حكم الدف للرجال


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

قال شيخ الإسلام - رحمه الله -:

وبالجملة قد عرف بالاضطرار مِن دين الإسلام أنَّ النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - لم يشرع لصالحي أمته وعبادهم وزهادهم أن يجتمعوا على استماع الأبيات الملحنة مع ضرب بالكف أو ضرب بالقضيب أو الدف كما لم يبح لأحد أن يخرج عن متابعته واتباع ما جاء به مِن الكتاب والحكمة لا في باطن الأمر ولا في ظاهره ولا لعامي ولا لخاصي، ولكن رخص النَّبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - في أنواع من اللهو في العرس ونحوه كما رخص للنساء أن يضربن بالدف في الأعراس والأفراح.

 

وأما الرجال على عهده فلم يكن أحدٌ منهم يضرب بدفٍّ, ولا يصفق بكفٍّ, بل قد ثبت عنه في الصحيح أنه قال \"التصفيق للنساء والتسبيح للرجال\" و\"لعن المتشبهات مِن النساء بالرجال والمتشبهين مِن الرجال بالنساء\".

 

ولما كان الغناء والضرب بالدف والكف مِن عمل النساء كان السلف يسمٌّون مَن يفعل ذلك مِن الرجال مخنثاً ويسمٌّون الرجال المغنين مخانيثاً وهذا مشهور في كلامهم.

ومن هذا الباب حديث عائشة - رضي الله عنها - لما دخل عليها أبوها - رضي الله عنه - في أيام العيد وعندها جاريتان مِن الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث فقال أبو بكر - رضي الله عنه - أبمزمار الشيطان في بيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معرِضا بوجهه عنهما مقبلا بوجهه الكريم إلى الحائط فقال: \"دعهما يا أبا بكر فإنَّ لكل قومٍ, عيداً وهذا عيدنا أهل الإسلام\". ففي هذا الحديث بيان أنَّ هذا لم يكن مِن عادة النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه الاجتماع عليه ولهذا سمَّاه الصدِّيقُ مزمار الشيطان. والنَّبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - أقر الجواري عليه معللا ذلك بأنه يوم عيد والصغار يرخص لهم في اللعب في الأعياد كما جاء في الحديث \"ليعلم المشركون أن في ديننا فسحة\". وكان لعائشة لعبٌ تلعب بهن ويجئن صواحباتها مِن صغار النسوة يلعبن معها. وليس في حديث الجاريتين أنَّ النَّبيَّ - صلى الله عليه وسلم - استمع إلى ذلك. والأمر والنهى إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع كما في الرؤية فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار، وكذلك في اشتمام الطيب إنما ينهى المحرم عن قصد الشمِّ فأمَّا إذا شمَّ ما لم يقصده فإنه لا شيء عليه وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس مِن السمع والبصر والشم والذوق واللمس إنما يتعلق الأمر والنهي مِن ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهي.

وهذا مما وجِّه به الحديث الذي في السنن عن ابن عمر أنه كان مع النَّبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فسمع صوت زمارة راعٍ, فعدل عن الطريق وقال \"هل تسمع؟ هل تسمع؟ \" حتى انقطع الصوت.

فإن مِن الناس مَن يقول بتقدير صحة هذا الحديث لم يأمر ابن عمر بسدِّ أذنيه!! فيجاب بأنَّه كان صغيراً، أو يجاب بأنَّه لم يكن يستمع وإنما كان يسمع وهذا لا إثم فيه، وإنما النَّبيٌّ - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك طلباً للأفضل والأكمل كمن اجتاز بطريق فسمع قوما يتكلمون بكلامٍ, محرمٍ, فسدَّ أذنيه كيلا يسمعه فهذا حسنٌ ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك اللهم إلا أن يكون في سماعه ضررٌ دينيُّ لا يندفع إلا بالسدِّ.

 

\"مجموع الفتاوى\" (11/565-567)

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply