بسم الله الرحمن الرحيم
قرر الله جل شانه حكماً شرعياً عظيماً، فيه استقامة الدنيا وسلامة الدين، وفلاح الحياة العاجلة والآخرة، لأهميته بدأ الله جل شأنه فيه بنفسهº فقال - تعالى - كما في الحديث القدسي عن أبي ذر رضي الله - تعالى - عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه - عز وجل - أنه قال: ((يا عباد إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا)) أخرجه الإمام مسلم، وقال - تعالى - أيضاً نافياً الظلم عن نفسه جل شأنه: وَمَا رَبٌّكَ بِظَلَّـامٍ, لّلعَبِيدِ [فصلت:46]، وقال: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظلِمُ النَّاسَ شَيئًا [يونس:44]، وقال: إِنَّ اللَّهَ لاَ يَظلِمُ مِثقَالَ ذَرَّةٍ, [النساء:40].
وجاءت النصوص القرآن الكريم مؤكدة خطورة الظلم، ووعيد الظالمين فنفت عنهم الفلاح واستبعدتهم من أن ينالهم عهد الله، وبشرتهم بأن الله لا يحبهم، ولا يزيدهم إلا خساراً، وحكمت عليهم بالخيبة وسوء العاقبة.
اسمعوا إلى هذه الآيات في كتاب الله جل شأنه: \"إِنَّهُ لاَ يُفلِحُ الظَّـالِمُونَ \" [الأنعام:21]، \" ولاَ يَنَالُ عَهدِي الظَّـالِمِينَ \" [البقرة:124]، \" وَاللَّهُ لاَ يُحِبٌّ الظَّـالِمِينَ \" [آل عمران:57].
الظلم واقع اليوم من كثير من الناس، بسبب مالهم من ولاية، وبسبب غفلتهم، عن عاقبة الظلم وعقوبته،
وهذه بعض صور الظلم:
أول ظلم نتحدث عنه الظلم في الولاية، فكثير من الناس أصحاب وظائف لهم فيها ولاية على موظفين، وتمكنوا بسبب ذلك من حقوق الناس، فيظلم موظفيه، يزكي ويرشح فلاناً لشخصه لا لأمانته، يتهاون في أداء حقوق الناس، وينسى أنه أجير وإن كان في مرتبة كبيرة يرأس مجموعة من الموظفين ويقود إدارة من الإدارات، ولا يدري أن حقوق الناس لها مطالب، لا تسقط إلا بتنازلهم عنها، وثق به ولي الأمر ليؤدي الحقوق لأصحابها، ثم يخون من ولاه ولا يعدل في من تولى عليه.
- والنوع الثاني: التظالم بين الأفراد، وهذا كثير، فقد تهاون العديد من الناس وبخاصة أولئك الذين لديهم عمال، أو خدم، تحت كفالتهم ويعملون عندهم، ويأتي الظلم هنا بصور عديدة:-
1- فمنهم من يكلف العامل من العمل ما يشق عليه.
2- ومنهم من لا يهتم بحقوقه في الأكل والشرب والسكن، وكأنه ليس بأخ لك مسلم، بل كأنه ليس بإنسان له حقوق ومشاعر.
3- ومنهم من لا يهتم بإعطائه راتبه الشهري المستحق له، الذي تغرب لأجله، وخلفه أسرة تنظر هذا المرتب، وهو حق له ليس لأحد فيه معروف، فهو جهده وعرق جبينه، ومع ذلك يتثاقل الكفيل، ويسوِّف، ويؤجل، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الحسن عن أبي هريرة - رضي الله تعالى عنه -: ((أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه))[1].
- والنوع الثالث ظلم بعض الأزواج لزوجاتهم، فلا يهتم بها، ولا يقوم بما يجب لها من حقوق شرعية، سواء في النفقة، أو التعامل الحسن والكلمة الطيبة، والاحترام والتقدير المطلوب بين الزوجين، والوفاء لها، وتقدير ضعفها وعاطفتها، وحاجتها، والرسول - صلى الله عليه وسلم - يقول[2] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وخياركم خياركم لنسائهم خلقاً))، ويظهر الظلم بصورة أوضح عند بعض الذين لديهم أكثر من زوجة، فينسى حقوق بعض تلك الزوجات اللآتي عاش معهن سنين طويلة، ويميل إلى البعض الآخر. والرسول - صلى الله عليه وسلم -[3] عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: ((إذا كان للرجل امرأتان فلم يعدل بينهما جاء يوم القيامة وشقه ساقط))[4].
- النوع الرابع ظلم بعض الأولاد، فبعض الناس لا يحسن العدل بين أولاده فيظلم بعضهم، ويشعر أحد الأولاد ابناً أو بنتاً بميل الأب إلى غيره، وعدم العدل بينه وبين إخوانه، وتلك مشكلة يغفل عنها الكثير من الآباء. والرسول - صلى الله علي وسلم - يقول: ((اتقوا الله واعدلوا في أولادكم))[5].
أيها المسلمون، هذه صور من صور الظلم التي تقع في بعض مجتمعاتنا، ولنسمع بعد هذا شيئاً عن عقوبة الظالمين:-
- يقول الله - تعالى -: \" وَلاَ تَحسَبَنَّ اللَّهَ غَـافِلاً عَمَّا يَعمَلُ الظَّـالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخّرُهُم لِيَومٍ, تَشخَصُ فِيهِ الأبصار\" [إبراهيم:42].
- يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم -: ((إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)) ثم قرأ رسول الله - صلى الله عليه وسلم – \" وَكَذالِكَ أَخذُ رَبّكَ إِذَا أَخَذَ القُرَى وَهِىَ ظَـالِمَةٌ إِنَّ أَخذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ \" [هود:102]، متفق عليه. من يجرؤ بعد هذا على شيء من الظلم؟
- وبين الرسول - صلى الله عليه وسلم - أن دعوة المظلوم مستجابة[6]
((واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب)), ودعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً، لأن فجوره لا يجيز التعدي عليه وفي الحديث[7] عن أبي هريرة قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((دعوة المظلوم مستجابة وإن كان فاجراً ففجوره على نفسه))[8].
عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: ((ودعوة المظلوم رفعها الله فوق الغمام ويفتح لها أبواب السماء ويقول الرب وعزتي لأنصرنك ولو بعد حين))[9] وعن أبي الدرداء قال إياك ودعوة المظلوم فإنها تصعد إلى السماء كشرارات نار حتى يفتح لها أبواب السماء[10].
- وليعلم كل من يقع في شيء من الظلم أن صاحب الحق وإن لم يستوفِ حقه اليوم فسوف يستوفيه، في موقف أشد صعوبة، وأقسى، يوم يقوم الناس لرب العالمين، غداً يوم القيامة، يستوفيه حينئذ خيراً من ذلك، حسنات هي خير من الدنيا وما فيها. فعن أبي هريرة - رضي الله عنه -قال: قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم -: ((من كانت له مظلمة لأحد من عرضه أو شيء فليتحلله منه اليوم قبل أن لا يكون دينار ولا درهم، إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم تكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه))[11].
أيها المسلمون، اتقوا الله احذروا الظلم كله، صغيره وكبيره، ويكفي الظلم حسرة عدم فلاح صاحبه، ووعيد الله له، ودعوة المظلوم المستجابة.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم...
ــــــــــــــــــــ
[1] صحيح الجامع (1066).
[2] سنن الترمذي 3/466) وصححه الألباني.
[3] سنن الترمذي (3/447).
[4] صحيح الألباني 912.
[5] أخرجه الإمام مسلم.
[6] صحيح البخاري ج: 2 ص: 544)
[7] مصنف ابن أبي شيبة (ج: 6 ص: 48)
[8] وحسنه الألباني في صحيح الجامع 3382
[9] وفي سنن الترمذي (ج: 5 ص: 578)
[10] 6/48المصنف.
[11] صحيح البخاري (ج: 2 ص: 865)
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد