بسم الله الرحمن الرحيم
عبد القادر بن محمد أبي الفيض، المعروف بابن قضيب البان، ولد في مدينة حماة من بلاد الشام سنة: (971) للهجرة، هاجر به أبوه إلى مدينة حلب وتوطن بها إلى سنة ألف هجرية، ثم توطن بمكة إلى حدود سنة اثنتي عشرة بعد الألف، ومنها إلى القاهرة، وفيها تتلمذه عليه القاضي يحيى بن زكريا وأخذ عنه الطريقة النقشبندية والقادرية والخلوتية.
ثم عاد إلى حلب إلى أن مات فيها سنة: (1040) للهجرة.
من مؤلفاته \"الفتوحات المدنية\" والتي ألفها على وتيرة \"الفتوحات المكية\" لابن عربي، وكتاب \"نهج السعادة\" وكتاب \"ناقوس الطباع في أسرار السماع، ورسالة في أسرار الحروف، وكتاب \"المواقف الإلهية\"، وله من الشعر تائية مشى فيها على وتيرة تائية ابن الفارض.
كان ابن قضيب البان على مذهب أهل وحدة الوجود ـ والعياذ بالله ـ ومن قوله:
شربت لحبه خمراً سقاني *** كصحبي فانتشى منها جناني
شطحتُ بشربها بين الندامى*** ورشدي ضاع مما قد دهاني
فأكرمني وتوجني بتاج *** يقوم بسره قطب الزمان
وأمرني على الأقطاب حتى *** سرى أمري بهم في كل شان
وأطلعني على سر خفي *** وقال: الستر من سر المعاني
رأيتك في كل شيء بدا *** وليس سواك لعيني حجب
فأنت هو الظاهر المرتجى *** وأنت هو الباطن المرتقب
وأنت الوجود لأهل الشهود ** وأنت الذي في كل شيء وهب
وعيني بعينك قد أبصرت *** لعينك في كل تلك النسب
ومن طوامه ما جاء في كتابه \"المواقف الإلهية\": ((ثم نوديت من مكان قريب، وذلك من جهاتي الست: يا حبيبي ومطلوبي، السلام عليك، فغمضت عيني، وكنت أسمع بقلبي ذلك الصوت حتى أظنه من جوارحي لقربه مني، ثم نوديت: انظر عليّ، ففتحت عينيّ فصرت كلي أعيناً، وكأن ما أراه في ظاهري، وصرت كأني برزخ بين كونين وقاب، كما يرى الرائي عند النظر في المرآة ما في خارجها. ثم سمعت بقارئ يقرأ: آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وكتبه ورسله، لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفران ربنا وإليك المصير.
وإذا بذلك الحجاب قد رفع وأذن لي بدخوله، ولما دخلته رأيت الأنبياء صفوفاً صفوفاً ودونهم الملائكة، ورأيت أقربهم للحق أربعة أنبياء، ورأيت أولياء أمة محمد أقرب الناس إلى محمد وهو أقرب الخلق على الله - تعالى - وأقرب إليه أربعة أولياء، فعرفت منهم السيد محي الدين عبد القادر، وهو الذي تلقاني إلى باب الحجاب، وأخذ بعضدي حتى دنوت من سيدنا محمد صلى الله عليه وآله، فناولني يمينه فأخذته بكلتا يدي.
فلا زال يجذبني ويدنيني حتى ما بقي بيني وبين ربي أحد، فلما حققت النظر في ربي ورأيته على صورة النبي، إلا أنه كالثلج أشبه شيء أعرفه في الوجود من غير رداء ولا ثياب.
ولما وضعت شفتي على محل منه لأقبله أحسست ببرد كالثلج - سبحانه وتعالى -، فأردت أن أخر صعقاً، فمسكني سيدنا محمد صلى الله عليه وآله))
(المواقف الإلهية لابن البان صفحة: 164 ـ 169)
قال الدباغ في كتابه الإبريز: ((قال محي الدين بن عربي: ومن شرط المريد أن يعتقد في شيخه أنه على شريعة من ربه وبيّنة منه، ولا يزن أحواله بميزانه، فقد تصدر من الشيخ صورة مذمومة في الظاهر وهي محمودة في الباطن والحقيقة، فيجب التسليم، وكم من رجل أخذ كأس خمر بيده ورفعه إلى فيه وقلبه الله في فيه عسلاً، والناظر يراه شرب خمراً وهو ما شرب إلا عسلاً ومثل هذا كثير، وقد رأينا من يجسد روحانيته على صورة ويقيمها في فعل من الأفعال ويراها الحاضرون على ذلك الفعل، فيقولون: رأيناه فلاناً يفعل كذا، وهو عن ذلك الفعل بمعزل، وهذه كانت أحوال أبي عبد الله الموصلي المعروف بقضيب البان، وقد عاينا هذا مراراً في أشخاص)) اهـ
(الإبريز صفحة: 130).
اللهم إنا نعوذ بك من هذا الضلال، ونبرأ إليك من هذا الكفر والخذلان، ونسألك حسن الختام، ولا حول ولا قوة إلا بك أنت الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم، والحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد