بسم الله الرحمن الرحيم
قال شيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (23/102-103):
وَتَوَسَّطَ آخَرُونَ مِن فُقَهَاءِ الحَدِيثِ وَغَيرُهُم كَأَحمَدَ وَغَيرِهِ فَقَالُوا: قَد ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ لِلنَّوَازِلِ الَّتِي نَزَلَت بِهِ مِن العَدُوِّ فِي قَتلِ أَصحَابِهِ أَو حَبسِهِم وَنَحوِ ذَلِكَ. فَإِنَّهُ قَنَتَ مُستَنصِرًا كَمَا استَسقَى حِينَ الجَدبِ فَاستِنصَارُهُ عِندَ الحَاجَةِ كَاستِرزَاقِهِ عِندَ الحَاجَةِ إذ بِالنَّصرِ وَالرِّزقِ قِوَامُ أَمرِ النَّاسِ. كَمَا قَالَ - تعالى -: {الَّذِي أَطعَمَهُم مِن جُوعٍ, وَآمَنَهُم مِن خَوفٍ,} وَكَمَا قَالَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم -: {وَهَل تُنصَرُونَ وَتُرزَقُونَ إلَّا بِضُعَفَائِكُم؟ بِدُعَائِهِم وَصَلَاتِهِم وَاستِغفَارِهِم} \" وَكَمَا قَالَ فِي صِفَةِ الأَبدَالِ: {بِهِم تُرزَقُونَ وَبِهِم تُنصَرُونَ} \" وَكَمَا ذَكَرَ اللَّهُ هَذَينِ النَّوعَينِ فِي سُورَةِ المُلكِ وَبَيَّنَ أَنَّهُمَا بِيَدِهِ. - سبحانه -. فِي قَولِهِ: {أَمَّن هَذَا الَّذِي هُوَ جُندٌ لَكُم يَنصُرُكُم مِن دُونِ الرَّحمَنِ إنِ الكَافِرُونَ إلَّا فِي غُرُورٍ,} {أَمَّن هَذَا الَّذِي يَرزُقُكُم إن أَمسَكَ رِزقَهُ} ثُمَّ تَرَكَ القُنُوتَ وَجَاءَ مُفَسَّرًا أَنَّهُ تَرَكَهُ لِزَوَالِ ذَلِكَ السَّبَبِ. وَكَذَلِكَ كَانَ عُمَرُ رضي الله عنه إذَا أَبطَأَ عَلَيهِ خَبَرُ جُيُوشِ المُسلِمِينَ قَنَتَ وَكَذَلِكَ عَلِيُّ رضي الله عنه قَنَتَ لَمَّا حَارَبَ مَن حَارَبَ مِن الخَوَارِجِ وَغَيرِهِم. قَالُوا: وَلَيسَ التَّركُ نَسخًا فَإِنَّ النَّاسِخَ لَا بُدَّ أَن يُنَافِيَ المَنسُوخَ وَإِذَا فَعَلَ الرَّسُولُ - صلى الله عليه وسلم - أَمرًا لِحَاجَةِ ثُمَّ تَرَكَهُ لِزَوَالِهَا لَم يَكُن ذَلِكَ نَسخًا بَل لَو تَرَكَهُ تَركًا مُطلَقًا لَكَانَ ذَلِكَ يَدُلٌّ عَلَى جَوَازِ الفِعلِ وَالتَّركِ لَا عَلَى النَّهيِ عَن الفِعلِ\"أ. هـ.
وقال أيضاً في مجموع الفتاوى (23/108):
\"َالقَولُ الثَّالِثُ: أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - قَنَتَ لِسَبَبِ نَزَلَ بِهِ ثُمَّ تَرَكَهُ عِندَ عَدَمِ ذَلِكَ السَّبَبِ النَّازِلِ بِهِ فَيَكُونُ القُنُوتُ مَسنُونًا عِندَ النَّوَازِلِ وَهَذَا القَولُ هُوَ الَّذِي عَلَيهِ فُقَهَاءُ أَهلِ الحَدِيثِ وَهُوَ المَأثُورُ عَن الخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ - رضي الله عنهم - فَإِنَّ عُمَرَ رضي الله عنه: لَمَّا حَارَبَ النَّصَارَى قَنَتَ عَلَيهِم القُنُوتَ المَشهُورَ: اللَّهُمَّ عَذِّب كَفَرَةَ أَهلِ الكِتَابِ. إلَى آخِرِهِ. وَهُوَ الَّذِي جَعَلَهُ بَعضُ النَّاسِ سُنَّةً فِي قُنُوتِ رَمَضَانَ وَلَيسَ هَذَا القُنُوتُ سُنَّةً رَاتِبَةً لَا فِي رَمَضَانَ وَلَا غَيرِهِ بَل عُمَرُ قَنَتَ لَمَّا نَزَلَ بِالمُسلِمِينَ مِن النَّازِلَةِ وَدَعَا فِي قُنُوتِهِ دُعَاءً يُنَاسِبُ تِلكَ النَّازِلَةَ كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صلى الله عليه وسلم - لَمَّا قَنَتَ أَوَّلًا عَلَى قَبَائِلِ بَنِي سُلَيمٍ, الَّذِينَ قَتَلُوا القُرَّاءَ دَعَا عَلَيهِم بِاَلَّذِي يُنَاسِبُ مَقصُودَهُ ثُمَّ لَمَّا قَنَتَ يَدعُو للمستضعفين مِن أَصحَابِهِ دَعَا بِدُعَاءِ. يُنَاسِبُ مَقصُودَهُ. فَسُنَّةُ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - وَخُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ تَدُلٌّ عَلَى شَيئَينِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ دُعَاءَ القُنُوتِ مَشرُوعٌ عِندَ السَّبَبِ الَّذِي يَقتَضِيهِ لَيسَ بِسُنَّةِ دَائِمَةٍ, فِي الصَّلَاةِ. الثَّانِي: أَنَّ الدٌّعَاءَ فِيهِ لَيسَ دُعَاءً رَاتِبًا بَل يَدعُو فِي كُلِّ قُنُوتٍ, بِاَلَّذِي يُنَاسِبُهُ كَمَا دَعَا النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - أَوَّلًا وَثَانِيًا. وَكَمَا دَعَا عُمَرُ وَعَلِيُّ - رضي الله عنهما - لَمَّا حَارَبَ مَن حَارَبَهُ فِي الفِتنَةِ فَقَنَتَ وَدَعَا بِدُعَاءِ يُنَاسِبُ مَقصُودَهُ وَاَلَّذِي يُبَيِّنُ هَذَا أَنَّهُ لَو كَانَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - يَقنُتُ دَائِمًا وَيَدعُو بِدُعَاءِ رَاتِبٍ, لَكَانَ المُسلِمُونَ يَنقُلُونَ هَذَا عَن نَبِيِّهِم فَإِنَّ هَذَا مِن الأُمُورِ الَّتِي تَتَوَفَّرُ الهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى نَقلِهَا وَهُم الَّذِينَ نَقَلُوا عَنهُ فِي قُنُوتِهِ مَا لَم يُدَاوِم عَلَيهِ وَلَيسَ بِسُنَّةِ رَاتِبَةٍ, كَدُعَائِهِ عَلَى الَّذِينَ قَتَلُوا أَصحَابَهُ وَدُعَائِهِ للمستضعفين مِن أَصحَابِهِ وَنَقَلُوا قُنُوتَ عُمَرَ وَعَلِيٍّ, عَلَى مَن كَانُوا يُحَارِبُونَهُم. \"أ. هـ
وهناك فتوى أيضاً للجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء بالمملكة العربية السعودية برقم (902) الجزء السابع صحفحة 42.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد