بسم الله الرحمن الرحيم
خطبتا جمعة ضمن سلسلة خُطب الشيخ الفاضل: أحمد بن محمد العتيق - حفظه الله - تعالى -، الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بمنطقة حائلº في فضل الوقف، وشروطه، وانعقاده، وألفاظه، وأقسامه، وخمس مسائل ينبغي معرفتها في الوقف. جزى الله الشيخ عنّا وعن المسلمين خير الجزاء وجعل له الفردوس من الجنة منزلاً ومستقراً وأسأله - تعالى -أن ينفع بها جميع المسلمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفرهº ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالناºمن يهده فلا مضل لهº ومن يضلل فلا هادي لهº وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهº وأشهد أن محمداً عبده ورسولهº صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم ومسلمون}.
{يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفسٍ, واحدةٍ, وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً واتقوا الله الذين تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً}.
{يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً}. أما بعد:
فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثةٍ, بدعة وكل بدعةٍ, ضلالة، وكل ضلالةٍ, في النار.
عباد الله: اتقوا الله - تعالى -، واعلموا أن الوقف من الأمور التي قررتها الشريعة، واختُصَّ بها المسلمون، ولا شك أن الوقف من القُرَب التي يُتَقَرَّبُ بها إلى الله - سبحانه وتعالى -، حتى يبقى ثوابُها ولا ينقطع حتى بعد الممات. ولما فيه من المنفعة للواقف في الدنيا والآخرة، في حياته وبعد مماته، ومن المنفعة للموقوف عليهم، وتفريج كُرُباتهم، ودفع حاجاتهم. قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقةٍ, جاريةٍ,، أو علمٍ, يُنتَفع به، أو ولدٍ, صالحٍ, يدعو له) رواه مسلم. وقال أيضاً: (إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته: علماً نشره، أو ولداً صالحاً تركه، أو مصحفاً ورَّثَه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقةً أخرجها من ماله في صحته وحياته تلحقه من بعد مماته). وقال جابر - رضي الله عنه -: (لم يكن أحد من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذو مقدرة إلا أوقف).
ويُشترط أن يكون الواقف: بالغاً عاقلاً حراً رشيداً.
وينعقد الوقف بأحد أمرين: الأول: القول الدال على الوقف، كأن يقول: وقفت هذا المكان أو هذا الشيء.
الثاني: الفعل الدال على الوقف في عُرف الناس، كمن جعل داره مسجداً، وأَذِنَ للناس في الصلاة فيه إذناً عاماً، أو جعل أرضه مقبرة وأَذِنَ للناس في الدفن فيها.
وألفاظ التوقيف قسمان: القسم الأول: ألفاظ صريحة، كأن يقول: وقف، وحبست وسَبَّلتُ. القسم الثاني: ألفاظ كناية، كأن يقول: تصدقتُ، وحرَّمتُ، وأبَّدتُ. فهذه ألفاظ كناية، يُشتَرَط اقترانُ نيةِ الوقف معها.
وينقسم الوقف إلى قسمين: القسم الأول: الوقف الأهلي، ويُسَمَّى أيضا بالوقف الذٌّرِّي، وهو ما كان على الأولاد، والأحفاد، والأقارب، ويقوم على أساس حبس العين والتصدق بريعها على الواقف نفسه وذريته من بعده أو غيرهم، طبقاً للشروط التي يحددها الواقف.
القسم الثاني: الوقف الخيري، وهو ما كان في وجوه الخير على سبيل العموم وعدم حصره على الأولاد والأهل.
وهنا مسائل تتعلق بالوقف لابد من معرفتها:
الأولى: أن الوقف من العقود اللازمة فلا يجوز فسخه والتراجع عنه، إلا إذا أوقف على بعض أولاده دون بعض، أو أوقف ماله على أمر محرم.
المسألة الثانية: إذا أوقف الرجل ماله وعليه ديون كثيرة وليس عنده بعد الوقف ما يقضي ديونه، فإنه يجب عليه أن يفسخ الوقف، ويقضي دينه، لأن الوقف مستحب وقضاء الدين واجب.
المسألة الثالثة: إذا علَّقَ الواقفُ الوقفَ على موته، فقال: هذا البيت أو هذا الدكان أو هذه المزرعة وقفٌ بعد موتي، فإنه يكون في حكم الوصية، فَيُنظَر: إذا كان هذا المال أو الشيء الموقوف يساوي الثلث فأقل، فإنه صحيح، ولابد من إنفاذه. وإذا كان يزيد على الثلث فإنه لا يُنَفَّذُ منه إلا الثلث، وأما ما زاد على الثلث فإنه يُرَدٌّ إلى التركة لأنه من حق الورثة.
اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا واغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول واستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنبٍ, إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الواحد الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كُفُوا أحدº فاطر السماوات والأرضº جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحةً مثنى وثلاث ورباعº يزيد في الخلق ما يشاءº إن الله على كل شيء قديرº ما يفتحِ الله للناس من رحمةٍ, فلا مُمسكَ لهاº وما يُمسك فلا مُرسل له من بعده وهو العزيز الحكيمº وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لهº وأشهد أن محمداً عبده ورسولهº صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً أما بعد: -
المسألة الرابعة من المسائل المتعلقة بالوقف: يجب العمل بشرط الواقف إذا كان لا يُخالف الشرع،
ولكن اختلف أهل العلم: هل يجوز العمل بما هو أفضل؟ كمن كان بيده وقف، وقد شَرَط الواقف صرفَ الوقفَ في عشاء وأضحية، كما هو حال كثير من الناس اليوم، ثم رأى ناظِرُ الوقف أن يصرِفَه فيما هو أفضل، كالنفقة على الأرامل والأيتام، وبذل المال في الدعوة إلى الله، وتحجيج من لم يحج ممن لا يجد نفقة الحج، أو المشاركة في علاج المرضى من المسلمين، أو بناء المساجد، أو حِلَق التحفيظ، أو تعبيد الطرق، أو قضاء الدين عن المدينين، أو المساعدة على الزواج، فإن له ذلك لأنه صرفه إلى ما هو أفضل وأنفع. إلا إذا كان الوقف على مُعَيَّن، كأن يقول وقفت على فلان وفلان.
المسألة الخامسة: لا يجوز بيع الوقف ولا المناقلة به إلا في حالتين:
الأولى: أن تتعطل منافعه، كدار انهدمت ولم تمكن عمارتها من ريع الوقف، أو أرض زراعية خربت وعادت مَوَاتا، فيُبَاع الوقف الذي هذه حاله ويُصرَف ثمنه في مثله. فإن تعذَّر مثله كأن تكون القيمة لا تفي بشراء مثله فإنه في هذه الحالة يشتري ما يحصل به المقصود، لقوله - تعالى -: (فاتقوا الله ما استطعتم).
الحالة الثانية: جواز بيع الوقف للمصلحة، كأن يكون الموقوف مزرعة، أو دُكاناً، ولم تتعطل منفعتهما ولكن رأى ناظر الوقف أن المصلحة بيع الوقف وإبداله بما هو أفضل وأنفع فإن له ذلك، ولكن لابد من الرجوع إلى المحكمة حتى لا يَتَلاعب الناس بالأوقاف.
اللهم فقهنا في دينك. اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا يا ذا الجلال والإكرام. اللهم آت نفوسنا تقواها وزكِّها أنت خير من زكَّاها أنت وليها ومولاها. اللهم حبب إلينا الإيمان وزيّنه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين. اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمت أمرنا وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا واجعل الدنيا زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر يا ذا الجلال والإكرام ياحيٌّ يا قيوم..
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد