هم الخاتمة - عمل المرأة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

الخطبة الأولى:

أمَّا بعد: فيا أيّها النّاس، اتَّقوا الله - تعالى - حقَّ التقوى.

عبادَ الله، يقول الله - جلّ جلاله - وهو أصدق القائلين: {وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ وَسَتُرَدٌّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ} [التوبة: 105].

أخِي المسلم، لنتدبَّر هذه الآيةº أمرنا الله بالعمَل، فإنّا ما خُلِقنا عبثًا، خلِقنا لنعبدَ الله، خلِقنا لننفِّذَ أوامرَ الله، خلِقنا لنقومَ بما أوجب الله علينا. تُعُبِّدنا بهذه الشّريعةº لنقومَ بحقيقَتِها عِلمًا وعمَلا، ظاهرًا وباطنًاº لنكونَ مؤمنين حقًّا: {وَقُلِ اعمَلُوا فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ}، والله عالمٌ ما العِباد عامِلون، ولكنّه - جل وعلا - لا يعاقِب العبد حتى تظهَر مخالفتُه وعصيانُه وتقومَ الحجة عليه، {فَسَيَرَى اللّهُ عَمَلَكُم وَرَسُولُهُ وَالمُؤمِنُونَ وَسَتُرَدٌّونَ إِلَى عَالِمِ الغَيبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُم تَعمَلُونَ}.

إنَّ مردَّكم إلى الله عالم الغيبِ والشهادة، استوَى في علمه ما خفيَ وما أُعلِن، {قُل إِن تُخفُوا مَا فِي صُدُورِكُم أَو تُبدُوهُ يَعلَمهُ اللّهُ وَيَعلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرضِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ, قَدِير} [آل عمران: 29].

أيّها المسلم، عَملُك لا يكون عملاً حقّ، حتى يكون عملاً تواطَأَ عليه القلب واللسانُ والجوارح، عَمَل ظاهرٌ مع خلوِّ القلب منَ الاعتقادِ واليقين لا ينفع، اعتقادٌ لا يترجمُه عملٌ ظاهر لا ينفَع، فلا بد في العمَل من أن يكونَ الظاهر والباطن سواءً، ففي الباطنِ إخلاصٌ لله وقيامٌ بما أوجب الله وتعبٌّدُ القلب لله ذِلّة واستكانة، وفي الظاهر القيامُ بالواجبات مع تركِ المحرّمات، هكذا العمل النافع، وهكذا العمَل المفيد، وهكذا ينبَغِي أن يكونَ المؤمِن عليه في حياته، فيقضِي عُمره وهو في خَير تعبٌّدًا لله بكلّ جوارحه، ظاهرًا وباطنا.

أيّها المسلم، إنما الخوفُ على العبدِ أن يظهِرَ الخيرَ وهو مبطِن لضدِّه، وأن يظهِرَ التمسّك والصلاح وهو في قلبه على خلافِ ذلك، أعمالٌ صالحة مشوبَة بالرّياءِ والسّمعة، لغيرِ الله صلَّى، ولغيرِ الله أطاع، ولغيرِ الله تنسّك، ولغيرِ الله تعبَّد، فتلك الأمورُ لا بدَّ أن تخونَ صاحبَها أحوجَ ما يكون [إليها]º لِذاَ اشتدَّ خوفُ صالحي هذه الأمّة على أنفسهم، وخافوا على أعمالهم، فجَمَعوا بين الخوفِ من اللهِ وحسنِ العمل، {إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّن خَشيَةِ رَبِّهِم مٌّشفِقُونَ وَالَّذِينَ هُم بِآيَاتِ رَبِّهِم يُؤمِنُونَ وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِم لا يُشرِكُونَ وَالَّذِينَ يُؤتُونَ مَا آتَوا وَّقُلُوبُهُم وَجِلَةٌ أَنَّهُم إِلَى رَبِّهِم رَاجِعُونَ} [المؤمنون: 57-60].

هؤلاءِ الصٌّلَحاء خافوا على أعمالهم أن يعرضَ لها رياءٌ يبطِلها، أو يعرض لها ـ والعياذ بالله ـ شكوكٌ وارتيابٌ فتحبط الأعمال، خافوا على أعمالهم، ولم يثقوا بأنفسِهم، بل عظُم التجاؤُهم إلى الله، وقوِيَت الرغبةُ في الاضطرار بين يدَي ربهم، فهم دائمًا يقولون: {رَبَّنَا لاَ تُزِغ قُلُوبَنَا بَعدَ إِذ هَدَيتَنَا وَهَب لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحمَةً إِنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ} [آل عمران: 8]، ويتذكرون قول الله لنبيه: {وَلَولاَ أَن ثَبَّتنَاكَ لَقَد كِدتَّ تَركَنُ إِلَيهِم شَيئًا قَلِيلاً إِذًا لأَذَقنَاكَ ضِعفَ الحَيَاةِ وَضِعفَ المَمَاتِ ثُمَّ لاَ تَجِدُ لَكَ عَلَينَا نَصِيرًا} [الإسراء: 74، 75].

إن المؤمنَ يعمل، ولكن نصبَ عينيه خاتمةُ الأعمال، لا يدري ما يختَم له بِه، يخاف من تحوٌّل منَ الإيمان إلى الكفر، ومن استقامةٍ, إلى انحراف، ومن لزومِ الطريق إلى البُعد عنه، يرَى أناسًا اختلفت أهواؤهم، وتغيَّرت أفكارهم، وتنوَّعت آراؤهم، فهم يومًا دعاةٌ إلى الخير والصلاح، ويومًا ينقضونَ ما بنَوا ويبدِّلون ما قالوا بسوءٍ, وأعمالٍ, سيّئة. إذًا فهو يخاف على نفسِه أن يخدعَه الشيطانُ فيستولي عليه، فينسِيه ذكرَ الله، ويُصدّه عن سبيل الله المستقيم، فيختَم له بسوء، فيلقى الله على غيرِ هدًى، أعاذنا الله وإياكم من ذلكº ولذا قال الله لعباده: {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُونَ} [آل عمران: 102]، الزَموا الإسلام، واثبتوا عليه، واستقيموا عليه، حتى يوافيَكم الموتُ وأنتم على الإسلامِ ملازِمين، غيرَ مبدِّلين ولا مغيِّرين.

واسمع ما قال الله عن نبيِّه يعقوبَ: {وَوَصَّى بِهَا إِبرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مٌّسلِمُونَ} [البقرة: 132]، الزَموا الإسلام علمًا وعملا، واعمروا في الباطنَ والظاهر، وسَلوا الله الثباتَ على الحقº فإنّ الله بيده قلوبُ العباد يقلِّبها كيف يَشاء، وسيِّدُ ولد آدم سيّد الأولين والآخرين وإمامُ الأنبياء و المرسلين يقول دائما: ((اللّهمّ مقلبَ القلوب، ثبِّت قلبي على دينك))، تسأله عائشة: هل تخاف يا رسول الله؟! فيجيبها قائلا: ((إنَّ قلوبَ العباد بين أصبعين من أصابِع الرحمن، يقلِّبها كيف يشاء، إذا أراد أن يقلِبَ قلبَ عبدٍ, قلَبَه)).

أيّها المسلم، فمِن علامةِ توفيقِ الله لك ومِن علامة خاتمةِ الخير لك أن توَفَّقَ في بقيّةِ عمرِك لأعمالٍ, صالحة، تستقيم عليهَا، تثبُت عليها، تمضي بقيّةَ عمرك عليها، يقول أنس - رضي الله عنه -: قال رسول الله: ((إذا أراد الله بعبدٍ, خيرًا استعمَله))، قالوا: كيف يستعمِلُه يا رسولَ الله؟! قال: ((يوفِّقُه لعملٍ, صالحٍ, قبل الموت))، فيتداركه الله بتوبةٍ, نصوح، فيبدّل سيئاته حسنات، ويتحلَّل من مظالم العباد، ويتوب إلى اللهِ مِن سيئاتِ الأقوال والأعمالِ، حتى إذا حضره الموتُ ودنا انتقالُ الروح من الجسد فإذا هو ثابتٌ على الحق، ثابتٌ على الهدَى، تُزَفّ له البشارة وهو على فراشه: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبٌّنَا اللَّهُ ثُمَّ استَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلا تَحزَنُوا وَأَبشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنتُم تُوعَدُونَ نَحنُ أَولِيَاؤُكُم فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَفِي الآخِرَةِ وَلَكُم فِيهَا مَا تَشتَهِي أَنفُسُكُم وَلَكُم فِيهَا مَا تَدَّعُونَ نُزُلاً مِّن غَفُورٍ, رَّحِيمٍ,} [فصلت: 30-32]. هكذا أولياء الله الصادقون الذين أخلصوا لله أعمالهم، وصدقوا مع الله في تعامُلِهم، فلم يكن رياء ولا سمعة، ولا محبة للشهرة، ولا إرادة العلوّ في الأرض، {تِلكَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجعَلُهَا لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الأَرضِ وَلا فَسَادًا وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ} [القصص: 83].

أيها المسلم، إنَّ المسلمَ ينبغي دائما له أن يسألَ الله حسنَ الخاتمة، يسأل اللهَ أن يختمَ عمرَه بخير، وأن يجعلَ بقيّةَ عمرِه خيرا من ماضِيه، فهو دائما يقول: اللّهمّ اجعل خير أعمارِنا أواخرَها، وخير أعمالِنا خواتيمَها، وخيرَ أيامنا يومًا نلقاك فيه.

أيّها المسلم، حُسن الخاتمة أقضَّ مضاجعَ الصالحين، وكدّر عليهم صفوَ حياتهم، لا والله، [ليس] سوء ظنٍّ, بربّ العالمين، فحاشا ذلك، لكن اشتدّ خوفهم من أنفسهم أن يؤتَوا من قبَل أنفسهم من أعمال سيئةٍ, استبطنوها ومعاصٍ, واصلوها، يخافون أن لا يمَكَّنُوا مِن توبة، وأن تَستمِرّ بهم الشهواتُ والملذّات، فتنقضي الأعمارُ بلا فائدةٍ,، فهم يخافون على أنفسهم، ويعلمون قولَ الله: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مٌّصِيبَةٍ, فَبِمَا كَسَبَت أَيدِيكُم وَيَعفُو عَن كَثِيرٍ,} [الشورى: 30]، وقولَه: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَظلِمُ النَّاسَ شَيئًا وَلَكِنَّ النَّاسَ أَنفُسَهُم يَظلِمُونَ} [يونس: 44].

فاسألِ الله خاتمةَ خير، واسألِ الله أن تلقاه وأنت على الإسلام لم تبدِّل ولم تغيِّر، بل أنتَ مستقيمٌ على هذا الهدَى.

أيّها المسلم، أسبابُ الخاتمة الحميدةِ أمورٌ كثيرة، فأعظمها تقوَى الله في السرِّ والعلانِية، ((اتَّق الله حيثما كنت))، {يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلتَنظُر نَفسٌ مَّا قَدَّمَت لِغَدٍ, وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ} [الحشر: 18]، تقوى حقيقيّة، {أَلا إِنَّ أَولِيَاء اللّهِ لاَ خَوفٌ عَلَيهِم وَلاَ هُم يَحزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} [يونس: 62، 63]، {وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجعَل لَّهُ مَخرَجًا} [الطلاق: 2].

الإخلاصُ لله في القولِ والعمل، {فَمَن كَانَ يَرجُو لِقَاء رَبِّهِ فَليَعمَل عَمَلاً صَالِحًا وَلَا يُشرِك بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا} [الكهف: 110].

الاستقامة على الهدى ولزوم الطريقِ المستقيم، {اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ} [الفاتحة: 6]، {فَاستَقِم كَمَا أُمِرتَ} [هود: 112]، قال لرجل سأله، قال: قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: ((قل: آمنتُ بالله، ثم استقم)).

يا أخي، تذكّر الموت وما بعدَه، فعَسى أن يكونَ في التذكٌّر عبرة وعِظة. تذكَّروا الجنة ونعيمَها والنار وآلامها أغلالها.

وأمرٌ آخر: استشعارُ قلبِك بكمال علمِ الله بك وكمالِ اطلاعِه على سرك وعلانيتك، وأنَّ الله لا يخفَى عليه شيء من أمرك، {وَمَا تَكُونُ فِي شَأنٍ, وَمَا تَتلُو مِنهُ مِن قُرآنٍ, وَلاَ تَعمَلُونَ مِن عَمَلٍ, إِلاَّ كُنَّا عَلَيكُم شُهُودًا} [يونس: 61].

الإكثارُ من ذكرِ الله والالتجاءُ إليه دائمًا وأبداº فإنَّ الله من فضله أنّه لا يخيِّب رجاءَ من رجاه، {فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالحُسنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى} [الليل: 5-7]، ولكن الخوف من معاصٍ, أصرَرتَ عليها، أخفيتَها عن الناسِ والله مطَّلِع عليها، {يَستَخفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلاَ يَستَخفُونَ مِنَ اللّهِ وَهُوَ مَعَهُم إِذ يُبَيِّتُونَ مَا لاَ يَرضَى مِنَ القَولِ} [النساء: 108].

أيّها المسلم، ومن أسبابِ [حسن] الخاتمة الإكثارُ من تلاوة القرآن والمحافظة على فرائض الإسلام بإخلاص ويقين، وربٌّك لا يضيع أجرَ من أحسنَ عملا.

ولِلخاتمةِ الحسنةِ علامات، فمنها أن يوفَّق العبدُ لأن تكون كلمةُ الإخلاصِ آخرَ ما يقول، فإنَّ من ختِم له بهذه الكلمة نال الفضلَ العظيم، وفي الحديث: ((من كان آخر كلامه من الدنيا: لا إله إلا الله دخلَ الجنة))، وفي حديث عِتبان: ((فإنَّ الله حرَّم على النار من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه)). وعند الاحتضار يوفِّق الله أهلَ الإيمان، فعندما يأتي ملكُ الموت لقبض تلك الروح التي طالما عمر بها الجسَد يكون آخر كلام العبد: \"أشهد أن لا إله إلا الله وأنّ محمدا عبده ورسوله\"، فيا لها من كلمةٍ, إذا وفِّق لها في تلك الحالة العصيبة، إنها كلمةٌ تنجيه من النارِ، وتؤمِّنه من الخلودِ في النار، فيختَم له بخَير. إنَّ العبدَ عند الاحتضار تضعف قواه، وتقِلّ حيلته، ويجلب الشيطان عليه برَجله وجندِهº عسى أن يظفرَ منه بخاتمةِ سوء، يحسِّن له الباطل، ويدعوه إلى مِلَل الكفر، والعبدُ في شدَّة ضعفٍ, وأعظَمِ بلاء، يعالجُ مِن خروجِ الروح من جسده ما الله به عليم، ولكنَّا لا نعلَم ذلك والله يقول: {وَنَحنُ أَقرَبُ إِلَيهِ مِنكُم وَلَكِن لاَ تُبصِرُونَ} [الواقعة: 85].

فالمؤمن يثبته الله على الحق، عمرٌ طالما عمِر في طاعةِ الله، قلبٌ طالما أخلَص لله العملَ، فيوفَّق عند الاحتضار، فينطِق بكلمة التَّوحيد، فيختَم له بها عملُه، فتلك النّعمةُ الكبرى والفضل العظيم، {يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالقَولِ الثَّابِتِ فِي الحَيَاةِ الدٌّنيَا وَفِي الآخِرَةِ وَيُضِلٌّ اللّهُ الظَّالِمِينَ وَيَفعَلُ اللّهُ مَا يَشَاء} [إبراهيم: 27].

أيّها المسلم، ومِن علامات حسنِ الخاتمة ما جاء عنه: ((إنَّ المؤمِن يموت في عرقِ جبينه))، فيعرَق جبينُه عند احتضارِه، وهذه من علاماتِ الخير.

ومنها ما أخبر النبيّ بأنّ تلك الميتَة شهادة، فأخبر أنّ الميتَ بالطّاعون شهيد، والميت بالغَرَق والهدمِ شهيد، والميّت بداءِ البطن شهيد، كلّ تلك علاماتُ خير للمسلم بتوفيق الله له.

فاسأل الله خاتمةَ الخير، واحذَر أن تخونَك أعمالك في تلكَ اللّحظات، فيظهر على فَلَتات لسانك ما كنتَ تضمِره من سوءِ الاعتقاد، أو ما كنتَ تضمِره من محبّة المعاصي، أو ما كنتَ تضمِره من الظلمِ والعدوان، أو ما كنتَ تضمره من قلّةِ الإخلاص والرّياء، فيظهر ذلك على لسانِك عندَ الموت، فتلقى الله على غير هدى، أعاذنا الله وإياكم من ذلك. فاحذروا ـ أيها المسلمون ـ عواقب الذنوب، واستقِيموا على طاعةِ علاّم الغيوب.

أسأل الله أن يثبِّتني وإياكم على صراطه المستقيم، وأن لا يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا، وأن يحيِيَنا مسلمين ويميتَنا مسلمين ويلحِقَنا بالصالحين، غيرَ خزايا ولا مفتونين، إنّه أرحمُ الراحمين وأكرم الأكرمين.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليلَ لي ولكم ولسائر المسلمين من كلّ ذنب، فاستغفِروه وتوبوا إليه، إنّه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية:

الحمد لله حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه كما يحبّ ربّنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له، وأشهد أن محمَّدًا عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبه، وسلَّم تسليمًا كثيرا إلى يوم الدين.

أما بعد: فيا أيّها الناس، اتقوا الله - تعالى - حقَّ التقوى، وتخلَّقوا بصالحِ العمل، واعلَموا أنَّ من شبّ على شيءٍ, شابَ عليه، ومن شابَ على شيءٍ, ماتَ عليه، ومن مات على شيءٍ, بُعِث عليه.

يا أيّها المسلم، ليس للموتِ مَرضٌ معلوم، وليس للمَرض سِنّ معلوم، وليس للموتِ وقتٌ معلوم، ولكنها آجالٌ بيَدِ الله، إذا حضَر الأجل فلا رادّ له، {وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعمَلُونَ} [المنافقون: 11]. فلنستعدَّ للقاء الله، ولنستعدَّ للأعمالِ الصالحة، ولنخلِص لله أقوالَنا وأعمالَنا، ولنسألِ الله الثباتَ على الحق والاستقامةَ عليه إلى أن نلقاه، ولنكثِر: \"يا مقلِّب القلوب ثبِّت قلبي على دينك، يا مقلّب القلوب ثبت قلبي على دينك\"، فإنَّ الله إذا أرادَ أن يقلِب قلبَ عبدٍ, قلبه، فلا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم.

أيّها المسلم، أيّتُها المرأةُ المسلمة، أيّتها المرأة العفيفة، أيّتها المرأةُ ذات الدّين والخلُق والقِيَم، أيّتها المرأة المسلمة، تربَّيتِ بين أبوَين مسلمين، ونشأتِ على فطرة الإسلام، وتعلَّمتِ على هديِ الإسلام، ونشأتِ على هذا الخلُق الكريمº العفّة والصيانة والحشمة والبُعد عن كلّ ما يخالف شرع الله، هكذا أراد الإسلام لك أيتها المسلمة: {وَقَرنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجنَ تَبَرٌّجَ الجَاهِلِيَّةِ الأُولَى وَأَقِمنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأحزاب: 33].

هكذا المأمولُ من فتياتِ الإسلام اللواتي تربَّينَ على الهدَى والأخلاق الكريمة والبعدِ عن مواطنِ الريبةِ والشرّ والفساد، هذا الخلُق القيِّم والحشمة والعفّة أغاظَت أعداءَ الإسلام، وأغاظت أعداءَ الشريعة، أغاظت من يريدون بهذه الأمةِ كيدًا ومصيبة، ومَن يريدون بهذا الدّين الأذَى والبلاء، من يكيدونَ للإسلامِ وأهلِه، مَن لا يريدون للأمّة أن تبقى على خيرها وسماتها وكرامَتِها، فدَعَوها إلى العملِ بجانب الرجال، وهيّئُوا لها الفُرَص، وادّعوا بذلك أنهم ساهمُوا في سَعَودةِ الأمّة، وأنهم وأنهم... إلى آخر ما يقولون وما يعتَذِرون.

وإنها لخطواتٌ سيّئة غير موفَّقة، وإنَّ الواجبَ على المرأة المسلمة أن لا يكونَ خلُقُها ثمنًا لدنيا تأخذه، بل يكون خلُقُها وسترها وعَفافها فوق هذا كلِّه، فهي خلِقَت لعبادةِ ربها، وخلِقَت لتبنيَ الأجيالَ المسلمة، وخلِقَت لتكونَ مساهمة في إصلاحِ مجتمعها وأفرادِ أسرتهاº لتقدِّم للأمّة فتياتٍ, وأبناء صالحين مستقيمين، خلِقَت لتكونَ راعيةً على أهل بيتها، لم تخلَق لتمَازِجَ الرّجالَ، ولم تخلَق لتجعَلَ الدنيا عِوَضا لعرضِها وكرامتها.

إنّك ـ أيتها المرأة المسلمة ـ لا تظُنّي تلك الدعاياتِ من مصلحتك أبدًا، ولا أنَّ قصدهم بهذا إكرامك ورفع منزلتِك، ولا أن الهدفَ من هذا إبراز شخصيّتك، ولا أنَّ الغايةَ من هذا إكرامك، ولكن الغاية ـ يعلم الله ـ ما وراءَ أولئك من مكيدةٍ, للإسلام وأهلِه، وحَرب على القيَم والفضائل التي تميَّز بها المجتمع المسلم، فلا يرضي أعداءَ الشريعة إلا أن يجرِّدوا هذه المرأةَ المسلمة من قِيَمها وأخلاقها، فلا تخدعنَّك هذه الدعايةُ، ولا يغرَّنَّك هذه المكاسب المادّيّة، ففيك من الأخلاق والقِيَم ما هو فوق كل هذه المادّة كلِّها، فاستقيمي على الخير، والزَمِي البيتَ والوظائفَ اللائقةَ بك المهيَّأَة لك، دون الاختلاط مع الرجال، بأيّ ذريعةٍ, كانت، فإنها طريق مشوبٌ بالشرّ، وطريق مفضٍ, إلى الفساد، وطريقٌ سائِر بالفتاة المسلِمة لأن تحاكيَ المرأةَ الغربيّة في قِيَمها وأخلاقها، فتفقد الأمّة كرامَتَها، وتفقد الأمّة سمعتَها، وتَفقد الأمّة ما تميَّزت به من أخلاقٍ, وقِيَم وفضائل.

فيا أيّها المنادون لهذه البرامِج السيئة، خافوا اللهَ في مجتمعِ المسلمين، واعلموا أنَّ سعيَكم ضلال، وأنَّ خطواتكم خطواتٌ إلى الفجورِ والنار، وأنَّ هذا المجتمعَ المسلم أمانة في أعناقِ المسلمين، محافَظة على أخلاقه، ومحافَظة على كرامته، ومحافظةٌ على مبادئِه وقِيَمه.

إنَّ المرأة المسلمة هيِئَت لتربِّيَ الأجيال، وتعمرَ البيت، وتساهِم في الخير، لا أن يُزجَّ بها كلّ النهار وأوَّل الليل فيما يسمَّى بعَمَلها، وفيما يسمَّى بأنَّها تبيعُ للنّساء، وفيما يقول ويقول أولئِك، والله يشهَد إنهم لكاذِبون، والله يعلم أنَّ مقاصدَهم سيِّئَة.

فلنَتُب إلى الله، ولا يَغرَّنَّكِ ـ أختي المسلمة ـ ما يقول هؤلاء وما ينمِّقون، وما يكتُبه الكاتبون وبعضُ المنحرفين في كتابَتِهم، الذين يكتبون بما تمليه قلوبُهم من الحِقدِ على الدين وأهله، {ذَلِكَ بِأَنَّهُم قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُم فِي بَعضِ الأَمرِ وَاللَّهُ يَعلَمُ إِسرَارَهُم} [محمد: 26].

أقلامٌ جائِرة، وألسنةٌ كاذبة، ومقالاتٌ خاطئة، سَطَّرت بأقلامها كلَّ ما يحارب العقيدةَ والقيَم والأخلاق، فاتَّقي الله أيتها المسلمة، ولا تنقادي لتلك الدِّعاية، ففيها هدمٌ لكرامتك وأخلاقِك، ونسخٌ لفضيلتك، وزجّ بك في التّرّهات التي لا نهايةَ لها سِوى الانحلال من القِيَم.

أسأل الله أن يحفظَ مجتمعَ المسلمين عامّةً من كل سوء، وأن يصلِحَ الأقوال والأعمال، وأن يعيذَنا من زوالِ نعمتِه ومن تحوٌّل عافيته ومن فُجاءَةِ نقمتِه ومن سائر سخطه، وأنه من أراد الإسلامَ وأهله بسوء أن يكبتَه الله في نفسِه، وأن لا يمكِّنَه مِن مراده، إنّه وليٌّ ذلك والقادر عليه.

واعلَموا ـ رحمكم الله ـ أن أحسَن الحديثِ كتابُ الله، وخير الهدي هدي محمد، وشرّ الأمور محدَثاتها، وكلّ بدعة ضلالة، وعلَيكم بجماعةِ المسلمين، فإن يدَ الله على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصلّوا ـ رحمكم الله ـ على عبد الله ورسولِه محمّد كما أمركم بذلك ربٌّكم، قال - تعالى -: {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلٌّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلٌّوا عَلَيهِ وَسَلِّمُوا تَسلِيمًا} [الأحزاب: 56].

اللّهمّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدِك ورسولِك محمّد، وارضَ اللهم عن خلفائه الراشدين الأئمّة المهديين: أبي بكر وعمرَ وعثمان وعليّ وعن سائر أصحاب نبيّك أجمعين، وعن التابعين وتابعِيهم بإحسانٍ, إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوِك وكرمِك وجودك وإحسانِك يا أرحمَ الراحمين.

اللّهمّ أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، ودمِّر أعداء الدين، وانصُر عبادَك الموحّدين...

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply