بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله نحمده و نستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد ألا اله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله. أما بعد:
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون).
(يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدةٍ, وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيراً ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيبا).
(يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديداً، يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيما).
أما بعد..
إن من أبرز صفات المسلم التي يجب أن يتحلى بها، وأن تكون منهج لحياته، هي العفة، تلك الصفة التي فقدت من الكثيرين وغابت عن أقوام آخرين، فأصبحوا يتخبطون في لجج المعاصي، ويخوضون في بحر الذنوب. لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- يدعو ربه ويقول: "اللهم إني أسالك الهدى والتقى والعفاف والغنى".
إن العفة: هي أن تكف عن كل عمل قبيح، وكف النفس عن محارم الله -عز وجل- في كل شيء في المأكل والمشرب والملبس وفي غيرها، وأن تمنع نفسك عن الشهوات المحرمة وملذات الدنيا الفانية.
وللعفة أنواع: عفة الفرج، عفة اللسان، عفة النظر، عفة البطن.
يقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في حديث سهل بن سعد -رضي الله عنه-: "من يضمن لي ما بين لحييه، وما بين رجليه أضمن له الجنة".
وفي حديث عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- أنه قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أربع إذا كن فيه فلا عليك ما فاتك من الدنيا: حفظ الأمانة، وصدق حديث، وحسن خليقة، وعفة في طُعمه".
إن عفة الفرج لا يكون إلا بتحصينه عن فعل الفواحش والمنكرات قال الله -سبحانه وتعالى-: "والذين هم لفروجهم حافظون" إن الذين يعفّون فروجهم ولا يقعون فيما نهاهم الله عنه من زنا ولواط، لا يقربون سوى أزواجهم التي أحلها الله لهم، أو ما ملكت أيمانهم من السراري، أعد الله لهم أجراً عظيما..
ومن قصص العفة ما حدث لنبي الله يوسف -عليه السلام- عندما راودتها امرأة العزيز وهو في حالة غربة وعزبه، وتهأيت له بكل ما تملك وفي بيت آمن وقد أغلقت الأبوات، ولكن بقى باب واحد لم يغلق إنه باب السماء فيتذكر يوسف -عليه السلام- من خلاله عظمة الجبار، ويرى برهان ربه فيأبى أن يقع في هذه الفاحشة النكراء. قال -تعالى-: "ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء، إنه من عبادنا الصالحين".
إن تقوى الله -تعالى- هي أحد وسائل العفة "فالتقوى هي العمل بطاعة الله على نور من الله، رجاء رحمة الله، والتقوى ترك معاصي الله على نور من الله، مخافة عذاب الله".
ومن وسائل العفة غض البصر بأن يكف المسلم بصره عما حُرِم عليه. ولا ينظر إلا ما أبيح له، فإن وقع البصر على محارم الله من غير قصد فليصرف بصره سريعاً. فقد قال الله -تعالى-: "قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم" فأمر الله -تعالى- بغض البصر، لأن البصر سهم من سهام إبليس. إن الحوادث تبدأ من النظر المحرم فتكون نظرة ثم خطرة ثم خطوة ثم خطيئة، وقال القرطبي -رحمه الله-: "البصر هو الباب الأكبر إلى القلب" فقد أخبرنا النبي -صلى الله عليه وسلم- أن من حق الطريق غضُ البصر.
ثالثاً: الزواج المبكر للشباب فمن لم يستطيع فصوم أولى له: فلقد حث القرآن في مواطن عديدة على الزواج تحصيناً للفرج وحفاظاً على المجتمع من الانحراف والانجراف فقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
رابعاً: قراء المرأة في بيتها وعدم الخروج منها إلا لحاجة: إن قرار القرار المرأة في بيتها أمان للمجتمع من الفتنة وسد بوابة الشر ولذلك أمرها الله -تعالى- بالقرار في بيتها قال -تعالى-: "وقرن في بيوتكن ولا تبرجن بترج الجاهلية الأولى".
وعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "المرأة عورة فإذا خرجت إستشرفها الشيطان".
إن النساء مأمورات بلزوم البيوت، إن مقام المرأة ومستقرها هو البيت أم إن كان بهن حاجة إلى الخروج فيجوز لهن أن يخرجن من البيت بشرط أن يَرعين جانب العفة.
الخطبة الثانية:
وكما للعفة وسائل فإن لها عوائق تعيقها:
أولها: ضعف التربية والرقابة من بعض المربين وأخص الوالدين:
ثانياً: إطلاق البصر للنظر فيما حرم الله:
وهذا من أكبر أسباب الفتنة فعن أبى هريرة -رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "كتب على ابن آدم نصيبه من الزنى مدرك لا محالة فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوي ويتمنى و يصدق ذلك ويكذبه".
وقال على بي أبى طالب -رضي الله عنه- "العيون مصايد الشيطان".
ثالثاً: تأخر الزواج للرجل والمرأة: وهذه من معوقات العفة لأن كل من الجنسين محتاج إلى الآخر.
رابعاً: السفر إلى البلاد التي تظهر فيها التفسخ والعري: وهذه لا شك في تأثيرها العظيم على دين الإنسان وأخلاقه، ومما يزيد الأمر سوءاً والبلاء بلاءً أنه يعد ذلك المجتمع بلداً متقدماً ومجتمعاً متحضراً فيرى الحياة البهيمية تطوراً وحضارة، فتصور كيف يرجع ذلك الإنسان إلى بلده، وكم سيحمل من المبادئ والقيم من أولئك؟
خامساً: التهاون بالاختلاط والخلوة بالأجنبية:
سادساً: كثرة الفراغ:
إن الفراغ مهلكة للمسلم وضياع للخير الكثير، بل إنه باب من أبواب الشر يقول عبد الله بن علوان "إن الولد إذا اختلى إلى نفسه وقت فراغه ترد عليه الأفكار الحالمة والهواجس السارحة والتخيلات الجنسية المثيرة فلا يجد نفسه إن كان مراهقاً أو شاباً إلا وقد تحركت شهوته وهاجت غريزته أمام هذه الموجة من التأملات والخواطر فعندئذٍ, لا يجد بداً من أن يلجأ إلى هذه العادة الخبيثة ليخفف من طغيان الشهوة ويحدّ من سلطانها".
ومن ثمرات هذه العفة:
أولها: ضمان نبينا -صلى الله عليه وسلم- للعفيف دخول الجنة.
ثانياً: إظلال الله لمن عف عن الفاحشة في ظل عرشه يوم القيامة.
ثالثاً: عفة المرء سبب في عفة أهله ومحارمه: كما روى النبي -صلى الله عليه وسلم-: "عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم" ومن هتك عرض الناس، هتك الله عرضه.
رابعاً: العفة سبب للبعد من سخط الله -تعالى- وعقابه العام والخاص.
خامساً: العفة سبب لسلامة الإنسان والمجتمع من الشرور والآفات ومن انتشار الفساد والأمراض الفتاكة.
أسال الله -تعالى- الهدى والتقى والعفاف والغنى وأن يجعلنا من عباده الصالحين، اللهم ارزقنا العلم النافع والعمل الصالح، اللهم أصلح أحوال المسلمين في كل مكان، اللهم اهدي ضالهم ورده إلى الحق رداً جميلاً.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد