وهذا من باب إطعام الطعام والذبح لله، ومن أبرز خصال الإسلام إطعام الطعام، إذ به يكون التآلف والإخاء، وبه تصبح الأمة كالجسد الواحد.
وإطعام الطعام يكون للوالدين والأولاد والأهل، فلا يكون المسلم شحيحًا عليهم مقترًا في الإنفاق عليهم.
وإطعام الطعام يكون للأغنياء وذوي الجاه، لتحظى بحقك عندهم، وتؤكد الروابط بين طبقات المجتمع السليم.
وإطعام الطعام يكون للفقراء والمساكين وابن السبيل، لتفوز بدعائهم، وثواب برهم وصلتهم.
وإطعام الطعام يكون للأحباب والأصدقاء، لتزداد المودة والمحبة بينك وبين الخلان.
وإطعام الطعام يكون للطير والحيوان، لتنمو في القلب صفة الرحمة، وتسعد برحمة الرحمن، قال - تعالى -: وَيُطعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطعِمُكُم لِوَجهِ اللَّهِ لاَ نُرِيدُ مِنكُم جَزَاءً وَلاَ شُكُورًا [الإنسان: 8، 9]، ومن ثم كان الطعام المرغب فيه هو ما كان لفائدة شرعية، من طلب ثواب الله - جل وعلا -، فلا يبالي حينئذ ما أعطى ولمن أعطى، أو دفع شر عن نفسه وعرضه وماله.
الطعام المُحرم
أما ما لا فائدة فيه، أو كانت الفائدة غير شرعية، كقصد المباهاة، وتكثير الانتفاع والثناء الدنيوي، ونحو ذلك، فليس بمقصود، بل ربما كان بعضه محرمًا-
كالإطعام لبعض اللئام من الظلمة والفساق ممن يستعين بذلك على فساده ويغريه على أموال الناس، ولذا كان الإطعام لله رب العالمين.
وروى الإمام مسلم وغيره من حديث عبد الله بن عمرو - رضي الله عنهما -، أن رجلاً سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أيٌّ الإسلام خيرٌ؟ قال: «تُطعم الطعام وتقرأ السلام على من عَرَفتَ ومن لم تعرف».
والتعبير في الحديث بالمضارع «تطعم» للحث على تجدده كما في الآية السابقة:
«ويطعمون... ». والخطاب في تطعم للسائل، وغيره مقيس عليه، أي تطعم يا من يصح منه الإطعام.
والمفعول الأول «لتطعم» محذوف للتعميم، والتقدير: تطعم أي كائن الطعام. وفي حذف المفعول إشارة إلى أن إطعام الطعام غير مختص بأحد سواء كان المطعم مسلمًا أو كافرًا أو حيوانًا.
واختار لفظ: «تطعم» ولم يقل تؤكل مثلاً، لأن لفظ الإطعام عام يتناول الأكل والشرب والذوق، قال - تعالى -: وَمَن لَم يَطعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي [البقرة: 249] أي ومن لم يذقه.
وللحديث بقية إن شاء الله - تعالى -. وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد