بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليما كثيرا (يَا أَيٌّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِن نَفسٍ, وَاحِدَةٍ, وَخَلَقَ مِنهَا زَوجَهَا وَبَثَّ مِنهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيكُم رَقِيبًا) (يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَولًا سَدِيدًا (70) يُصلِح لَكُم أَعمَالَكُم وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزًا عَظِيمًا)
أما بعد، فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد - صلى الله عليه وسلم - وشر الأمور محدثاتها و أن كل بدعة ضلالة، عباد الله إن الله - عز وجل - بيده الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله لا معقب لحكمه، لا يسأل عما يفعل وهم يسألون، سير العالم كله على وفق قضائه و قدره النافذ الذي لا يمكن أن يعقب عليه أحد ولا أن يعترض عليه أحد، له الحكمة البالغة في الأمر كله، له الأمر من قبل ومن بعد، وإنه - سبحانه وتعالى - سير العالم على وفق سننه النافذة الماضية التي لا يمكن أن تحول دونها أسباب أهل الدنيا ولا أن تردها وإن من حكمه أنه ينصر دينه ويعلي كلمته ويرفع رسله عليهم الصلاة والسلام وأن ما يحول دون ذلك من الباطل يذهب كما يذهب الغثاء فوق السيل، لا يبقى له أثر ولا يمكن أن يلتفت إليه أحد، وإنه - سبحانه وتعالى - بعث محمدا - صلى الله عليه وسلم - بالبينات والهدى محنة للناس وابتلاء، وإن مما جاء به هذا الرسول الكريم أن نؤمن بالقدر خيره وشره حلوه ومره وأن نعلم أن القدر الخير قسمان منه ما هو ما حلو ومنه ما هو مر وكلاهما للمؤمنين وحدهم كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"عجبا لأمر المؤمن كل أمر المؤمن له خير إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن\"، إن الذي يؤمن بقضاء الله وقدره لا يستعجل في الأمر فلا يستعجله أمر يعلم أنه قد حسم قبل أن يخلق الله السماوات والأرض على أن يتصرف أي تصرف لا يوافق الشرع، فلذلك لا بد أن يكون أهل الإيمان محافظين على موقفهم باعتدالهم وتوازنهم في السراء وفي الضراء ومحافظين على العدل والصدق في الأمر كله لا يحملهم شنآن قوم على أن يكذبوا ولا أن يتقولوا، ولا يحملهم كذلك الرضا على أن يزيدوا بل لا بد أن يكونوا أهل اعتدال وصدق وتوازن في الأمر كله كما كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وقد أدبه الله بذلك خير تأديب فقال - تعالى -في سورة العقود: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله) وقال - تعالى -: (ولا يجرمنكم شنآن قوم أن صدوكم عن المسجد الحرام أن تعتدوا وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله)، إن كثيرا من الأزمات التي يشهدها المؤمنون في مختلف أنحاء البلاد قد يكون لها بعض الآثار السلبية في نفوسهم، فقد يتأثر بها بعض الناس خوفا وطمعا فيقصر عن الحق ويتراجع عن بعض مواقفه، وتنقص جديته في القيام بأمر الله - عز وجل -، وذلك امتحان وابتلاء من سنة الله، فإن الله غني عن عباده وعن ما يقدمونه، ومن نكص على عقبيه جراء أية أزمة فلا يضر إلا نفسه ولا يمكن أن يضر الله شيئا وقد قال الله - تعالى -: (ومن الناس من يعبد الله على حرف فإن أصابه خير اطمأن به وإن أصابته فتنة انقلب على وجهه خسر الدنيا والآخرة ذلك هو الخسران المبين) وإن الله - تعالى -تعهد بصرف الذين لا يرتضي حكمتهم عن طريق الحق فقال - تعالى -: (سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغي يتخذوه سبيلا) وكذلك فإن في المقابل أقواما آخرين إذا جاءت الأزمات كثيرا ما تستعجلهم فيزيدون حماسا فيفعلون أفعالا أو يقولون أقوالا غير موزونة بميزان الشرع وتتعدى حد العدل والإنصاف فيحملهم ذلك على التصرف المقيت المذموم أو على الكذب والافتراء أو على غير ذلك من المواقف التي لا يقرها الشرع، أما أهل الصدق والإخلاص لله - سبحانه وتعالى - فإنهم لا يدافعون عن أنفسهم لأنهم يعلمون أن للبيت ربا سيمنعه، ولا يدافعون كذلك عن أهوائهم لعلمهم أن الشرع قد هذب الأهواء وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث بالحق الفاصل الذي ليس وراءه وراء، فلذلك لا يتعدون موقفهم الوسطي المعتدل، ويعلمون أن الحق لا بد من إظهاره ونصرته وأن الباطل لا بد من إنكاره ورده، مهما كلف ذلك من الأثمان لا يبالون بما أصابهم في سبيل ذلك ولا يتراجعون عن حق ولا يلينون من جراء ضغط ولا يرجعون عن موقف دانوا الله به واقتنعوا أنه المرضي لله والموافق لسنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إن هذا الموقف الصحيح لا بد من ترسيخه في النفوس ولا بد أن يعلم الناس جميعا أن الله - سبحانه وتعالى - قد امتحنهم وابتلاهم بهذا الدين فهم في كل يوم يشهدون أمرا من أمر الله في هذا الدين ونهيا موجها إليهم فإن هم استجابوا لأمر الله - عز وجل - نجحوا في الامتحان فنالوا جنات النعيم التي أعد الله فيها لعباده مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وإن هم رسبوا في الامتحان كانوا وفدا إلى النار خاسرين خائبين لا يباليهم الله بالة لا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، فالسعيد من نجح في هذا الامتحان ووفق للاستمرار عليه والصبر على طريق الحق حتى يلقى الله - عز وجل - وهذه الدنيا أيام معدودات وأوقات يسيرة محدودة والسائر فيها إذا كان يتراجع لأية نكبة أو ينصرف وراء هواه بأي إغراء فإنما هو مفتون لأن الوقت ضيق وسينقضي كل ما في هذه الحياة الدنيا، كل ما فيها من النعيم منقطع لا محالة وكل ما فيها من العذاب والإهانة منقطع لا محالة فليس شيء منها بباق ولا بدائم، إذا أذل فيها الإنسان فبعد ذلك الكرامة وإذا أهنئ فيها فبعد ذلك الإهانة، فلا بد أن يعرف الإنسان ويشهد من الله - سبحانه وتعالى - حال القبض وحال البسط فالله - تعالى -هو القابض الباسط المعز المذل وهو الذي يقول في كتابه (قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل قدير تولج الليل في النهار وتولج النهار في الليل وتخرج الحي من الميت وتخرج الميت من الحي وترزق من تشاء بغير حساب) وإنما حصل في هذه البلاد كغيرها إنما هو أمر عابر ومعتاد وكان الناس يتوقعونه وهو حاصل في كل البلاد بل كانوا يتوقعون أعظم منه، ولذلك فلا عار على هذا الشعب الكريم الذي هو أبي ملتزم بشرع الله - سبحانه وتعالى - أن يثبت تمسكه بهذا الموقف المعتدل، فلم يظهر منه ـ ولله الحمد ـ ما يخالف الشرع لم يدعه الحماس إلى مخالفة الشرع فقد استتب الأمن ولله الحمد ولم يحصل أي شيء يخالف مقتضى ما أمر الله به ولم يحمله كذلك الإغراء على قول الباطل أو الشهادة على أهل الحق بما ليس فيهم في الأعم الأغلب وإن حصل بعض ذلك فهو نشاز لا يباليه أحد باله، ثم بعد هذا فمن نعم الله - سبحانه وتعالى - على إخوانكم الذين امتحنوا وإنما هم ضعفاء من أمثالكم ونظرائكم من نعمة الله - سبحانه وتعالى - عليهم أن ثبتوا فلم تغرهم الإغراءات ولم تزدرهم كذلك التهديدات وإن هذا الموقف إنما يأتي من عند الله - سبحانه وتعالى - وتثبيته ليس لإنسان فيه ملكة ولا هو قناعة يمكن أن يكتسبها الإنسان فيستمر عليها بل هو من تثبيت الله الذي نوه به في سورة إبراهيم حين قال: (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء) وهذه سلسلة من الأفعال الربانية متسقة في هذه الآية اتساقا عجيبا، أولها ثبات المؤمن (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة) وبعدها إضلال الله - تعالى -لمن لا يرتضيه (ويضل الله الظالمين) وبعد ذلك في آخر السلسلة (ويفعل الله ما يشاء) فلله الحكم من قبل ومن بعد، وله الأمر كله وإليه يرجع الأمر كله، إن الجميع إنما هو من عند الله - سبحانه وتعالى - فما كان فيه من الخير لا بد من شكره لله وما كان فيه من الغير لا بد من الرضا فيه و التسليم لحكم الله، ولا بد كذلك من العلم أن الأسباب الموقف المعتدل فيها هو أن يعلم المؤمن أن التوكل على الأسباب شرك وأن تركها معصية، فلا يترك الإنسان أسباب الخير والنجاح ولا يتوكل على هذه الأسباب، بل اتكال المؤمن على الله في أمره كله، وهو حسبنا ونعم الوكيل، ثم اعلموا كذلك أن ما حصل بعد الأزمة من الانفراج المؤقت إنما هو أيضا من عند الله وحده لا شريك له وبفضله ومنه وإذا من عليكم بشيء من ذلك فلكم الحق في أن تقولوا ما قال موسى - عليه السلام - (وتلك نعمة تمنها علي أن عبدت بني إسرائيل) ثم لكم الحق كذلك أن تتساءلوا ما الذي حصل بعد ما حصل؟ إن الذين أخذوا لم يقولوا إلا ما كانوا يقولونه و لن يقواولوا إلا ما كانوا يقولونه، لا يمكن أن يحملهم موقف متشنج على أن يقولوا الكذب أو أن يداهنوا في الدين ولا يمكن أن يحملهم الإغراء كذلك عن التراجع عن العهد الذي أخذوه على أنفسهم بين يدي الله - سبحانه وتعالى - وبايعوا الله عليه بنصرة دينه والقول بالحق أينما كانوا لا يخافون في الله لومة لائم، كذلك لا بد أن تعلموا عباد الله أن كل إنسان هو عرضة لمثل هذه المواقف يبتليه الله بها ويمتحنه وأن الذين يمتحنون بها أنواع فليس الامتحان بها راجعا إلى قول يقوله الإنسان أو موقف يتخذه، ولذلك تشهدون تنوع الذين امتحنوا في امتحان واحد فمنهم من يشتغل بالسياسة ومنهم من لم تكن له بها أية صلة ولا علاقة، ومنهم من يتكلم في المنابر ومنهم من لم يتكلم فيها ولا له بها أية صلة ولا علاقة، والمشتغلون بالسياسية فيها كذلك أنواع منوعة منهم من هو من النظام الحاكم ولا يزال منه، ومنهم من ليس منه كذلك، فإذا عرف الإنسان هذا عرف أن الجميع من عند الله - سبحانه وتعالى - وأنه ابتلاء، فكل إنسان عرضة لذلك الابتلاء، ثم اعلموا كذلك رحمني الله وإياكم أن إسناد الأمر إلى الله في الأمور كلها هو حلقة من حلقات التصور الإسلامي التي لا بد أن يجعلها الإنسان في نفسه، فالمسلم يميز بين دائرة الأسباب ودائرة القدر كما يميز بين دائرة الحلال ودائرة الحرام ولذلك لا بد أن نميز بين دائرة الأسباب وبين دائرة التصرف الرباني الحكيم، فالتصرف الرباني يستحق الشكر على كل حال، فالحمد الله الذي لا يحمد على مكروه سواه، فالله يستحق الحمد على كل حال وإذا جاء منه ضراء فقد دفع ما هو أعظم منها وإذا جاءت منه سراء فيرجى منه أكبر منها كذلك أما ما لدى المخلوق من الأسباب فلا بد أن يعرف الإنسان أن هذه الأسباب هي من القدر وأنه يتعبد الله بها، ولذلك فإن مواقفكم المشرفة في مآزرة إخوانكم وفي مساعدتكم للمستضعفين المظلومين وإعلانكم للحق لا تخافون فيه لومة لائم بالإضافة إلى ما أديتموه أيضا من عدم التصرف ومن الاعتدال ومن عدم الاعتداء على الآخرين كل ذلك يحمد للمؤمنين وكله من توفيق الله - تعالى -وفضله، وهذا الموقف لا بد من الاستمرار عليه في كل الأحوال، لا بد أن نعلم أن الله - سبحانه وتعالى - كما أمرنا بقول الحق نهانا كذلك عن الظلم ونهانا عن الإفساد في الأرض ونهانا عن السعي فيها بأي فساد فما نشهده في بعض الشعوب إذا حصل احتكاك ولو كان قليلا محدودا من ردات الفعل المتشنجة الغالبة التي كثيرا ما تتعدى حدود الشرع نسأل الله أن يجنبه هذه البلاد وأن يبقيها آمنة مطمئنة إلى يوم التناد وأن يدفع عنها ظلم أهل الظلم وفساد أهل الفساد، وإن موقفكم المشرف هذا تثابون عليه ثوابا عظيما هو خير من موقف المتشنجين الذين يخالفون الشرع ويتعدون حدود الله - سبحانه وتعالى -، فأنتم بهذا قد وقفتم مع الحق وأعلنتم مناصرتكم لله ولرسوله وللمؤمنين المظلومين ومع ذلك لم تقولوا إلا الحق ولم تفعلوا فعلا مشينا ولم تتصرفوا تصرفا مخالفا للنظم والقوانين المعمول بها في بلادكم وأنتم تعلمون أن أية مخالفة في القوانين المعمول بها في بلادكم لا تأتي بفائدة فليست فيها إلا زيادة للأمر وحمل الآخرين على تصرفات قد لا يكونون راغبين فيها أصلا، فلذلك عليكم عباد الله أن تلتزموا بهذا الموقف المشرف المعتدل وأن لا تتعدوه وأن تعلموا أن الله - سبحانه وتعالى - غني عن العباد جميعا وأن الأمر كله إليه يرفع إليه أمر الليل قبل النهار وأمر النهار قبل الليل لا ينام ولا ينبغي له أن ينام هو الحي القيوم - سبحانه وتعالى -.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الحَيٌّ القَيٌّومُ لَا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَومٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ مَن ذَا الَّذِي يَشفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذنِهِ يَعلَمُ مَا بَينَ أَيدِيهِم وَمَا خَلفَهُم وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيءٍ, مِن عِلمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرسِيٌّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرضَ وَلَا يَئُودُهُ حِفظُهُمَا وَهُوَ العَلِيٌّ العَظِيمُ).
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم وتاب علي وعليكم إنه هو التواب الرحيم.
الحمد لله على إحسانه والشكر له على تفضله وامتنانه وأشهد أن لا إله الله وحده لا شريك له تعظيما لشأنه وأشهد أن محمدا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأزواجه وذريته وإخوانه.
أما بعد يا عباد الله فإن مثل هذه المواقف التي مرت عليكم تتكرر كثيرا والإنسان فيها إنما يقوم بحسب موقفه فالرجل عبارة عن موقف ولذلك إذا قرأتم سير السابقين وتواريخ الخالين لا تجدون فيها إلا المواقف المشرفة التي سجلوها أما ما سوى ذلك من حياتهم العادية فلا يوجد في قصصهم وأخبارهم
وإنما المرء حديث بعده ** فكن حديثا حسنا لمن وعى
وإن الناس يكتسبون بمثل هذه المواقف دروسا عظيمة من فضل الله - سبحانه وتعالى - ورحمته وتوفيقه، ومن هذه الدروس أن يتعود الناس على التعامل مع الأزمات وان يتعودوا على قول الحق في كل المواقف وأن لا يخافوا في الله لومة لائم وأن يكونوا صادقين في كل الظروف، ومنها كذلك أن يتعودوا على أن ما يخافه الناس من عقاب أهل الدنيا لا يساوي شيئا من عقاب الله، وأن ما لدى أهل الدنيا من العقاب من يزن له أي وزن أو يوليه أي اعتبار فإنه جاهل بما لدى الله - سبحانه وتعالى - من العقوبة، إن قصة أصحاب الأخدود سطرها الله عليكم في كتابه في سورة البروج وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - فيها أن امرأة مرضعا كانت تحمل ولدها وهو في المهد، فلما تقدمت ووقفت أمام الأخدود وعرضت عليها المحنة ترددت رحمة بولدها فانتزع ولدها فمه من الثدي وقال لها يا أماه نار الدنيا خير من نار الآخرة فوقعت في الأخدود فغفر الله لها ولم تحس بشيء مما في تلك النار بل انتقلت إلى جوار الله في جنات النعيم، وإنما يصيب الإنسان من الأذى في هذه الحياة لحظة واحدة من روح الجنة وريحانها مزيلة لذلك بالكلية، ولذلك صح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: \"يؤتى بأبئس أهل الدنيا حالا فيصبغ صبغة واحدة في الجنة فيقال يا عبد الله أرأيت شرا قط فيقول وعزتك وجلالك ما رأيت شرا قط، ويؤتى بأنعم أهل الدنيا حالا ممن لا يؤمن بالله فيصبغ صبغة واحدة في النار فيقال يا عبد الله أرأيت خيرا قط، فيقول وعزتك وجلالك ما رأيت خيرا قط ولذلك قال أبو بكر الصديق - رضي الله عنه - في خطبته: \"واعلموا أنه لا خير بخير بعده النار ولا شر بشر بعده الجنة\" إن الذين يريدون تعجل الثواب في هذه الحياة الدنيا هم الذين يقال لهم يوم القيامة (أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون) نسأل الله السلامة و العافية وإنما الثواب هو ما أعده الله للمحسنين في جنات النعيم والعقاب كذلك هو ذلك العقاب المستمر الأبدي السرمدي في نار الجحيم، ما ينال الإنسان من العقاب في هذه الحياة ألمه يمكن أن يمكث معه دقيقة أو دقيقتين وإذا تعدى ذلك وصل إلى الساعة لكن لا يمكن أن يتعدى هذا بحال من الأحوال ولذلك قال سحرة فرعون عندما هددهم بأنواع التعذيب (لن نؤثرك على ما جاءنا من البينات والذي فطرنا فاقض ما أنت قاض إنما تقضي هذه الحياة الدنيا إنا آمنا بربنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السحر والله خير وأبقى إنه من يأت ربه مجرما فإن له جهنم لا يموت فيها ولا يحيي ومن يأته مؤمنا قد عمل الصالحات فأولئك لهم الدرجات العلى جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك جزاء من تزكى) فلذلك لا بد أن تعلموا أنكم و أنتم المؤمنون الذين تعلمتم من كتاب الله وسنته رسوله - صلى الله عليه وسلم - وعشتم في البيئة الإسلامية، عليكم أن تقفوا على الأقل مثل موقف السحرة الذين عاشوا في بيئة الظلم والفساد، وكانوا قبل أن يقفوا هذا الموقف بشر دار مقام عندما كانوا أنصارا لأطغى طاغية من طواغيت الأرض وخلال لحظة واحدة نزلت السكينة الإيمانية في قلوبهم فوقفوا هذا الموقف المشرف وصبروا على أذى الدنيا فخرجوا منها بكرامة لم يعلق بهم أي بأس من شأن هذه الدنيا ونجحوا في الامتحان بين يدي الله - سبحانه وتعالى - وضربهم الله مثلا باقيا في القرآن للمؤمنين المبتلين في سبيل الله وفي ذاته إلى يوم الدين، ثم عليكم أن تعلموا أن ما يشيبكم كذلك على طريق الحق، إنما هو شهادات لكم بالإيمان، فإن الله - تعالى -يقول في خواتيم آل عمران (فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض فالذين هاجروا واخرجوا من ديارهم وأوذوا في سبيلي وقاتلوا وقتلوا لأكفرن عنهم سيئاتهم ولأدخلنهم جنات تجري من تحتها الأنهار، فهذا وعد الله الذي لا يخلف الميعاد، وإن هذا الوعد ليس مرتبا على تحقيق كل هذه الأفعال بل هو يترتب على بعضها فقط، فإذا لم يحصل للإنسان إلا بعض هذا الشرف أو بعض هذه الأفعال فإن الوعد صادق عليه بإذن الله - سبحانه وتعالى -، ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أن موقفكم المشرف ما زالت أسبابه ودواعيه قائمة، فالمظلومون ما زال ظلمهم كما هو لم يختل منه إلا حلقة واحدة وما سواها ما زال باقيا على حاله، ولذلك فموقفكم المعتدل المشرف الذي يرفض الظلم ويرفض كذلك تشريعه ويرفض العناية به على وفق القوانين المعمول به وعلى وفق ما يسمح به من الحرية ما زال مطلوبا وما زال كما كان، فلذلك لا بد أن تبقوا على هذا الموقف وأن تعلموا أنما حصل لا يساوي شيئا مما هو واجب شرعا فإن النيابة التي طلبت إيداع المتهمين في السجون ووجهت إليهم التهم قد رجعت فقط عن الطلب وهو إيداعهم في السجون، لكنها لم تتراجع عما سوى ذلك مما أقامته عليهم من الدعاوي التي يشهدون ببطلانها ويشهد الله بها ويشهد بها الواقع كذلك وأنتم تعلمون أن الفقه المالكي قد نص فيه على أن مجرد توجيه هذه التهم يلزم به شرعا تأديب موجهها، وقد قال خليل - رحمه الله - في كتاب الغصب: وأدب مميز كمدعيه على صالح أي من ادعى الغصب على من ليس من أهله ولا يعرف منه مثل ذلك يؤدبه القاضي ولا تسمع دعواه ولا تقبل بوجه من الوجوه لأن ذلك يقتضي التسارع إلى أهل الحق الذين أمر الله بصون كرامتهم وأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن ينزلوا منازلهم فما كان موافقا للنظم من الاحتجاج أمام القضاء وما وافق كذلك القوانين المعمول بها في البلد فلكم الحق أن تفعلوه وما سوى ذلك من الأمور غير المضبوطة فلا يمكن أن تفعلوها وإيمانكم يحمدكم عنها ويمنعكم منها، ثم اعلموا رحمني الله وإياكم أن الله أمركم بأمر بدأ فيه بنفسه وثنى فيه بملائكته وثلث بكم معاشر المؤمنين فقال جل من قائل كريما: (إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما).
اللهم صل وسلم وزد وبارك على محمد عبدك ونبيك ورسولك النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين وأوهن كيد الكافرين وانصرنا عليهم أجمعين و ارفع الظلم عن المظلومين يا رب العالمين، اللهم قاتل كفرة أهل الكتاب الذين يحاربون أولياءك ويصدون عن سبيلك ويكذبون رسلك، اللهم آمنا في دورنا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك وأقام منهجك ولم تأخذه فيك لومة لائم واجعل المال في أيدي أسخيائنا، اللهم اجعل هذا البلد آمنا مطئمنا رخاء سخاء سعة وسائر بلاد المسلمين يا أرحم الراحمين، اللهم من أراد الإسلام بسوء فاشغله بنفسه واجعل تدبيره تدميره واجعل دائرة السوء عليه وأنزل به المثلات، اللهم شل أركانه وأقرس لسانه وشتت أعوانه وأبدلنا خيرا منه مكانه.
عباد الله (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون) فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه شكرا حقيقيا يزدكم، (ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد