بسم الله الرحمن الرحيم
ذكر الإمام ابن القيم نص الشروط العمرية في كتابه القيم \" أحكام أهل الذمة \"(3/1159)، ثم شرح الشروط العمرية شرحا مفصلا في ستة فصول (3/1167).
ولكن ينبغي أن يعلم أن أسانيد الشروط العمرية لا تثبت، ولكن هناك آثار أخرى تبين أن إلزام أهل الكتاب ببعض الأمور التي تميزهم عن المسلمين مستقر عند سلف هذه الأمة كما نقل ذلك الإمام ابن القيم في الكتاب المذكور، ومنها أثر عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -.
وقد ضعف العلامة الألباني - رحمه الله - إسناد الشروط العمرية في الإرواء (5/103 ح 1265) وقال:
وإسناده ضعيف جدا......... ا. هـ.
وقال بعده:
ثم روى البيهقي عن أسلم قال:
كتب عمر بن الخطاب إلى أمراء الأجناد أن اختمور رقاب أهل الجزية في أعناقهم.
قلت (الألباني): وإسناده صحيح. ا. هـ.
أما قول ابن القيم - رحمه الله - في أحكام أهل الذمة (3/1164):
وشهرة هذه الشروط تغني عن إسنادها..... ا. هـ.
فإنه لا يسلم له، بل لا بد من إثبات صحة سندها، وشهرة هذه الشروط لا تغني عن إسنادها.
وقد شرح الإمام ابن القيم في الفصل الثالث من \" أحكام أهل الذمة \" (3/1262) ما يتعلق بتغيير لباسهم وتمييزهم عن المسلمين في المركب واللباس ونحوه، وذكر جملة من الأحكام الخاصة بأهل الكتاب.
أما سؤالك:
ما هو حكم ثياب التمييز؟ وما الحكمة منه؟
لقد ذكر الإمام ابن القيم فوائد كثيرة في فرض لباس معين على أهل الكتاب:
قال الإمام ابن القيم (3/1265):
وقد نهى أن يبدأ اليهود والنصارى بالسلام، وأمر إذا سلم أحدهم علينا أن نقول له: وعليكم.
وإذا كان هذا من سنة الإسلام فلا بد أن يكون لأهل الذمة زي يعرفون به حتى يمكن استعمال السنة في السلام في حقهم ويعرف منه المسلم من سلم عليه: هل هو مسلم يستحق السلام أو ذمي لا يستحقه؟ وكيف يرد عليهم؟.
قلت (ابن القيم): ما ذكره (يقصد ابن القيم: أبو القاسم الطبري) من أمر السلام فائدة من فوائد الغيارº وفوائده أكثر من ذلك.
فمنها أنه لا يقوم له، ولا يصدره في المجلس، ولا يقبل يده، ولا يقوم لدى رأسه، ولا يخاطبه بأخي وسيدي ووليي ونحو ذلك، ولا يدعى له بما يدعى به للمسلم من النصر والعز ونحو ذلك، ولا يصرف إليه من أوقاف المسلمين، ولا من زكواتهم، ولا يستشهده تحملا ولا أداء، ولا يبيعه عبدا مسلما، ولا يمكنه من المصحف، وغير ذلك من الأحكام المختصة بالمسلمين، فلولا النهي لعامله ببعض ما هو مختص بالمسلم فهذا من حيث الإجمال. ا. هـ.
وأشار ابن القيم أيضا إلا أن أهل الكتاب لا يلبسون القلنسوة فقال (3/1267):
فيمنعون من لباسها لما كان رسول الله وصحابته يلبسونها ولم يزل لبسها عادة الأكابر من العلماء والفقهاء والقضاة، والأشراف والخطباء على الناس، واستمر الأمر على ذلك إلى أواخر الدولة الصلاحية فرغب الناس عنها.
فإنما نهى عمر - رضي الله عنه - أهل الذمة عن لبسها لأنها زي رسول الله وصحابته من بعده وغيرهم من الخلفاء بعده وللمسلمين رسول الله وأصحابه أسوة وقدوة فالخلفاء يلبسونها اقتداء برسول الله وتشبها به وهم أولى الناس باتباعه واقتفاء أثره والعلماء يلبسونها إذا انتهوا في علمهم وعزهم وعظمت منزلتهم واقتدى الناس بهم فيتميزون بها للشرف على من دونهم لما رفعهم الله بعلمهم على جهلة خلقه والقضاة تلبسها هيبة ورفعة والخطباء تلبسها على المنابر لعلو مقامهم فيمنع أهل الذمة من لباس القلنسوة لعدم وجود هذه المعاني فيهم. ا. هـ.
ولا يلبسون العمائم لأنها لباس العرب قديما ولباس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والصحابة، فهي لباس الإسلام.
ونقل صورة من صور العزة لأهل الإسلام في فترة من فترات تاريخ هذه الأمة عندما عز أهلها فقال (3/1273):
وقال أبو الشيخ: حدثنا أحمد بن الحسين حدثنا الدورقي، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، حدثنا ابن المبارك، حدثنا معمر، أن عمر بن عبد العزيز كتب: \" أن امنع من قِبَلك فلا يلبس نصراني قَباء ولا ثوب خز ولا عصب، وتقدم في ذلك أشد التقدم حتى لا يخفى على أحد نهي عنه وقد ذُكر لي أن كثيرا ممن قبلك من النصارى قد راجعوا لبس العمائم، وتركوا المناطق على أوساطهم، واتخذوا الوفر والجمم، ولعمري إن كان يصنع ذلك فيما قبلك إن ذلك بك ضعف وعجز، فانظر كل شيء نهيت عنه وتقدمت فيه فلا ترخص فيه، ولا تغير منه شيئا \". ا. هـ.
الله أكبر!!!!
وقد قال المحقق عن هذا الأثر: وهذا إسناد صحيح رجاله ثقات.
وجاء في لفظ آخر:
أن عمر بن عبد العزيز كتب: \" أما بعد فلا يركبن يهودي ولا نصراني على سرج وليركبن على إكاف، ولا يركبن نساؤهم على راحلة، وليكن ركوبهن على إكاف وتقدم في ذلك تقدما بليغا \".
ومن صور المخالفة في اللباس مما ذكره الإمام ابن القيم لبس النعال فإن أهل الكتاب لا يتشبه بهم المسلمون حتى في لبس النعال فقال (3/1282):
فصل قولهم ولا في نعلين ولا فرق شعر
أي لا نتشبه بهم في نعالهم بل تكون نعالهم مخالفة لنعال المسلمين ليحصل كمال التمييز وعدم المشابهة في الزي الظاهر ليكون ذلك أبعد من المشابهة في الزي الباطن. ا. هـ.
واكتفي بهذه الصور لأن الموضوعَ طويلٌ جدا، وبإمكانك الرجوع إلى كتاب أحكام أهل الذمة للإمام ابن القيم ففيه الفائدة والغنية إن شاء الله - تعالى -
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد