المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك


بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فإن المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك تعتبر من الأدوات والصيغ الاستثمارية والتمويلية، والتي يجري التعامل بها على مستوى الشركات والمؤسسات المالية، وقد ظهرت هذه الصيغة وانتشرت خاصة في البنوك الإسلامية كأداة تمويلية واستثمارية تنافس المرابحة، والإجارة المنتهية بالتمليك، ونحوها من الأدوات.

وهذه المعاملة لها صور متعددة منها الجائز ومنها المحرم، وفيما يأتي بيان موجز لهذا الموضوع:

 

المبحث الأول: حقيقة المشاركة المتناقصة

المطلب الأول: تعريف المشاركة المتناقصة

عرفت المشاركة(1) المتناقصة(2) بتعريفات، متقاربة في معناها، ومن هذه التعريفات ما يأتي:

1- « مشاركة يعطي البنك فيها الحق للشريك في الحلول محله في الملكية، دفعة واحدة أو على دفعات، حسبما تقتضيه الشروط المتفق عليها، وطبيعة العملية، على أساس إجراء ترتيب منتظم، لتجنيب جزء من الدخل المتحصل كقسط لسداد قيمة الحصة »(3).

 

2- قيام المضارب المشترك بشراء الأشياء المنتجة للدخول بطريق العمل عليها(4)، كالسيارات -مثلاً- على أساس إجراء ترتيب منظم لتجنيب جزء من الدخل المتحصل إلى أن يصل مقداره إلى ما يساوي قيمة السيارة، حيث يقوم المضارب المشترك بالتنازل عن ملكية السيارة لصالح من عمل عليها خلال المدة التي سددت فيه قيمتها بالكامل(5).

3- عقد شركة بين طرفين في عين معينة، يتفق الطرفان فيه على أن تؤول ملكية العين لأحد الطرفين في نهاية مدة معينة، يبيع أحدهما للآخر جزءًا محددًا من نصيبه فيها، كالخمس مثلاً - خلال مدة خمس سنوات مثلا ً- لتصبح العين ملكًا للمشتري جميعها في نهاية المدة، وعلى أن يؤجره ما يملكه فيها سنة فسنة، خلال هذه المدة التي تتناقص فيها ملكيته، أو على أن يؤاجره لأجنبي عن العقد، ويقتسما الأجرة بنسبة ما يملكه كل منهما في هذه العين من أسهم(6).

4- « هي اتفاق طرفين على إحداث (إنشاء) شركة ملك بينهما في مشروع أو عقار أو منشأة صناعية أو غير ذلك، على أن تنتهي بانتقال حصة أحد الشريكين (الممول) إلى الآخر تدريجيًا بعقود بيع مستقلة متعاقبة »(7).

 

5- « ولعل أقدم تعريف لهذا العقد هو التعريف الوارد في قانون البنك الإسلامي الأردني الصادر سنة 1978م، حيث عرفه بقولـه في المادة الثانية: المشاركة المتناقصة: دخول البنك بصفة شريك ممول -كليًا أو جزئيًا- في مشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس الاتفاق مع الشريك الآخر بحصول البنك على حصة نسبية من صافي الدخل المتحقق فعلاً، مع حقه بالاحتفاظ بالجزء المتبقي، أو أي قدر منه يتفق عليه، ليكون ذلك الجزء مخصصًا لتسديد أصل ما قدمه البنك من تمويل»(8).

 

التعريف المختار:

بعد عرض التعريفات السابقة، يمكن تعريف المشاركة المتناقصة بأنها: عقد شركة بين طرفين في عين معينة، يتفق الطرفان على أن يبيع أحدهما نصيبه للآخر تدريجيًا بعقود بيع مستقلة متعاقبة، ويصاحب ذلك -أثناء عقد الشركة غالبًا- إجارة العين لأحدهما، أو لطرف ثالث، تقسم فيها الأجرة للشريكين بحسب نصيب كل منهما.

 

المطلب الثاني: صور المشاركة المتناقصة

هناك صور متعددة للمشاركة المتناقصة في الواقع العملي، وفيما يأتي أبرز هذه الصور:

الصورة الأولى: المشاركة في عين مع الوعد بالبيع.

وذلك بأن تتفق المؤسسة المالية مع العميل على تحديد حصة كل منهما في رأس مال المشاركة وشروطها. ويكون بيع حصص المؤسسة المالية إلى العميل بعد إتمام المشاركة بعقد مستقل، بحيث يكون لـه الحق في بيعها للمؤسسة المالية أو لغيرها، وكذلك بالنسبة للمؤسسة المالية بأن تكون لها حرية بيع حصصها للعميل الشريك أو لغيره(9).

 

الصورة الثانية: المشاركة المتناقصة بتمويل مشروع قائم.

وذلك بأن يقدم العميل للمؤسسة المالية أعيانًا يعجز عن تشغيلها، كمن يملك مصنعًا لا يستطيع شراء معداته، فتدخل المؤسسة شريكة معه بقيمة المعدات، فتأخذ حصتها من الربح، وحصة لتسديد مساهمتها في رأس المال. ويتفقان على أن تبيع المؤسسة حصتها دفعة واحدة أو على دفعات، فتتناقص ملكيتها لصالح العميل الشريك، حتى يتم لـه الملك بسداد كامل الحصة(10).

 

الصورة الثالثة: المشاركة المتناقصة باقتناء الأسهم.

وذلك بأن يحدد نصيب كل من المؤسسة المالية وشريكها في الشركة، في صورة أسهم تمثل مجموع قيمة الشيء موضوع المشاركة -عقار مثلاً-، يحصل كل من الشريكين على نصيبه من الإيراد المتحقق من العقار، وللشريك إذا شاء أن يقتني من هذه الأسهم المملوكة للمؤسسة عددًا معينًا كل سنة، بحيث تكون الأسهم الموجودة في حيازة المؤسسة متناقصة، إلى أن يتم تمليك شريك المؤسسة الأسهم بكاملها، فتصبح لـه الملكية المنفردة للعقار دون شريك آخر(11).

 

الصورة الرابعة: المشاركة المتناقصة المنتهية بالتمليك مع الإجارة.

وذلك بأن يتم التعاقد بين المؤسسة المالية والشريك على إقامة مشروع، مع وعد من الشريك باستئجار العين لمدة محددة، وبأجرة المثل، فيكون شريكًا مستأجرًا، وتوزع الأرباح حينئذ وفق طريقة المشاركة المتناقصة حسب اتفاقهما(12).

ومن حالات هذه الصورة: أن يقول: (المؤسسة المالية المالكة لكامل العين): بعتك ثلث نصيبي في هذه العين بثمن هو كذا -معلوم ومحدد-، وأجرتك ثلثيه بأجرة هي كذا لمدة سنة تنتهي في 30/12/1424هـ، وبعتك في نهاية هذه المدة المذكورة ثلثه بثمن هو كذا، وأجرتك الثلث الباقي بأجرة هي كذا لمدة سنة تنتهي في 30/12/1425هـ وبعتك بنهاية هذه المدة المذكورة الثلث الباقي والأخير من نصيبي في هذه العين بثمن هو كذا. وعند انتهاء هذه المدة، وتمام هذه العقود، تكون العين كلها ملكًا للشريك (المستأجر) ذاتًا ومنفعة(13).

 

الصورة الخامسة: المشاركة المتناقصة بالتمويل المشترك.

وذلك بأن تتفق المؤسسة المالية مع عميلها على المشاركة في التمويل الكلي، أو الجزئي، لمشروع ذي دخل متوقع، وذلك على أساس اتفاق المؤسسة مع الشريك لحصول المؤسسة على حصة نسبية من صافي الدخل المحقق فعلاً، مع حقها في الاحتفاظ بالجزء المتبقي من الإيراد، أو أي قدر منه يتفق عليهº ليكون ذلك الجزء مخصصاً لتسديد أصل ما قدمته المؤسسة من تمويل(14).

 

الصورة السادسة: المشاركة المتناقصة بطريقة المضاربة.

وذلك بأن تدفع المؤسسة المالية كامل رأس المال لمشروع معين، ويقدم الشريك العمل، والربح بينهما، مع وعد من المؤسسة بتمليك المشروع بطريقة المشاركة المتناقصة(15).

 

المطلب الثالث: الألفاظ التي تطلق على المشاركة المتناقصة

يطلق على المشاركة المتناقصة عدة إطلاقات، ومنها:

1- المشاركة المتناقصة(16). تسمى المشاركة المتناقصة أي بالنسبة للبائع، أي المصرفº لأنه يرضى بإنقاص حقه في رأس المال تدريجيًا إلى أن يصل إلى الصفر، حيث يتنازل عن ملكية المشروع محل العقد(17).

 

 

2- المشاركة المنتهية بالتمليك(18). تسمى المشاركة المنتهية بالتمليك، أي بالنسبة للمشتري.

3- المضاربة المنتهية بالتمليك(19). وهذه التسمية تصدق على بعض صور هذه المعاملة -كما تقدم-.

 

المطلب الرابع: الخطوات الإجرائية لعقد المشاركة المتناقصة

هناك تطبيقات متعددة لعقد المشاركة المتناقصة في الواقع العملي، وتمر خطواتها الإجرائية بعدة مراحل، وفيما يأتي نموذج من النماذج التي اقترحت لهذا العقد(20).

أ- الاشتراك في شراء مشروع أو عقار ذي ربح، أو غير ذلك.

ب- يتواعد الطرفان على ما يأتي:

أولاً: الاشتراك في تأجير ما اشتريا لطرف ثالث، بحيث يستحق كل واحد منهما ما يقابل حصته في الملك من بدل الإجارة، أو على تأجير الطرف (الممول) حصته للعميل (الشريك).

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply