الوقف هو تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة، والمراد بالأصل: ما يمكن الانتفاع به مع بقاء عينه كالدور والدكاكين والبساتين ونحوها، والمراد بالمنفعة: الغلة الناتجة عن ذلك الأصل كالثمرة والأجرة وسكنى الدار ونحوها.
وحكم الوقف أنه قربة مستحب في الإسلام، والدليل على ذلك السنة الصحيحة: - ففي \" الصحيحين \": أن عمر - رضي الله عنه - قال: يا رسول الله ! إني أصبت مالا بخيبر لم أصب قط مالا أنفس عندي منهº فما تأمرني فيهº قال: (إن شئت حبست أصلها وتصدقت بها، غير أنه لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) فتصدق بها عمر في الفقراء وذوي القربى والرقاب وفي سبيل الله وابن السبيل والضيف.
- وروى مسلم في \" صحيحه \"، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: أنه قال: (إذا مات ابن آدم، انقطع عملهº إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له)
- وقال جابر: (لم يكن أحد من أصحاب رسول الله ذو مقدرة إلا وقف) - وقال القرطبي - رحمه الله -: ولا خلاف بين الأئمة في تحبيس القناطر والمساجد، واختلفوا في غير ذلك.
ويشترط أن يكون الواقف جائز التصرف، بأن يكون بالغا حرا رشيداº فلا يصح الوقف من الصغير والسفيه والمملوك
وينعقد الوقف بأحد أمرين:
الأول: القول الدال على الوقفº كأن يقول: وقفت هذا المكان، أو جعلته مسجدا.
الأمر الثاني: الفعل الدال على الوقف في عرف الناس - كمن جعل داره مسجدا، وأذن للناس في الصلاة فيه إذنا عاما -، أو جعل أرضه مقبرة، وأذن للناس في الدفن فيها
وألفاظ التوقيف قسمان:
القسم الأول: ألفاظ صريحة، كأن يقول: وقفت، وحبست، وسبلت، وسميت... هذه الألفاظ صريحةº لأنها لا تحتمل غير الوقف، فمتى أتى بصيغة منهاº صار وقفا، من غير انضمام أمر زائد إليها.
والقسم الثاني: ألفاظ كنايةº كأن يقول: تصدقت، وحرمت، وأبدت... سميت كناية لأنها تحتمل معنى الوقف وغيره، فمتى تلفظ بواحد من هذه الألفاظº اشترط اقتران نية الوقف معه، أو اقتران أحد الألفاظ الصريحة أو الباقي من ألفاظ الكناية معه، واقتران الألفاظ الصريحةº كأن يقول: تصدقت بكذا صدقة موقوفة أو محبسة أو مسبلة أو محرمة أو مؤبدة، واقتران لفظ الكناية بحكم الوقفº كأن يقول: تصدقت بكذا صدقة لا تباع ولا تورث.
ويشترط لصحة الوقف شروط وهي:
أولا: أن يكون الواقف جائز التصرف كما سبق.
ثانيا: أن يكون الموقوف مما ينتفع به انتفاعا مستمرا مع بقاء عينه، فلا يصح وقف ما لا يبقى بعد الانتفاع بهº كالطعام.
ثالثا: أن يكون الموقوف معيناº فلا يصح وقف غير المعينº كما لو قال: وقفت عبدا من عبيدي أو بيتا من بيوتي.
رابعا: أن يكون الوقف على برº لأن المقصود به التقرب إلى الله - تعالى -º كالمساجد والقناطر والمساكين والسقايات وكتب العلم والأقاربº فلا يصح الوقف على غير جهة بر، كالوقف على معابد الكفار، وكتب الزندقة، والوقف على الأضرحة لتنويرها أو تبخيرها، أو على سدنتهاº لأن ذلك إعانة على المعصية والشرك والكفر
خامسا: ويشترط لصحة الوقف إذا كان على معين أن يكون ذلك المعين يملك ملكا ثابتاº لأن الوقف تمليكº فلا يصح على من لا يملك، كالميت والحيوان.
سادسا: ويشترط لصحة الوقف أن يكون منجزاº فلا يصح الوقف المؤقت ولا المعلق، إلا إذا علقه على موتهº صح ذلكº كأن يقول إذا متº فبيتي وقف على الفقراءº لما روى أبو داود: \" أوصى عمر إن حدث به حدث، فإن سمعا (أرض له) صدقة،، واشتهر، ولم ينكر، فكان إجماعا، ويكون الوقف المعلق على الموت من ثلث المالº لأنه يكون في حكم الوصية.
ومن أحكام الوقف أنه يجب العمل بشرط الواقف إذا كان لا يخالف الشرع، لقوله صلى الله عليه وسلم: (المسلمون على شروطهم، إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا) ولأن عمر - رضي الله عنه -وقف وقفا وشرط فيه شرطا، ولو لم يجب اتباع شرطهº لم يكن فيه فائدة، فإذا شرط منه مقدارا معينا أو شرط تقديما لبعض المستحقين على بعض أو جمعهم أو اشترط اعتبار وصف في المستحق أو اشترط عدمه أو شرط النظر على الوقف وغير ذلكº لزم العمل بشرطه، ما لم يخالف كتابا ولا سنة. فإن لم يشترط شيئا، استوى في الاستحقاق الغني والفقير والذكر والأنثى من الموقوف عليهم.
وإذا لم يعين ناظرا للوقف، أو عين شخصا ومات فالنظر يكون للموقوف عليه إن كان معينا، وإن كان الوقف على جهة كالمساجد، أو من لا يمكن حصرهم كالمساكينº فالنظر على الوقف للحاكم، يتولاه بنفسه، أو ينيب عنه من يتولاه.
ويجب على الناظر أن يتقي الله ويحسن الولاية على الوقفº لأن ذلك أمانة اؤتمن عليها.
وإذا وقف على أولاده استوى الذكور والإناث في الاستحقاقº لأنه شرك بينهم، وإطلاق التشريك يقتضي الاستواء في الاستحقاقº كما لو أقر لهم بشيءº فإن المقر به يكون بينهم بالسويةº فكذلك إذا وقف عليهم شيئا، ثم بعد أولاده لصلبه ينتقل الوقف إلى أولاد بنيه دون ولد بناتهº لأنهم من رجل آخر، فينسبون إلى آبائهم، ولعدم دخولهم في قوله - تعالى -:{يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَولَادِكُم} ومن العلماء من يرى دخولهم في لفظ الأولادº لأن البنات أولادهº فأولادهن أولاد أولاده حقيقة، والله أعلم.
ولو قال: وقف على أبنائي، أو: بني فلان، اختص الوقف بذكورهمº لأن لفظ البنين وضع لذلك حقيقة، قال - تعالى -:{أَم لَهُ البَنَاتُ وَلَكُمُ البَنُونَ} إلا أن يكون الموقوف عليهم قبيلة، كبني هاشم وبني تميمº فيدخل فيهم النساءº لأن اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها.
لكن إذا وقف على جماعة يمكن حصرهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم، وإن لم يمكن حصرهم واستيعابهم، كبني هاشم وبني تميم، لم يجب تعميمهمº لأنه غير ممكن، وجاز الاقتصار على بعضهم وتفضيل بعضهم على بعض.
والوقف من العقود اللازمة بمجرد القولº فلا يجوز فسخهº لقوله - عليه الصلاة والسلام -: (لا يباع أصلها ولا يوهب ولا يورث) قال الترمذي: \" العمل على هذا الحديث عند أهل العلم \". فلا يجوز فسخهº لأنه مؤبد، ولا يباع، ولا يناقل بهº إلا أن تتعطل منافعه بالكلية، كدار انهدمت ولم تمكن عمارتها من ريع الوقف، أو أرض زراعية خربت وعادت مواتا ولم يمكن عمارتها بحيث لا يكون في ريع الوقف ما يعمرهاº فيباع الوقف الذي هذه حاله، ويصرف ثمنه في مثلهº لأنه أقرب إلى مقصود الواقف، فإن تعذر مثله كاملا، صرف في بعض مثله، ويصير البديل وقفا بمجرد شرائه.
وإن كان الوقف مسجدا، فتعطل ولم ينتفع به في موضعه كأن خربت محلتهº فإنه يباع ويصرف ثمنه في مسجد آخر، وإذا كان على مسجد وقف زاد ريعه عن حاجتهº جاز صرف الزائد إلى مسجد آخرº لأنه انتفاع به في جنس ما وقف له، وتجوز الصدقة بالزائد من غلة الوقف على المسجد على المساكين.
وإذا وقف على معينº كما لو قال: هذا وقف على زيد، يعطى منه كل سنة مائة، وكان في ريع الوقف فائض عن هذا القدرº فإنه يتعين إرصاد الزائد، وقال الشيخ تقي الدين رحمه الله: \" إن علم أن ريعه يفضل دائما، وجب صرفهº لأن بقاءه فساد له \".
وإذا وقف على مسجد، فخرب، وتعذر الإنفاق عليه من الوقف صرف في مثل من المساجد
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد