إن الإحسان إلى الوالدين خلق عظيم، بغيره تضطرب الحياة الاجتماعية، وبه يستقيم التفاعل والتواصل، وقد أمرنا الله به بعد التوجه له بالعبادة، قال - تعالى -: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً) الإسراء: 23، وبر الوالدين من أحب الأعمال إلى الله - سبحانه وتعالى -، يتبوأ منزلة وسطى بين عماد الدين \"الصلاة\" وذروة سنامه \"الجهاد\"·
عن عبدالله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: سألت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، \"أي العمل أحب إلى الله؟ قال: الصلاة على وقتها· قلت: ثم أي؟ قال: بر الوالدين، قلت ثم أي؟ قال: الجهاد في سبيل الله\" رواه البخاري ومسلم·
ومن الإحسان إليهما التزام الآداب معهما وإليك بعض هذه الآداب:
ـ معرفة الآيات والأحاديث التي بيَّنت مكانة الوالدين وعظم برهما وخطورة العقوق والقطيعة لهما وهي أدلة كثيرة منها، قال الله - تعالى -: (واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً وبالوالدين إحساناً) النساء: 36، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: جاء رجل إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال: \"أمك\" قال ثم من؟ قال: \"أمك\"، قال ثم من؟ قال: \"أمك\"، قال ثم من؟ قال: \"أبوك\" متفق عليه، وعنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"رغم أنف ثم رغم أنف ثم رغم أنف من أدرك أبويه عند الكبر إحداهما أو كلاهما فلم يدخل الجنة\" رواه مسلم·
ـ حسن صحبتهما قال - تعالى -في الآية 51 من سورة لقمان: (وصاحبهما في الدنيا معروفاً)·
ـ معرفة فضلهما عليك فهما سبب وجودك في الحياة وفوق ذلك لهما من المعروف والفضل الكبير عليك لا يحدد بعدد ولا يقدر بثمن·
ـ الإحسان إليهما قال الله - تعالى -: (وبالوالدين إحساناً) البقرة: 83·
ـ توقيرهما واحترامهما وتعظيم شأنهما وتكريمهما بالقول والفعل·
ـ طاعتهما في كل ما يأمران به أو ينهيان عنه في غير معصية الله، والطاعة دليل المحبة وليس أصعب على الوالدين من أن يرفض الابن لهما طلباً أو أن يخالف لهما رغبة فذلك هو العقوق بعينه·
ـ برهما بكل ما تصل إليه يداك وتتسع له طاقتك من أنواع البر كالإطعام والكسوة ونحوهما·
ـ اعمل على كل ما يسرهما ويفرحهما ولو لم يأمرك به كالخدمة والشراء وغيرها·
ـ أنفق عليهما ولا تبخل ومن يبخل فإنما يبخل عن نفسه، عن أبي مسعود البدري - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: \"إذا أنفق الرجل على أهله نفقة يحتسبها فهي له صدقة\" متفق عليه·
ـ عليك بمشاورتهما في أعمالك وأمورك·
ـ تعلَّم أهمية الاستئذان ومكانته وآثاره فهلا استأذنت والديك في حلك وترحالك وفي كل أمر يحتاج إلى استئذان·
ـ لا تدخل عليهما بلا إذن امتثالاً لقوله - تعالى -: (وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الذين من قبلهم) النور: 59·
ـ ولا تأخذ شيئاً من أمتعتهما من دون إذنهما·
ـ احرص بارك الله فيك على إكرامهما ورضاهما وإكرام ضيفهما وأقاربهما·
ـ حافظ على سمعة والديك وشرفهما وحفظ سرهما واستر عوراتهما فإنها أمانة·
ـ إذا صنعا لك معروفاً ومعروفهما عليك كثير فاشكرهما وأثن عليهما (أن أشكر لي ولوالديك) لقمان: 41·
ـ إذا دعاك والداك لمناسبة أو وليمة أو نحوهما فأجب دعوتهما·
ـ عدم الإلحاح عليهما في الطلب فربما ذلك يؤذيهما كثيراً·
ـ عند مناداتهما ودعائهما فليكن ذلك بلطف وأدب ولا تدعهما باسمهما مجرداً·
ـ إذا كان والداك لا يجمعك وإياهما سكن واحد، أو كانا يسكنان في بلد وأنت في بلد آخر، فعليك بزيارتهما والاتصال بهما ومراسلتهما·
ـ إذا أقبلا عليك ودخلا فانهض لهما واستقبلهما·
ـ إذا كنت تسير معهما فلا تمش أمامهما ولا تدخل قبلهما \"عن أبي هريرة - رضي الله عنه - أنه رأى رجلاً مع آخر فقال: من هذا الذي معك؟ قال: أبي· قال: فلا تمش أمامه ولا تجلس قبله ولا تدعه باسمه ولا تستب له\"·
ـ لا تنم أو تضطجع إذا كانا جالسين أمامك·
ـ قبِّل رأس والديك وصافحهما وسلِّم عليهما إذا تجدد بينك وبينهما اللقاء·
ـ أنصت لحديثهما وتأدب معهما في أثناء مخاطبتك، وأقبل عليهما بوجهك وجسدك·
ـ فإذا مرض أحدهما فكن بجانبه ولا تتركه·
ـ احذر أن تكذب عليهما أو يحصل منك غيبة لهما أو لأحدهما·
ـ تجنب السخرية منهما (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم) الحجرات: 11·
ـ لا تنظر إليهما شذراً ولا تقطب وجهك أو تعبس إذا نظرت إليهما أو نظرا إليك، عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: طما بر أباه من شد إليه الطرف بالغضب\"·
ـ لا يعلو صوتك عليها، بل خفض الصوت مطلوب، وإياك ومقاطعتهما في الحديث أو رد كلاهما أو التعليق عليهما مستهزئاً·
ـ الحذر كل الحذر أن تترف عليهما أو تتكبر وامتثل لقوله - تعالى -: (واخفض لهما جناح الذل من الرحمة) الإسراء: 42·
ـ لا تناولهما شيئاً بيدك اليسرى، أو تأخذ منهما شيئاً بيدك اليسرى، فإن هذا مخالفة لهدي النبي - صلى الله عليه وسلم -·
ـ لا تتناول طعاماً قبلهما أو تمد يدك إلى مائدة الطعام قبلهما·
ـ لا تجلس في مكان أعلى منهما، ولا تخاطبهما وأنت جالس إذا كانا واقفين·
ـ إياك أن تنهرهما أو تتضجر منهما لقوله - تعالى -: (فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريماً) الإسراء: 23·
ـ لا تزعجهما إذا كانا نائمين أو مريضين، ولا تدخن أمامهما إذا كنت مبتلى بشرب الدخان·
ـ لا تكثر من مجادلتهما أو تخطئهما أو تسفه رأيهما أو تقدم رأي غيرهما على رأيهما فهذا ينافي الآداب معهما·
ـ احذر أن تفضل زوجك أو ولدك عليهما·
ـ لا تمنن عليهما ببرك فمهما قدمت لهما لا تصل معشار ما قدما لك·
ـ إياك أن تسب الناس فيسبوا والديك·
ـ احذر عقوق الوالدين بعامة، واعتذر إذا بدر منك نحوهما خطأ أو مخالفة·
وصية للأبناء
اعلم أن بر الوالدين يكون حتى بعد موتهما، فمن أبر البر أن تصل أهل ود أبيك من أقارب ومعارف، قال - صلى الله عليه وسلم -: \"إن من أبر البر أن يصل الرجل أهل ود أبيه بعد أن يولي\" رواه مسلم·
ثم عليك بتنفيذ عهدهما ووصيتهما من بعد موتهما، عن مالك بن ربيعة الساعي - رضي الله عنه - قال: بينما نحن عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، إذ جاء رجل من بني سلمة فقال: يا رسول الله: هل بقي من بر والدي شيء أبرهما به بعد موتهما؟ قال: \"نعم، الصلاة عليهما والاستغفار لهما، وإنفاذ عهدهما من بعدهما وصلة الرحم التي لا توصل إلا بهما وإكرام صديقهما\" رواه أبوداود·
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد