التصوف في ميزان الشرع ندوة عامة أقامتها إحياء التراث في صباح الناصر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

نظمت لجنتا الدعوة والإرشاد في منطقة صباح الناصر والفردوس التابعتان لجمعية إحياء التراث الإسلامي محاضرة بعنوان: -التصوف في ميزان الشرع-حاضر فيها كل من: الشيخ/محمد الحمود النجدي، والشيخ/فيصل قزار الجاسم، وذلك في مقر إدارة بناء المساجد والمشاريع الإسلامية التابعة للجمعية في منطقة صباح الناصر.

وفي بداية المحاضرة تحدث الشيخ/ محمد الحمود النجدي حول - نشأة الصوفية -، موضحاً بأن أمة محمد - صلى الله عليه وسلم - هي الوسط بين الأمم كما قال - تعالى -: { لك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً } , وقد روى البخاري - رحمه الله - تفسير النبي - صلى الله عليه وسلم - لكلمة -الوسط- بأنه العدل الخيار، فالأمة الوسط تميزت بالوسطية في عقيدتها وفي عباداتها وأخلاقها ومعاملاتها.

وقد أمرنا الله - تبارك وتعالى - إن حصل بيننا الاختلاف والتنازع أن نرجع إلى كتاب ربنا - جل وعلا - ، وإلى سنة نبينا - صلى الله عليه وسلم -، فإذا أردنا أن نعرف صحة العمل من عدمه، أو صحة الاعتقاد من عدمه، أو صحة القول من عدمه فإننا نزن ذلك بكتاب الله بقول الله - تعالى - وبقول رسوله - صلى الله عليه وسلم - بفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، فبهذا يتجلى لنا هل هذا العمل موافق لشرع الله، وموافق لما جاء به رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أم لا؟ فإذا تبين لنا مخالفته وجب علينا رده، والتبرؤ منه.

ومن يدرس التصوف وتاريخه يرى مخالفة هذا المنهج لمنهج الإسلام ووقوعه في الغلو الذي حذر الله منه، والتطرف كما يقال في لغة العصر والذي وقع في منهج هذه الفرقة واضح لكل من يقرأ كتبهم، ويلاحظ ما دونوه في مصنفاتهم.

ثم تطرق الشيخ النجدي إلى نشأة الصوفية، حيث نقل قولاً لابن القيم والذي بين فيه نشأة هذا الفكر، حيث يقول ابن القيم: - كانت النسبة في زمن الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى الإيمان والإسلام فيقال مسلم مؤمن، ثم حدث اسم زاهد وعابد، ثم نشأ أقوام تعلقوا بالزهد والتعبد، فتخلوا عن الدنيا وانقطعوا إلى العبادة، واتخذوا ذلك طريقة، وأخلاقاً تخلقوا بها -.

- وأوضح الشيخ النجدي بأن العلماء اختلفوا في سبب هذه التسمية -الصوفية- على قولين راجحين، القول الأول لابن تيمية يقول فيه: - إن هذه النسبة إلى لبس الصوف صيفاً وشتاء -، والقول الآخر: إن هذه النسبة نسبة إلى- صوفيا - وتعني الحكمة، وهذا ما يرجحه المؤرخ البيروني الذي يرى أن مرد التصوف في بلاد المسلمين إلى تصوف الهندوس في الهند، وأن هذه الأفكار نشأت قبل الإسلام بألفي سنة، وأخذها عنهم البوذيون، وأن كلمة -المتصوف- جاءت من كلمة - فيلسوف- أي محب الحكمة، ويدل على صحة استنتاجه أن الله - تعالى - ذكر في كتابه الكريم أن النصارى وهم أمة قبل الإسلام - كما يعلم الجميع - نزعوا إلى النهج الصوفي وابتدعوا شيئاً مما لم يشرعه الله وهو الرهبانية قال - تعالى - : { ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم} .

ويقول شيخنا سعد الحصين - حفظه الله - إن مما يدل على صحة استنتاج البيروني أن كثيراً من معتقدات المتصوفة الهندوس، وأقوالهم وأفعالهم وأحوالهم موجودة في متصوفة المسلمين منذ أن انتهت القرون المفضلة.

وأوضح الشيخ النجدي بأن البدع تبدأ صغيرة، ولا تزال تكبر مع الأيام، ولا يزال إبليس يجر هذا الإنسان الذي فارق السنة شيئاً فشيئاً، حتى يكون في واد بعيد عما جاء به محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقد صدهم إبليس عن العلم، ولاسيما طلب الحديث النبوي، فمن الأمور والعوائق التي تمنع الإنسان من الوصول إلى الكمال الصوفي - بزعمهم - هو طلب الحديث وطلب الدنيا والنكاح.

والإنسان إذا صار جاهلاً أمكن إبليس أن يلبس عليه، وأن يوقعه في المهالك، فمنهم من أراه أن المقصود من ذلك ترك الدنيا بالجملة، فرفضوا ما يصلح أبدانهم، وبالغوا في الحمل على النفوس، حتى إن منهم من لا ينام.

 

فهذه الطبقة الأولى من المتصوفة مع أن لهم نية حسنة لكنهم ما كانوا على منهاج النبوة، وفيهم من كان على قلة علمه يعمل بما يصل من الأحاديث الموضوعة وهو لا يدري، ثم تشعبت بأقوام منهم الطرق، ففسدت عقائدهم، فمن هؤلاء من قال بالحلول أي أن الله - تعالى - يحل في بعض ذوات الصالحين، ومنهم من قال بالاتحاد وهو اتحاد الخالق - تعالى - المخلوق والعياذ بالله، وما زال إبليس يزودهم بفنون البدع، حتى جعلوا لأنفسهم سنناً خاصة بهم لا أصل لها في الدين.

وقد حصل الغلو لهذه الفرقة في الاعتقاد من جانب المساجد والمشاهد على القبور والأضرحة، والاستغاثة والاستعانة بأصحاب هذه القبور في الشدائد والأزمات، والتوجه إليهم بالدعاء من دون الله، ومن غلوهم الذبح والنذر لغير الله، ومن غلوهم الطواف بالأضرحة والتعلق بأستارها كما يفعل بالبيت الحرام.

- تحدث بعد ذلك الشيخ/ فيصل قزار الجاسم حول - الصوفية في الوقت الحاضر -، فقال: إن الناظر إلى الصوفية المتقدمة يجد أن هناك فرقاً ظاهراً بين قدمائهم وبين متأخريهم، وليس هذا الفرق يعني بأن أتباع الصوفية المتأخرين قد استحدثوا عقيدة جديدة، وإنما هم أخذوا ما سطره أوائلهم، ثم زادوا عليهم أشياء حتى استقر مذهبهم على ما هو عليه الآن.

ولم يعرف في القرن الثاني الهجري قبوراً لهؤلاء تزار، ويستغاث بها من دون الله، ولكن حدث ذلك في أخريات القرن الرابع الهجري.

وأضاف: إذا أردنا أن نذكر ما استقر عليه مذهب الصوفية إلى اليوم، فمن ناحية أبواب الدين التي ضلوا بها فإنه سيطول بنا المقام، ولكن حسبنا أن نذكر بعض أبواب الاعتقاد المهمة التي قد تكون بمثابة الأصل الذي نشأ عليه كل ضلال من ضلال هؤلاء القوم.

ولاشك أن أعظم الأصول عندهم هو اعتقادهم بالله - تعالى -، فالصوفية يعتقدون في الله عقائد شتى، وتجمعهم عقيدتان في ذلك، ولم يكد يوجد صوفي إلا ويعتقد ذلك وهو أن الله- تبارك وتعالى- يحل بالمخلوقين، وذلك بأن يغيب العابد في الفناء حتى يحل فيه الخالق عياذاً بالله، وقد وجد أثر لذلك في رؤسائهم في نقولات كثيرة عنهم.

ثم إن هذا الحلول نتج عنه عقيدة هي أفسد منه وهي - الاتحاد-، وذلك بأن يتحد الخالق بالمخلوق حتى يكونا شيئاً واحداً، وهو ما يعبر عنه بوحدة الوجود، والحقيقة أنه لا فرق بين وحدة الوجود وبين الاتحاد في المعنى العام.

وبين المحاضر بأن المتصوفة اليوم يطبقون هذه العقائد في أورادهم، وينشدون القصائد الصريحة في مذهب الحلول والاتحاد ووحدة الوجود، كما أن الصوفية اليوم باختلاف طبقاتهم ودرجاتهم لا يزالون يمجدون ويقدسون أقطاب هذه الطائفة ويعتنون بكتبهم، حتى إن أحدهم قال في هذا البلد: لما قرأت كتب ابن عربي رأيته طوداً شامخاً، وإماماً عظيماً.

ثم تطرق الشيخ المحاضر إلى بعض الطرق الصوفية الموجودة والتي لها انتشار واسع والتي من أصول عقيدتها القول بوحدة الوجود والاتحاد كالطريقة -النقشبندية-المنسوبة لعبدالغني بن إسماعيل النقشبندي، وهي طريقة مشهورة في الشام وغيرها، كذلك الطريقة - التيجانية- وهي من أشهر الطرق في المغرب الإسلامي وأتباعها بالملايين، فالقول بأن هذه العقيدة هي عقيدة غلاة الصوفية والتبرؤ من هذه العقائد الباطلة فهو تبرؤ كاذب لا يوافق الواقع.

وهؤلاء الصوفية يعتقدون بأئمتهم أنهم يتصفون بالصفات الإلهية، وهذا لا يزال مسطراً في كتبهم وأورادهم إلى يومنا هذا، ولذلك أقدم الصوفية على تقسيم الولاية وطبقات الأولياء إلى درجات، وأن هؤلاء الأولياء يملكون الضر والنفع للبشر، ويملكون إنزال المطر، ويملكون هداية القلوب، وغير ذلك مما يتصف به الله - عز وجل -، الأمر الذي نشأ عنه الشرك بالله - تعالى -والكفر المستبين، وما من شرك بالله - تعالى - إلا وتجد للصوفية النصيب الأكبر منه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply