حكم صندوق أو جمعية الموظفين والعمال وغيرهم


 بسم الله الرحمن الرحيم

درج كثير من الموظفين والعمال في الوزارات، والمصالح الحكومية، والمدارس، والشركات، وغيرها، رجالاً ونساء في الدائرة الواحدة في أول السنة أن يتفق بعضهم على أن يدفع كل واحد منهم مبلغاً معيناً قليلاً كان أم كثيراً من راتبه، على أن يدفع في كل شهر لأحدهم حسب حاجته وظرفه الذي يوضحه لأعضاء الجمعية ويقنعهم به، حتى تدور النوبة على جميع أعضاء الصندوق أو الجمعية.

 

وما فتئ كثير من الناس هذا دأبهم، وما فتئ الناس يستفتون في هذا الأمر، والمفتون لهم بين محلل ومحرِّم لذلك.

 

دليل وعمدة من يحرم الجمعية أو الصندوق القاعدة الفقهية المشهورة: \"كل قرض جرَّ نفعاً فهو ربا\"، ودليل المجيزين للجمعية أن فيها تعاوناً على البر والتقوى، ومساعدة وإعانة لأصحاب الدخل المحدود في تحقيق ما يريدون تحقيقه من أعمال طيبة، كالزواج، أو سداد دين عليه، ونحو ذلك.

 

لقد سُئلت عن ذلك كثيراً، ولم يخالجني الشك قط في جوازها في يوم من الأيام، وقد ناقشت بعضاً ممن يذهبون إلى عدم حلها وليس لهم دليل فيما ذهبوا إليه إلا تلك القاعدة السالفة.

 

وفي الحقيقة فإن تلك القاعدة ليس فيها أدنى دليل لتحريم الجمعية، لأن القاعدة تحرم الفائدة على المقرض، وليس على المقترض، نحو أن يقرض شخص شخصاً آخر مبلغاً من المال على أن يشتري من دكانه، أو على أن يستأجر حافلته، أو أن يدرس له ولده دروساً خاصة، أو أن يشفع له لقضاء غرض من الأغراض.

 

أما في الجمعية فإن القارضين هم المحسنون إلى المقترض والمتفضلون عليه بإعطائه الصرفة الأولى أو الثانية أو الأخيرة مثلاً حسب حاجته إليها، فأي فائدة نالها المقرضون؟ أما المقترضون فهم المستفيدون.

 

وبهذا أفتت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بالأكثرية.

قـال الشيـخ عبد الله بن عبد الرحمن الجبـرين - حفظه الله - عن حكم الجمعية هذه: (منعها بعض المشايخ، منهم صالح بن فوزان وغيره، ثم عُرضت على هيئة كبار العلماء فأصدروا فيها فتوى بالجواز، والجمهور أو الأكثرية من أعضاء الجمعية وافقوا على ذلك، ثم إن بعض الذين خالفوا لم يوقعوا، وكتبوا: أنا مخالف، أو أنا متوقف، ولم يعتبروا خلافهم وعللوا بأن فيها منفعة). 1

 

على المشاركين في الجمعية أن ينووا بها التعاون على البر والتقوى وقضاء حوائج المحتاجين، فالأعمال بالنيات، ويحذروا الامتنان والمكر والمماطلة في سداد ما أخذوا من أموال، وعليهم أن ينووا بذلك القرض الحسن لينالوا ما وعد به نبيهم المقرضين: \"ما من مسلم يُقرضُ مسلماً مرتين إلا كان كصدقتها مرة\"2، وما وعد به الميسِّرين: \"من يسَّر على معسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة\". 3

 

لهذا قال بعض أهل العلم: إن أجر القرض أعظم من أجر الصدقة.

هذا كله فيمن يقترض وهو محتاج وينوي السداد، أما من يقترض وهو ينوي عدم السداد والمكر، وإتلاف مال العباد، فلن يبارك الله له ولا عليه.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply