بسم الله الرحمن الرحيم
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي يحبُ أهل الإيمان، ووعدهم على ذلك بالجنان، الحمد لله الذي بذكره تطمئن قلوب المؤمنين وبحبه امتلأت أرواح المتقين..والصلاة والسلام على إمام العابدين وقدوة المتقين، نبينا محمد، الذي دعانا للإيمان وحثنا على التمسك به حتى الممات.
أمـا بعد: معاشر المؤمنين:
إن هناك كنزٌ عظيم، غفل عن الحصول عليه كثير من الناس، وفرط في التمسك بهِ كثير من الغافلين، إنه كنز الإيــمان ذلك الأمر العجيب الذي به يتفاضل الناس عند رب العالمين، وبه تفاوتت مراتب المؤمنين إنه الإيمان.. الذي غاب مفهومه في حياة الكثيرين، وانطفئ نوره من قلوب بعض المؤمنين.
معاشر المؤمنين:
إن هناك مصائب كثيرة، على مستوى الفرد والجماعة والدولة، ولكن أعظم مصيبة هي (ضعف الإيمان). وهي سبب لكثير من المصائب.
فيا ترى، ما هي علامات ضعف الإيمان؟ وما هي الدلائل والمظاهر والعلامات التي تدل على ضعف الإيمان لدى صاحبه؟
أخي المؤمن: إنه لا بد من معرفة علامات ضعف الإيمان لكي نستيقظ من غفلتنا ورقدتنا.. لابد أن نراجع إيماننا، ونحاسب أنفسنا {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ مَّا قَدَّمَت لِغَدٍ, وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ}.
إن من علامات ضعف الإيمان:
1ـ التقصير في أداء الصلوات في المساجد وفي أوقاتها، وهذا الأمر ملاحظ ولا ينكره أحد، والحقيقة أن بعض الناس قد لا يصلي أصلاً، وبعضهم لا يصلي إلا الجمعة. فأين الإيمان يا أهل الإيمان ؟!
2ـ الجرأة في ارتكاب الذنوب، فهذا يرفع صوت الغناء، وهذا يترك الصلاة في الجماعة، وهذا قد وضع في سيارته محرك لوضع سيدي مع شاشة لرؤية الأفلام المحرمة في السيارة.. فأين الإيمان؟!
وتلك المرأة تخرج متبرجة، قد نزعت الحياء، على أعتاب منزلها، وإذا بها تتجرأ في إبراز مفاتنها أمام الرجال.. فأين الإيمان ؟!
3 - ومنها: آفات اللسان، فكم من لسان كان سبباً في ضعف الإيمان، بل وطريقاً إلى النيران. وفي الحديث \"أكثر ما يدخل الناس النار الأجوفان الفم والفرج \".
يا أهل الإيمان حذار من خطورة اللسان فكم جرَّ من بلاء، وكم أزال من نعماء، وكم أوقع في معصية، وكم حَـرمَ من طاعة. قال ابن مسعود: والله ما شيء أحق بطول سجنٍ, من اللسان.
وقال أحدهم: من كثر كلامه كثرت ذنوبه.. فالله الله يا أمة الإسلام في حفظ اللسان لكي يبقى الإيمان، ونرضي الرحمن، ونفوز بالجنان..
4 - ومنها: صحبة الأشرار والفجار، فوالله إن صحبتهم من أكبر المصائب وهي بداية لكل معصية ولو سألت صاحب الإدمان كيف بدأت؟ لقال لك: صحبة الأشرار.
ولو سألت ذلك الشاب الذي بدأ يعاكس الفتيات كيف بدأت؟ لقال لك: صحبة الأشرار.
يا أهل الإيمان: إذا أردنا المحافظة على كنز الإيمان، فلنحذر أصدقاء السوء فإنهم أعوان الشيطان، وفي الحديث \" المرء على دين خليله.. \"
5 - ومنها: الانشغال بالدنيا وملذاتها عن الاستعداد للآخرة.. إن هذا الدين جاء بكل ما يصلح الحياة في أمور الدين والدنيا، ولكن هذا الدين مبنيٌ على القواعد والضوابط فجعل الله العمل للدنيا مشروط وأثنى الله على عباده، وهم أهل الإيمان الصادق بقوله: {رِجَالٌ لَّا تُلهِيهِم تِجَارَةٌ وَلَا بَيعٌ عَن ذِكرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاة}.
والذي ينظر في حال السلف من الصحابة ومن بعدهم يجد أنهم كانوا يعملون للدنيا في حدود مقيدة ومشروطة بأن لا تضر بالدين والإيمان.. نعم.. إنه الإيمان!
إنني أعرفُ بعض الذين دخلوا في أمور التجارة ولكنهم لم يعرفوا خطورة فتنة المال والدنيا، وإذا بهم بدأو في الكذب والغش والمعاملات الربوية.. وبدأ الإيمان في الضعف والفتور والله المستعان {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلهِكُم أَموَالُكُم وَلَا أَولَادُكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ}.
6 - ومنها: التعرض للفتن والشهوات.. إن من المؤسف يا أهل الإيمان أن نرى ونسمع عن كثير من الشباب، بل والعوائل، قد سافروا إلى الخارج بحجة السياحة.
يا ترى ماذا سيشاهدون، وماذا يسمعون، وماذا سيفعلون؟ هناك يشتكي الإيمان من تلك الفتن والشهوات والمغريات هناك يكون ضعف الإيمان، ويكثر أعوان الشيطان، هناك الصور المثيرة والمناظر المميتة..
عجباً لأولئك! ألم يعلمون أن الإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالشهوات والمعاصي.. بكل صراحة: كم من أناس ذهبوا بإيمانهم ولكنهم رجعوا وقد أصابهم الفتور والضعف، وكم من شاب ذهب ولكنه رجع وقد ملأ قلبه من الشهوات، فكم من فتاة نظر إليها، بل وقد يكون قد مارس معها بعض الآثام..
وكم من صلاة أخَّرها عن وقتها، فكيف إذا ضيعها.. وكم من فتاةٍ, ذهبت بإيمانها وعفافها وحجابها... ولكنها رجعت وقد فارقت الحجاب وطلَّقت الحياء ولبست ثياب التبرج والسفور..
7ـ ومنها: التساهل في النظر إلى القنوات.. ووالله إن هذا السبب من أعظم أسباب ضعف الإيمان لمن عرف واقع الناس.. ماذا تبث القنوات؟ صور عارية، وملابس فاضحة، رقص وغناء وتعري، أفلام ماجنة، إلى غير تلك المدمِّرات للإيمان.
يا صاحب الإيمان: أتظن أنك ستحصّل خيراً عندما تنظر إلى تلك القنوات يا ترى هل سيخشع قلبك؟ وهل ستدمع عينك؟ وهل ستحافظ على الصلاة.. ؟
يا أهل الإيمان: كم من قناةٍ, دمّرت حصون الإيمان، وكم من مشهد في فلم كان سبباً لدخول النيران، وكم من برنامج كان هو بداية الهلاك والانحلال من الدين.
إنها القنوات صانعة الشهوات بسببها انتشرت الفواحش، وخرجت النساء بتلك العباءات.. لأجل القنوات فقد كثير من الشباب العفة، وتلطخ بالزنا واللواط.. بسببها ذهبت أعراض وزالت معالم الحجاب عند بعض الفتيات..
« فهذا نداء إلى كل أب » أخرج تلك القنوات التي دمَّرت إيمانك ودمرت أبنائك، وبناتك.. وتذكر أنك ميت، وأن القبر مسكنك.. وبين يدي الله موقفك.. وأعمالك سوف تفضحك..
أخرج القنوات قبل أن تخرج روحك إلى فاطر الأرض والسماوات.. فيا ترى ماذا سيكون حالك؟ {وَاتَّقُوا يَوماً تُرجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ}، {وَقِفُوهُم إِنَّهُم مَّسئُولُونَ} {فَوَرَبِّكَ لَنَسأَلَنَّهُم أَجمَعِينَ}.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين.. الرحمن الرحيم.. وأصلي وأسلم على خليل رب العالمين وقدوة المتقين وإمام العابدين نبينا محمد..
يا أهل الإيمان: إن ما ذكرتُ لكم هو بعض أسباب ومظاهر ضعف الإيمان وبقي الكثير الكثير.. والمؤمن عندما يعلم بذلك يجب عليه السعي لكي يتخلص منها، لكي يفوز بالإيمان، وبعد الموت بدخول الجنان والنظر إلى الرحمن..
أخي المؤمن: كن صادقاً مع نفسك، لتنجو بها غداً من نارٍ, تلظَّى لا تخادع نفسك، فأنت الرابح أو الخاسر أخي صاحب الإيمان.. إذا كان هناك أسباب ومظاهر تدل على ضعف الإيمان..
فاعلم رعاك الله، أن هناك أسباباً لرفع مستوى الإيمان، وهناك وسائل لتقوية الإيمان تجعلك تتذوق حلاوة الإيمان وتشعر بالأنس بالرحمن.. ومنها: النظر في حياة الرسل وأتباعهم {وَكُـلاًّ نَّقُصٌّ عَلَيكَ مِن أَنبَاء الرٌّسُلِ ما نثبِّت به فؤادك}.
أخي المؤمن: لا بد أن تجعل من وقتك جزءاً للنظر في سير الأنبياء والصالحين لترى نماذج الاقتداء من حياتهم {لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِم عِبرَةٌ}.. إن حياتهم مليئة بالعبر والوقفات الإيمانية.. الصبر.. الثبات.. التوكل.. اليقين.. الدعوة إلى الله.. الأخلاق الحسنة.. وغيرها من المعالم البارزة في حياتهم..
انظر في قصص الأنبياء.. واقرأ قصص الصحابة والأنبياء وسوف تشعر بزيادة الأيمان... وقوةً في الروح وثقةً بصحَّة هذا الطريق.. إن أخبار الصالحين من خير الوسائل التي تغرس الفضائل في النفوس، وقديماً قيل: \" الحكايات جند من جنود الله - تعالى -، يثبت الله بها قلوب عباده \".
يا من يريد الإيمان: اقرأ.. وطالع.. قصص السابقين.. لترى كيف كانوا وإلى أين وصلوا.. {لَقَد كَانَ فِي قَصَصِهِم عِبرَةٌ لِّأُولِي الأَلبَابِ}.
ومنها: ممارسة الدعوة إلى الله - تعالى -فهي نور الأعمال الصالحة.. ووظيفة الأنبياء والمرسلين.. وهي مقامات العباد..
الدعوة.. هي أحسن كلمة تُقال على الأرض {وَمَن أَحسَنُ قَولاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ} والدعاة.. هم أقرب الناس من الرسل لأنهم قاموا بما قام به الرسل.. والدعاة لهم أجرهم ونورهم.. وكل خير يدعو إليه فهو في ميزانهم هناك في أرض المحشر.. فعليك بممارسة الدعوة ليقوى إيمانك..
واعلم بأن الله حينما يطلع عليك وأنت ممن يبذل حياته في تبليغ دينه ونفع عباده، فإنك بهذا ترتفع منازل عنده جل في علاه.. لأنك ممن يسعى في نصرة دينه والله يقول {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ}.
والدعاة الصادقون لا يفترون.. بل هم الذين ينقذون الأمة من داء الفتور.. فهم الأطباء والناس مرضى.. هنيئاً للدعاة.. قاموا بالإيمان.. ونشروا الإيمان وأغاظوا الشيطان.. والدعوة سبب الثبات {إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُركُم وَيُثَبِّت أَقدَامَكُم}.
ومنها: تربية النفس على مراقبة الله - تعالى -ألم تعلم بأن من أسماء الله - تعالى -\" الرقيب، السميع، البصير، العليم، الخبير، المحيط، الشهيد \" إن هذه الأسماء الجليلة لا بد أن يكون لها أثر إيجابي على نفوس المؤمنين.. فيها الإشارة الواضحة للعلم الرباني بخلقه وأسرارهم {أَلَم يَعلَم بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى}.. {وَهُوَ مَعَكُم أَينَ مَا كُنتُم}.
يا صاحب الإيمان: كيف يضعف إيمانك وأنت موقن بأن الله يراك.. كيف تترك الأعمال الصالحة وأنت تعلم بأن الله عليم بسرِّك ونجواك عجباً لك.. أين أنت من اليقين بالعلم الإلهي بهذا الكون {وَمَا تَسقُطُ مِن وَرَقَةٍ, إِلاَّ يَعلَمُهَا}..
إذن.. استيقظ من الفتور الذي أصابك.. واغسل وجهك بماء الاستقامة.. والبس ثياب الهمة.. وليكن حُـداءك \" يا مقلب القلوب ثبت.. ومنها: مجاهدة النفس {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا} فعليك أخي بمجاهدة النفس.. والصبر على الطاعات لتحصل على الثبات حتى الممات.
قال أحدهم: لا تجد حلاوة العبادة حتى تجعل بينك وبين الشهوات حائطاً من حديد.. وقيل: لن يكمل دين أحدكم حتى يؤثر دينه على شهوته.
أخي الحبيب: إن النفس تأمرك بالهوى والعصيان.. فعليك بعصيانها حتى لا تهوي بك في الجحيم والنيران.. نعم، إن طريق الإيمان مليء بالفتن والمغريات.. ولكن بالمجاهدة ستتجاوز تلك العواصف.. فصبرُ قليل.. والموعد الجنة.
ومنها: تذوق حلاوة الإيمان.. إن الإيمان ليس مجرد أعمال أو أقوال أو عقائد، بل هو جامع لهذه كلها، ويُكسب المتمسك به \" حلاوة ولذة وأنساً وسعادة \"
إنه وعد الله لكل من سلك طريق الإيمان والعمل الصالح (مَن عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ, أَو أُنثَى وَهُوَ مُؤمِنٌ فَلَنُحيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً).. إنها حلاوة الإيمان، والأنس بالرحمن، والتلذذ بالقرآن.. قال أحد الصالحين: مساكين أهل الدنيا، خرجوا من الدنيا، وما ذاقوا أطيب ما فيها..
أخي المؤمن: إنك عندما تتذوق حلاوة الإيمان فإن ذلك يدعوك إلى مزيد من الأعمال الصالحة والعبادات المتنوعة. {وَالَّذِينَ اهتَدَوا زَادَهُم هُدًى وَآتَاهُم تَقواهُم}
واعلم بأن الحصول على لذة العبادة و حلاوة الإيمان تحتاج إلى مجاهدة وصبر ومصابرة {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهدِيَنَّهُم سُبُلَنَا}.. هذا خبيب بن عدي يوضع على حبل المشنقة لكي يرجع عن دينه.. فيرفض.. بل ويصلي ركعتين قبل وفاته نعم إنه الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب..
وهذا بلال يُعذَّب على صحراء مكة ويُرمى بالحجارة بأيدي الصبيان والمجانين، فيا ترى هل تنازل بلال عن دينه لا والله.. إنه الإيمان حين تخالط بشاشته القلوب..
وهذا أحمد بن حنبل يُدخلونه السجن ويمارسون معه أنواعاً من التعذيب، من الجلد والضرب، حتى قال أحد الجلادين: لقد ضربتُ أحمد بن حنبل ثمانين سوطاً لو ضربتهُ فيلاً لهدّتُـه.. فيا ترى ماذا كان موقف الإمام أحمد؟ الصبر.. والرضا..
إنه الإيمان الذي يصنع العجائب.. أو ما سمعت بقصة شيخ الإسلام ابن تيمية الذي أُدخل السجن لأجل حسد بعض الناس له وزعمهم عليه ببعض الفتاوى الباطلة.. ويبقى في السجن صابراً محتسباً وهو في قمة الثبات وفي أروع أمثلة الإيمان الصادق.. وتمر الأيام على ذلك الإمام حتى يموت في السجن لأجل تمسكه بالعقيدة الصحيحة..
إنه الإيمان يا أمة الإسلام ومنها: المحافظة على كنز الإيمان.. يا أخانا إنك قد تكسب قوةً في الإيمان، وقد تتذوق جمال الأُنس في التقرب إلى الرحمن.. وقد تتنعم بالسجود للواحد المنان.. وقد ترتفع في مراتب الإيمان..
ولكن.. اعلم أنك قد تخسر هذا كله.. في لحظةٍ, واحدة عندما يغلبُ عليك العجب والغرور أو عندما تُعرِّض نفسك لأبواب الفتن والشرور فاحرص أخي على المحافظة على كنز الأيمان.. ليدوم الإيمان.. وتعيش في أمان.. وترتقي عند الملك المنان... ولترى غداً حوراً حسان... بين يديك في تلك الجنان...
ومنها: اليقين الكامل بأن منزلتك عند الله - تعالى -، على قدر إيمانك.. أيها المؤمن: تأكد وكن على يقين أن الناس يتفاضلون في الإيمان فهم ليسوا على طريقة واحدة، والناس كذلك عند الله - تعالى - تتفاوت مراتبهم على قدر تفاوت إيمانهم وأعمالهم {إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم}.
فيا ترى، ما منزلتك عند الله؟ ما مكانتك؟ ما قدرك؟ إنك تستطيع أن تجعل لك ثناءً وقدراً ومكانة عند الله - تعالى -وذالك بدوام الإقبال على الله وتقوية الإيمان حينها ترتفع درجات.. وتستحق الهبات.. وتنزل عليك البركات.. وتُمنح غداً تلك الجنات.. نعم إنه الإيمان يا أخا الإيمان..
ومن أسباب زيادة الإيمان: « تدبر القرآن » إنه كلام الرحمن.. وسبيل النور والإيمان.. {لَو أَنزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ, لَّرَأَيتَهُ خَاشِعاً مٌّتَصَدِّعاً مِّن خَشيَةِ اللَّه}.
تُضاعف به الحسنات (لا أقول أَلَمَ حرف، بل ألف حرف و.. ) والقرآن فيه هداية القلوب والعقول. وفيه الوعد والوعيد. وفيه الشفاء من أمراض الشبهات والشهوات.
لقد ربَّى القران أجيالاً فرفع قدرهم في الدنيا والآخرة.. لقد عمل بالقران أناساً فقادوا الأمم إلى عز الدنيا والآخرة.. إنه القران طريقك إلى الحياة السعيدة.. ومفتاحك إلى الطمأنينة {أَلاَ بِذِكرِ اللّهِ تَطمَئِنٌّ القُلُوبُ}.
فأين نحن من القرآن؟ لقد هجرناه إلا قليلاً منا.. هل عملنا بما فيه.. هل تحاكمنا إليه.. هل قرأناه في الليل والنهار.. هل جعلناه مصدرنا عند النزاع؟ إنه القران يا أمة القران.. فلنعد إليه ليقوى عندنا الإيمان..
ومن أسباب تقوية الإيمان: قصر الأمل واليقين الكامل بفناء الدنيا وزوالها.. إنك لو نظرت في حياة بعض الغافلين.. لرأيت العجب العجاب من الضياع والانحراف والبعد عن الدين.. وهذا بسبب الغفلة عن الموت وما بعده.. ونسيان الآخرة.. وعلى العكس من ذلك كلما رأيت الرجل متذكراً للآخرة مستعداً لها، كلما رأيته أعظم إيماناً وأقوى ثباتاً..
وهكذا كان سلفنا الصالح - رضي الله عنهم -.. قال الربيع: لو غفل قلبي عن ذكر الموت ساعة لفسد قلبي.. وقيل: من أطال الأمل أساء العمل.. فيا من غفل.. الموت يأتي بغته.. والقبر صندوق العمل.
ومنها: دوام الدعاء.. فعليك بالدعاء، واقرع باب السماء، وانطرح على عتبات العبودية، وابكِ بين يديه، وتضرع إليه وقل: يا رب زدني إيماناً وثباتاً..
أخي المؤمن: إن الحياة مليئة بالفتن والشهوات وأنت ضعيف فكن قوياً باعتمادك على ربك. {وَقَالَ رَبٌّكُمُ ادعُونِي أَستَجِب لَكُم}.. الدعاء يربط ذلك المخلوق الضعيف بالرب القوي القادر.. والدعاء يُربّي فيك الشعور بالافتقار إلى الواحد القهار.. فعليك بالدعاء.. إنها كلمات.. تخرج من لسانك.. وتصعد إلى ربك.. القريب المجيب..
إنك بحاجة إلى أن تنكسر بين يدي ربك.. وتبتعد عن « الخيلاء والكبر » لكي تضع جبهتك ذليلاً خاضعاً لربك.. ليمنحك ما تحب.. فعليك بالدعاء.. إن الله يحب أن ندعوه، ونتضرع إليه.. وفي الحديث: (من لم يسأل الله يغضب عليه).
فيا من يريد تقوية الإيمان والثبات عليه: أين أنت من الدعاء.. وصدق الالتجاء.. إنك بحاجة إلى ربك.. {يَا أَيٌّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الفُقَرَاء إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الغَنِيٌّ الحَمِيدُ}.. يا من يريد الإيمان: أين أنت من الدعاء.. في السجود.. وفي الأسحار..
ومالي غير باب الله بابٌ * * * ولا مولى سواه ولا مجيبُ
كريم منعـم برٌ لطيف * * * جميل الستر للداعي مجيبُ
ومنها: الانغماس في بيئة صالحه.. وهذا أمر محسوس، أن المرء يتأثر بمن يجالس والمرء يسرق من طباع الناس وهو لا يشعر، فيا أخا الإيمان:
جالس من إذا رأيته زاد إيمانك، فكيف إذا صاحبته.. وكن مع الذين تستفيد من رؤيتهم قبل كلامهم وابحث عمن يحب الخير لك في دينك ودنياك.. {وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ}.
والله الذي لا إله غيره.. كم من صديق كان سبباً لثبات صديقه.. وكم من جليس أخذ بجليسه إلى طريق الجنان.. وكم من صاحبٍ, كان نوراً لأصحابه.. اللهمَّ زدهم كثرة
إذا أردت تقوية إيمانك فعليك بالجليس الصالح فابحث عنه.. وسوف تجد أن الثبات يحتاج إلى مقومات.. ومن أعظمها صحبة الثابتين الأقوياء.. فليكونوا معك على طريق الإيمان وسيروا سوياً إلى أبواب الجنان.. وابشروا إن شاء الله بروح وريحان.. ومن هنا نبدأ وفي الجنة نلتقي إن شاء الله..
ومنها: التفكر في نتائج الإيمان وعواقب العصيان.. إن التفكر عمل جليل، يكشف لك بعض الأسرار التي قد تلقيها النفس الأمارة إلى قلبك..
إن الشيطان قد يرسل لك خواطر عن العصيان وقد يزين السيئات والمحرمات.. ولكنك إن كنت صاحبَ تفكٌّر وتملِكُ عقلاً يميز بين نتائج الإيمان وعواقب العصيان، حينها ستوثر الإيمان والحسنات، وستعرض عن العصيان والسيئات والمحرمات.. {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكرَى لِمَن كَانَ لَهُ قَلبٌ أَو أَلقَى السَّمعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}
أخي المؤمن: قل لنفسك: يا نفس ماذا تحصلين من تلك الذنوب والشهوات؟ يا نفس لو أنك قارفت الفواحش والآثام؟ يا نفس لو أنك استمتعت بجميع المحرمات ما هي النتيجة؟
يا نفس تأملي بعض عواقب الذنوب والشهوات، لعلك تقفين عن التفكر في تلك العواقب.. فمنها:
حرمان الطاعة، نسيان العلم، الهم والغم والحزن، وقسوة القلب، وضياع العمر والوقت، وغضب الرب، وسخط الجبار، والبعد عن الأخيار، والالتفاف حول الأشرار، والتعلق بغير الله - تعالى -..
ومن عواقب الذنوب: فقدان السعادة، وذهاب الطمأنينة، وزوال النعم، وحلول النقم، وفساد القلب والروح.. ومنها: ظلمة في القلب، وسواداً في الوجه، وبغضاً في قلوب الخلق ونقصاً في الرزق.
أيتها النفس الأمارة بالسوء هذه بعض عواقب الذنوب.. وهذا شيء يسير من نتائج العصيان.. إذن كُفَّي عن تلك الوساوس واقلعي عن تلك الخواطر.. وهيا سوياً إلى طاعة الرحمن لتتنعمي في تلك الجنان {وَأَمَّا مَن خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفسَ عَنِ الهَوَى}.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد