بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، أما بعد:
في كل قومٍ, سفهاء يؤجّجون بسفاهتهم نار الفتنة، ويُذكُون أوارها، ويدفعون إلى الصراع والاحتراب، وما لم يقف لهم عقلاؤهم يُحكِمونهم، ويمنعونهم، ويعتذرون للآخرين عن سفَهِهم واستطالتهم، ويعلنون البراءة من حماقاتهم فإن ذلك سيقوّض دعائم التعايش السلمي الذي قد اتفقت الأطراف على ضرورة إقامته، وبخاصة في هذه الظروف، وستكون استفزازات السفهاء المدعومة بسكوت مرجعياتهم أكبرَ محرِّض على إشعال فتيل الطائفية.
ليس هذا فحسب، بل إن سكوت العقلاء عن سفه السفهاء وتلكؤهم عن إدانته والبراءة منه يبعث على الشك في صدق الدعوة إلى التسامح والتعايش السلمي، ويبعث على تحولها إلى مجرد تكتيك سياسي أو مرحلة مؤقتة يراد بها استجماع القوة والخروج من حالة الضعف ليس إلا، فهي رغبة مؤقتة لتحقيق مصالح شخصية وطائفية.
لقد رأينا من مظاهر الاستفزاز تسجيل ونشر شريط صوتي لأحد الشيعة في الكويت يتضمن التنقص والوقيعة في صاحبي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - أبي بكر وعمر بطريقة تستفز مشاعر كل مسلم، وهي –بحق- تثير النقمة والسخط، فمن الناس بعدهما؟
وقد زخرت المنتديات الشيعية بالتبرير لما جرى، وكنا نظن أن هذا التصرف سيدان من المرجعيات الشيعية، وبخاصة من لهم جهود في الدعوة إلى الاعتدال وعدم الغلو، ومن رفعوا راية التقريب بين الفرق الإسلامية، وإذا بنا نُفاجأ بصمت فهم منه بعض الأتباع وبعض الخصوم الرضا والمباركة.
ونحن إذ نستنكر ما قام به أولئك السفهاء من سب لصاحبي رسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم- فإننا نستغرب سكوت المرجعيات الشيعية –وبخاصة الداعين للتعايش السلمي- عن ذلك.
كما ندعو المرجعيات الشيعية إلى إعلان رفض ذلك الفعل القبيح والبراءة منه، ولا يُحسب سكوتهم إلا من التقصير في الأخذ بأسباب التعايش السلمي على أحسن تقدير، وإلا فيخشى أن يكون ظاهره موافقة صريحة للسفهاء على استفزازاتهم تحتمل الرضا والمباركة، ومآله إلى إجهاض مشروع التعايش الذي كانت الأطراف تتنادى وتتداعى إليه.
إن التعايش السلمي يقتضي ـ في أهم ما يقتضيه ـ منع أساليب الاستفزاز من جميع الأطراف منعاً مستغرقاً وشاملاً، وأعظم ما يكون الاستفزاز حين يخرج في صورة التطاول بالسب والشتم لما يقدسه الآخر ويعظمه، فهو أعظم بكثير من أن يُسب الشخص نفسُهº لأنه في الأولى قضية تمس كرامة كل شخص، بينما هي في الأخرى لا تمس إلا شخصية المشتوم وحده.
لقد كان هناك كثيرون يشككون في دعوة بعض الإصلاحيين من الشيعة للتقارب بين الفرق الإسلامية ويطرحون عدة دلالات تؤيد تخوفهم هذا، منها أن هذه الجهود لا توجد منهم إلا في محيط أهل السنة، ولا يوجد ما يماثلها في محيط الشيعة.
ثم جاء مثل هذا الموقف من الشريط والصمت الموافق ليضيف لهم دليلاً آخراً لإعادة النظر في هذه الدعوى مرة أخرى فهي تبدو وكأنما يراد بها أن تكون خطوات في اتجاه واحد.
إننا نعلم أن التمايز العقدي بين تراث الشيعة وما هو مدون في كتبهم وبين ما يعتقده أهل السنة مما يصعب ردمه، ولا يمكن مزجه بصيغة توفيقية، ولذلك فإن أي دعوة لتجاوز ذلك لن تكون صادقة ولا ناجحة، إلا إذا وجدت الشجاعة لإدانة كل ما يعارض العلم والعقل والقرآن –وهي قدر مشترك-، ولكن يمكن الاتفاق على صيغة تحفظ حقوق كل فئة وتهيئ لجو من الحوار المجدي، فإذا وجدت مثل هذه الأعمال وما يصاحبها من مباركة الغلاة وصمت دعاة الاعتدال أبعدت حتى هذا الاحتمال.
إن أي إدانة لتهوك البعض في مسائل التكفير والإقصاء لا يمكن أن تكون ناجحة وصادقة ما لم يتوقف أمثال المتحدث في الشريط عن تكفير الصحابة ولعنهم وهم حملة الرسالة وأمناء الوحي، وإذا كان البعض يتجرأ في سبهم ولعنهم وتكفيرهم فلا عجب أن يتجرأ آخرون على سب ولعن وتكفير من دونهم.
وهذا يؤكد على ضرورة محاصرة هذا الشذوذ الفكري في دائرة محدودة، والوضوح والصدق في البراءة منه.
وبمنظور وطني: فإن ما وقع من استفزازات السفهاء وسكوت مرجعياتهم العلمية عنها يُشكك في صدق الانتماء الوطنيº لأنه يحرض على الاحتراب، ويشغل الوطن بالخلافات الطائفية الداخلية عن قضاياه الوطنية الكبرى، ويُضعف مقاومة الضغوط الخارجية التي تهدد الجميع.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد