أسئلة القرآن


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله علي الشأن، عظيم السلطان، يسأله من في السموات والأرض، كل يوم هو في شأن.

أحمده - سبحانه -، حمد الشاكرين، وأستغفره استغفار المذنبين التائبين، وأسأله سؤال العابدين القانتين. وأثني عليه ثناء الأنبياء والمرسلين.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، رب العالمين، وإله الأولين والآخرين، يدبر الأمر يفصل الآيات لعلكم بلقاء ربكم توقنون.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، ومصطفاه وخليله، سيد المرسلين، وخاتم النبيين، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن سار على نهجهم، واقتفى أثرهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.

أما بعد، فأوصيكم ونفسي بتقوى الله، فهي وصية الله - تعالى -للأولين والآخرين، كما قال - سبحانه -: ولقد وصينا الذين أوتوا الكتاب من قبلكم وإياكم أن اتقوا الله. كما أن تقوى الله - تعالى -وصية النبي الكريم، والحبيب الرحيم، - صلى الله عليه وسلم - لنا جميعا، كما في حديث العرباض بن سارية - رضي الله عنه -: وعظنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - موعظة وجلت منها القلوب، وذرفت منها العيون، فقلنا: يا رسول الله، كأنها موعظة مودع فأوصنا، قال: أوصيكم بتقوى الله.

عباد الله: أسئلة،،، يوجهها القرآن الكريم للعقلاء، يبحثون عن ما ينفع ويفيد.

أسئلة،،، يوجهها القرآن للحكماء، يبحثون عن الحرية من أغلال العادات والتقاليد.

أسئلة يوجهها القرآن لأولي الألباب، يتفكرون في خلق السموات والأرض، فيرون السماء ليس بها فطور، ويرون الأرض مستقرة بهم لا تميد.

أسئلة يوجهها القرآن للناس كافة، فلا يفقهها إلا من كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.

أسئلة،،، تقشع سحب الدخان الذي يغشى أعين أهلِ الغواية، وتزيل الران من قلوب الغافلين عن سبل الهداية، فتنير الطريق لمن أراد أن يسلك سبيل النجاة، وتقيم الحجة عليه بينة دراية ورواية. فتهز عقله ليفكر، وتروي له قصص الأولين ليكون له بهم عبرة وآية، تشرح له ببيان تام الوضوح قصة البداية والنهاية، وما بين ذلك من أحداث يتصرف فيها بوحدانية وتفرد، وحكمة بالغة، الذي له ملك السموات والأرض وهو على كل شيء شهيد.

عباد الله: القرآن يسأل، وهو نفسه يجيب، ويتعجب من حال من يفقه ويعلم، ثم لا يستجيب! وحق لنا أن نعجب ممن يرى ويبصر الآيات والنذر، ثم لا يقلع عن غيه ولا ينيب! فهم بربهم يشركون، ومن عذابه لا يشفقون، ويغشاهم العذاب من فوقهم ومن تحت أرجلهم، ولا يزالون في شك مريب! أفي الله شك؟ أفي الله شك؟ أفي الله شك فاطر السموات والأرض؟

فاستمع يا رعاك الله إلى هذا السؤال وكرره على نفسك، وانظر إجابته فيمن حولك، وأتبعه بأسئلة متتالية، تقرع الأسماع، وتقطع الأطماع، إلا فيما عند الواحد القهار، المانع الضار، العزيز الحميد.

ألا فأجيبوا أيها العقلاء، أيها الأحرار من أغلال التقليد، وسلاسل الشيطان المريد. أجيبونا فأخبرونا: لمن الأرض ومن فيها إن كنتم تعلمون؟ لقد أجابوا قديما، وهو نفس الجواب حديثا: فسيقولون لله! قل أفلا تذكرون؟ قل: من رب السموات السبع ورب العرش العظيم؟ سيقولون: لله! قل: أفلا تتقون؟ قل: من بيده ملكوت كل شيء وهو يجير ولا يجار عليه، إن كنتم تعلمون؟ سيقولون: لله! قل: فأنى تسحرون؟ ما الذي سحر عقولكم؟ ما الذي أذهب ألبابكم، ما الذي شتت أذهانكم؟ وأنتم ترون الملك يتصرف في ملكه كيف يشاء، ولا تملكون من التصرف فيه شيئا، فأين تذهبون؟ ما لكم كيف تحكمون؟ أم لكم كتاب فيه تدرسون، إن لكم فيه لما تخيرون. بل أتيناهم بالحق، وإنهم لكاذبون، ما اتخذ الله من ولد، وما كان معه من إله إذا لذهب كل إله بما خلق، ولعلا بعضهم على بعض، سبحان الله عما يصفون، عالم الغيب والشهادة فتعالى عما يشركون. بل هو الله العزيز الحكيم.

هذه الأسئلة لن يكون الجواب عنها إلا كلمة واحدة، وجواب واحد، هو التوحيد، لا إله إلا الله، ولكن أكثر الناس لا يؤمنون.

أيها الحبيب: استمع إلى سؤال القرآن، وتأمل إجابته، وقف مجلا مكبرا لمن بيده ملكوت كل شيء وإليه ترجعون. واسألهم: أمن خلق السموات والأرض، وأنزل لكم من السماء ماء فأنبتنا به حدائق ذات بهجة ما كان لكم أن تنبتوا شجرها، أأله مع الله؟ بل هو قوم يعدلون. أمن جعل الأرض قرارا، وجعل خلالها أنهارا وجعل لها رواسي، وجعل بين البحرين حاجزا، أأله مع الله؟ بل أكثرهم لا يعلمون. نعم والله إن أكثرهم لا يعلمون الحق، فهم معرضون.

أمن يجيب المضطر إذا دعاه، ويكشف السوء، ويجعلكم خلفاء الأرض، أأله مع الله؟ قليلا ما تذكرون. أمن يهديكم في ظلمات البر والبحر، ومن يرسل الرياح بشرا بين يدي رحمته، أأله مع الله؟ - تعالى -الله، - تعالى -الله عما يشركون. أمن يبدأ الخلق ثم يعيده؟ ومن يرزقكم من السماء والأرض؟ أأله مع الله؟ قل هاتوا برهانكم، هاتوا برهانكم، إن كنتم صادقين.

بكل وضوح، وبكل عقلانية، بكل منطقية، نستدل على الرزاق ذي القوة المتين، ولكن القوم في خوض يلعبون، وعن الوقوف بين يديه غافلون، وعما يريد منهم معرضون، ولما ينهاهم عنه فاعلون. فيأتي السؤال، ويعقبه الجواب، ثم يتلو ذلك التعجب من الأفعال، والأقوال.

واستمع يا رعاك الله لهذا السؤال القرآني أيضا

: قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله! فقل أفلا تتقون؟ فذلكم الله ربكم الحق، فماذا بعد الحق إلا الضلال؟ فأنى تصرفون؟ كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون. نعم، لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية حتى يروا العذاب الأليم. ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون، وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها. فهم في ريبهم يترددون.

إذ إنه لا يشك في الخالق البارئ المصور إلا من غيب عقله في سراديب الضلال، فهو يجادل بالباطل ليدحض به الحق، ويحاول أن يغطي أشعة الشمس البازغة بغربال!

أيها المسلم: وأنت ترقب شاشة التلفاز، وترى أثار الدمار، وترى الدنيا عائمة، والمصيبة قائمة، عشراتِ الآلاف من القتلى، ومئاتِ الآلاف من المصابين، وملايين من المشردين، في عدة ثوان، لم تكمل دقيقة واحدة، إلا وقد اجتمع الجوع والمرض، والخوف والمصيبة، بفقد الأحبة من الآباء والأبناء، والإخوة والأصدقاء. فاقرع آذانهم بسؤال القرآن واضحا ومتجليا: قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة، أغير الله تدعون إن كنتم صادقين. فأين الآلهة من دون الله توقف هذا الطوفان؟ أين الآلهة من دون الله تكشف البلاء، وهي غرقى مثل عابديها، متناثرة أضعف من عابديها. فاسألهم، أيها العاقلون: أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره؟ أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته، قل حسبي الله، عليه يتوكل المتوكلون.

إن ما رأيناه من هيجان البحار، وتلاطم الأمواج، وهدير الرياح، وزلزلة الأرض، إشارة، مجرد إشارة لعظمة من سيوقف العباد كلهم بين يديه، بعد أن تزلزل الأرض زلزالها، وتخرج الأرض أثقالها، ويبعث الناس حفاة عراة غرلا بين يدي الملك الحق المبين، وقد غضب غضبا لم يغضب قبله مثله، ولا يغضب بعده مثله، فأين المفر؟ كلا لا وزر.

لقد كادت الأرض تهلك في ثوان، وهو نذير غضب الرحمن، ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم؟ يوم يقوم الناس لرب العالمين.

إذا عرفت إجابة تلك الأسئلة أيها الحبيب، فلن تستطيع تخيل عظمة السائل، ولا يمكنك أن تتصور ذلتك وأنت بين يديه، مكبلا بالذنوب، ليس بينك وبينه ترجمان، ولا معاذير تنفع، ولا سلطان لك ينصرك أو يرحمك، أو يمكنه أن يجادل عنك أو أن يدفع.

عباد الله: يوم الدين والله أشد أهوالا مما رأيتم، وأشد رعبا مما شاهدتم، وأكثر خرابا ودمارا مما تصورتم، ففروا إلى الله، فلا ملجأ منه إلا إليه. وارفعوا أيديكم بالتضرع بين يديه، وأرغموا أنوفكم بالسجود لعظمته، ورطبوا ألسنتكم بالتسبيح بحمده والتقديس له.

معاشر المسلمين: حين يسأل القرآن سؤالا يوجهه لمن يبحث عن الحق ويسعى إليهº لأن المجادل، ومن طبع الله على قلبه فلا تقنعه حجج ولا آيات، ولا تنفعه ذكرى، ولا يقتنع بالبينات، فلا يستفيد من الآيات إلا المؤمنون، ولا يعقل الأمثال إلا العالمون، وإلا فإن من رأى هيجان البحار لا بد أن يسأل نفسه: ما الذي أهاجها؟ وهي هي التي كنا نستخرج منها اللحم الطري والحلية التي نلبسها، لؤلؤا ومرجانا، وطعاما لذيذا، فغشيت أمواجها البر وتعدت على البلدان!! أفلم يتلى علينا قوله - جل وعلا -: الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون. فالذي سخره هو الذي أهاجه، والذي أمسكه هو الذي أطلقه، فلا والله لا ممسك له غيره، ولا مسخر له سواه. فتأمل يا رعاك الله قوله - جل وعلا -: ربكم الذي يزجي لكم الفلك في البحر لتبتغوا من فضله، إنه كان بكم رحيما، وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه، فلما نجاكم إلى البر أعرضتم، وكان الإنسان كفورا. أفأمنتم أن يخسف بكم جانب البر أو يرسل عليكم حاصبا ثم لا تجدوا لكم وكيلا؟ أم أمنتم أن يعيدكم فيه تارة أخرى فيرسل عليكم قاصفا من الريح فيغركم بما كفرتم ثم لا تجدوا لكم علينا به تبيعا. أما ترون هذه الآيات ممثلة أمام أعينكم فتبصرون؟ ولكن صدق الله إذ يقول: وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذب بها الأولون، وآتينا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفا وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس، وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن، ونخوفهم، فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا. فهذا يقول غضب الأرض، وذاك يقول كوارث الطبيعة، وآخر من دونه أزواج. مع إقرارهم بأن الذي حدث لا يمكنهم رده، ولا يملكون له كشفا ولا تحويلا. والعجب مع وضوح الأدلة، وبيان المحجة، ونصاعة الحجة وثبوت قوله - جل وعلا - واصفا نفسه، تقدست نفسه: الذي له ملك السموات والأرض ولم يتخذ ولدا ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديرا. مع كل هذا الوصف، انظر ماذا كان ردهم على هذه الصفات، وما هو موقفهم من هذه الآيات: واتخذوا من دونه آلهة لا يخلقون شيئا وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضرا ولا نفعا، ولا يملكون موتا ولا حياة ولا نشورا. فشتان بين الخالق، والمخلوق، - سبحانه وتعالى - عما يصفون، بديع السموات والأرض، كل له قانتون، فسل أيها العاقل، سل الملحدين، والكافرين، سل المعرضين، سل الغافلين، سل المنكوبين: أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن؟ إن الكافرون إلا في غرور. أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه؟ بل لجو في عتو ونفور! قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم وختم على قلوبكم من إله غير الله يأتيكم به؟ انظر كيف نصرف الآيات ثم هم يصدفون! قل أرأيتكم إن أتاكم عذاب الله بغتة أو جهرة، هل يهلك إلا القوم الظالمون؟ ثم سلهم: أرأيتم إن جعل الله عليكم الليل سرمدا إلى يوم القيامة، من إله غير الله يأتيكم بضياء؟ أفلا تسمعون!؟ قل: أرأيتم إن جعل الله عليكم النهار سرمدا إلى يوم القيامة! من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه؟ أفلا تبصرون!؟

فيا لهول الموقف يوم القيامة، حين يناديهم أين شركائي الذين كنتم تزعمون؟ أين ما كنتم تدعون من دون الله؟ هل ينصرونكم أو ينتصرون؟ أو ينفعونكم أو يضرون؟ إذا لم يدفعوا عنكم البلاء في الدنيا فهم والله أعجز من أن يدفعوه في الأخرى!!! قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة، ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا. وكذب به قومك وهو الحق قل لست عليكم بوكيل، لكل نبأ مستقر، وسوف تعلمون.

عباد الله: إن مراد القرآن الكريم من طرح الأسئلة، وبيان إجابتها على ألسنة الملحدين، والكافرين، والمتشككين، إن مراد القرآن من ذلك بيان أن الحق واضح أبلج، وأن من عاند الحق، أو جادل فيه إنما يجادل عن هوى، وإنما يتبع السراب، مع جريان النهر أمام عينيه، تعلقا بالزيف، واتباعا للشيطان، وخداعا للنفس.

ومن فوائد طرح الأسئلة القرآنية، تبيان أن الحق مع وضوحه وتجليه إلا أن في الناس من يعاند، وتستيقن نفسه الحق، فيتكبر عنه، ويظلم نفسه ومن اتبعه من السفهاء. أرأيت من اتخذ إلهه هواه أفأنت تكون عليه وكيلا، أم تحسب أن أكثرهم يسمعون أو يعقلون! إن هم إلا كالأنعام، بل هم أضل سبيلا.

فاللهم لا تؤاخذنا بما فعل السفهاء منا، اللهم لا تعذبنا بذنوبنا، اللهم بك نستغيث من سخطك وعذابك، ونقر لك بأنا مذنبون، وعاصون، ولكنا بك مؤمنون، ولك موحدون، فادفع عنا وبلادنا كل سوء، ومتعنا بنعمك، واجعلها لنا عونا على طاعتك، وذلولا إلى جنتك، ومهرا لرضوانك، وسببا لعافيتك. يا أرحم الراحمين.

ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربي رحيم ودود.

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله ذي البطش الشديد، الفعال لما يريد.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، ذو العرش المجيد.

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أشرف الخلق وسيد العبيد. صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن ترسم خطاهم، لم يزغ عنه، ولا يحيد، وسلم تسليما.

أما بعد، فاتقوا الله - تعالى -، وراقبوه في سركم وعلانيتكم. وإياكم أن تستهينوا برقابته، أو أن تأتوه يوم القيامة مفلسين، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، قال: أتدرون من المفلس؟ قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع، فقال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة، ويأتي وقد شتم هذا، وقذف هذا، وأكل مال هذا، وسفك دم هذا، وضرب هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته، فإن فنيت حسناته قبل أن يقضى ما عليه، أخذ من خطاياهم فطرحت عليه، ثم طرح في النار. رواه مسلم.

أيها العقلاء: يا من أقررتم بجواب أسئلة الله لكم بأن لا إله إلا هو، يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه، أجب سؤاله حين توقف بين يديه وقد شتمت هذا، وقذفت هذا، وأكلت مال هذا، وسفكت دم هذا، وضربت هذا، وروعت أم هذا، أو طفل هذا، وهذا نكرة، يدخل فيه كل مظلوم ظلمته، وكل شخص غششته، أو دم سفكته، قتلته بغير ذنب اقترفه، أو جرم أحدثه، فسفكت دمه، وأحرقت فؤاد أهله، وربما كان له طفل يتمته، أو أم فجعتها، أو زوج رملتها، أو أب بفقده لابنه قهرته، فكلهم يوم القيامة خصماؤك، حتى لو كنت من المصلين، حتى لو كنت من المزكين، ولو كنت من الصائمين، سيسألك بين يدي من بانت لك عظمته في كل شيء أمام ناظريك، يا رب سل هذا: لم قتلني؟ أما كنت أرسلت له رسولا رؤوفا رحيما يخبره أنك لا ترضى هذا الفعل أبدا؟ وأنك قلت وقولك الحق: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما. أما سمع رسولك - صلى الله عليه وسلم - يقول: المسلم أخو المسلم، لا يخونه، ولا يكذبه، ولا يخذله، كل المسلم على المسلم حرام، عرضه، وماله، ودمه، التقوى ها هنا، بحسب امرىء من الشر أن يحقر أخاه المسلم. رواه الترمذي. وفي رواية عند مسلم: لا يظلمه ولا يخذله، ولا يحقره.

أيها المسلمون: تخففوا من الذنوب، واتركوا المعاصي، قبل أن توقفوا بين يدي الواحد القهار، ثم اعلموا أن أول ما يقضى بين العباد فيه الدماء، فاتقوها بكل ما تستطيعون، فإن سفك الدمِ الحرام بغير حق قرين للشرك، قرين للفاحشة، كما قال - جل وعلا - واصفا عباده المخلصين: والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون، ومن يفعل ذلك يلق أثاما يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهانا. وقال جل من قائل: قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ألا تشركوا به شيئا، وبالوالدين إحسانا، ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم، ولا تقربوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحق، ذلكم وصاكم به لعلكم تعقلون.

ألا فاعلموا عباد الله أن من فجع المسلمين في بيوتهم وطرقاتهم بأصوات الرصاص، وأزيز القنابل، وصوت المتفجرات، ناهيك عن ما نتج عنها من خراب ودمار وإصابات، وسفك للدم الحرام، من فعل هذا والله لم يقدر الله حق قدره، ولم يعرفه حق معرفته، وإلا لما فعل ما فعل. ففكر أيها العاقل، إذا نهي المرء أن يمر بين يدي المصلي، كيف يباح له أن يقتله؟ بغير ذنب جناه!!! هل أعد القاتل جوابه حين يسأله الرب- تبارك وتعالى -لم قتلت عبدي هذا؟ هل سيحيله إلى أسامه؟ وما يغني عنك أسامة، وأنت تشكك في العالم الرباني وتزدريه، وتخلع بيعة الإمام من عنقك وتستمع لنعيق الفقيه؟ هذا والله قياس عجيب، فقتل المسلمين بزعم اتباع السنة، وإقامة علم الجهاد من أبطل الباطل، وهو من الإيمان ببعض الكتاب والكفر ببعض، وإلا فإن الذي أمر بالجهاد هو نفسه الذي نهى عن قتل النفس إلا بالحق، وهو نفسه الذي أمر بطاعة الولاة، وهو نفسه الذي حكم في من خلع البيعة من الرعية، ونازع الولاة أن يضرب عنقه بالسيف كائنا من كان.

فهل توافقوننا أيها المجاهدون زعمتم - إذا قلنا سنطبق هذا الحديث على ابن لادن، أو سعد الفقيه، فنقتله به؟ أو ستتأولون الحديث وتصرفونه؟ لم أخذتم بأجر الجهاد ومنزلته وتركتم الأمر بعصمة الدماء، وتكاتف المسلمين، واجتماع كلمتهم؟ ولكن لكل قوم وارث، وقد ورث ما يسمى بتنظيم القاعدة ورث الخوارج في فكرهم، وحججهم، وأفعالهم، وقتلهم للمسلمين، وقتالهم، فلا تعجب ممن طوعت له نفسه قتل أخيه، ومن طوعت له نفسه قتل عثمان، ومن سوغت له نفسه قتل علي، تقربا إلى الله، وطمعا فيما عنده، لا تعجب ممن ورث أولئك أن تطوع له نفسه قتل أي كان، فمهما قيل في عصمة نفس ذلك المسلم فلن تكون أكثر عصمة من نفس عثمان ونفس علي - رضي الله عنهما -، وصدق الله حين يقول: وقال الذين لا يعلمون لولا يكلمنا الله أو تأتينا آية، كذلك قال الذين من قبلهم مثل قولهم، تشابهت قلوبهم، قد بينا الآيات لقوم يوقنون. إنا أرسلناك بالحق بشيرا ونذيرا، ولا تسأل عن أصحاب الجحيم.

وإني داع فأمنوا: يا من تنزه عن الشبيه والنظير، وتعالى عن المعين والوزير، وتقدس عن المساعد والمشير. يا ذا العز المنيع، ويا ذا الجاه الرفيع.

اللهم احفظ مملكتنا بحفظك، واكلأها برعايتك، وجد عليها من واسع فضلك، واحرسها بعينك التي لا تنام، واكنفها بركنك الذي لا يضام، واحفظ أمنها من كيد الكفرة اللئام، وإفساد الخارجين على الإمام، اللهم من سعى فيها بشر أو فتنة فرده على عقبيه ذليلا حقيرا، وسلط عليه من جنود الأمن سيفا شهيرا، وأوقعه في أيديهم قتيلا أو أسيرا. يا كافي من كل شيء، ولا يكفي منه شيء. يا من يحول بين المرء وقلبه، حل بيننا وبين من يؤذينا. سلط عليه جندا من جندك، واجعلهم عبرة للمعتبرين، وردهم على أدبارهم خائبين، اللهم لا ترفع لهم راية، ولا تحقق لهم غاية.

اللهم احفظ إمامنا بحفظك، وأيده بنصرك، وأسبغ عليه نعمة من عندك.

وصلوا على الحبيب المصطفى، إن الله وملائكته...

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply