الصبر


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

 الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعينº أما بعد:

1 - تعريف الصبر.

2 - أهمية الصبر.

أولاً: تعريف الصبر.

الصبر: لغة هو: الحبس والكف.

اصطلاحاً: هو حبس النفس على فعل شيءٍ, أو تركهِ ابتغاء وجه الله.

وقيل: هو حبسُ النفس عن الجزع والتسخط، وحبسُ اللسانِ عن الشكوى، وحبسُ الجوارح عن التشويش.

وقيل: هو تركُ الشكوى من ألمِ البلوى لغير الله، إلاَّ إلى الله.

 

ثانياً: أهمية الصبر.

الصبر من أبرز أخلاق المؤمنين، وأجل أعمال الصالحين، ولأهميتهِ جاءَ ذكرهُ في القرآن في أكثر من تسعين موضعاً، ولعل أهميته تتبين فيما يلي:

1- جعل الله - عز وجل - الإمامة في الدين موروثةً عن الصبر واليقين بقوله ((وَجَعَلنَا مِنهُم أَئِمَّةً يَهدُونَ بِأَمرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ))، وذلك أيها الأخ لأنَّ المسلم معرضٌ في دنياه لفتنتين، فتنةُ الشهوات، وهذه يقاومها بالصبر، وفتنةُ الشبهات وهذه يقاومها باليقين.

2- الصبر من صفات الأبرار.

فقال - تعالى -: ((لَيسَ البِرَّ أَن تُوَلٌّوا وُجُوهَكُم قِبَلَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَن آمَنَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى المَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي القُربَى وَاليَتَامَى وَالمَسَاكِينَ وَابنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالمُوفُونَ بِعَهدِهِم إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُم المُتَّقُونَ)).

3- الصبر من صفات المتقين.

فقال - تعالى -: ((لَتُبلَوُنَّ فِي أَموَالِكُم وَأَنفُسِكُم وَلَتَسمَعُنَّ مِن الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ مِن قَبلِكُم وَمِن الَّذِينَ أَشرَكُوا أَذًى كَثِيرًا وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِن عَزمِ الأُمُورِ)).((قَالُوا أَئِنَّكَ لأَنتَ يُوسُفُ قَالَ أَنَا يُوسُفُ وَهذَا أَخِي قَد مَنَّ اللَّهُ عَلَينَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيَصبِر فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجرَ المُحسِنِينَ)).

4- الصبر من صفات المخبتين.

 فقال - تعالى -: ((وبشر المخبتين الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَت قُلُوبُهُم وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُم وَالمُقِيمِ الصَّلاةِ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ)).

5- الصبر من صفات المؤمنينز

فقال- صلى الله عليه وسلم -: ((عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذلك إلا للمؤمن إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له)).

6- الصبر جاءَ مقروناً ببعض العبادات.

مما يدلك على أنَّ القيام بها يحتاجُ إلى صبر، فتجد الصبر مقروناً بالأعمال الصالحة عموماً في قوله - تعالى -: ((إلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ لَهُم مَغفِرَةٌ وَأَجرٌ كَبِيرٌ)).

 وتجد الصبر مقروناً بالتقوى، في مثل قوله - تعالى -: ((قُل أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيرٍ, مِن ذَلِكُم لِلَّذِينَ اتَّقَوا عِندَ رَبِّهِم جَنَّاتٌ تَجرِي مِن تَحتِهَا الأَنهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَرِضوَانٌ مِن اللَّهِ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالعِبَادِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغفِر لَنَا ذُنُوبَنَا وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ الصَّابِرِينَ وَالصَّادِقِينَ وَالقَانِتِينَ وَالمُنفِقِينَ وَالمُستَغفِرِينَ بِالأَسحَارِ))

وتجد الصبر مقروناً بالصلاة، في مثل قوله - تعالى -: ((وَاستَعِينُوا بِالصَّبرِ وَالصَّلاةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلا عَلَى الخَاشِعِينَ)).

وقوله: ((يا أيها الذين أمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين)).

وتجد الصبر مقروناً بالجهاد، في مثل قوله - تعالى -: ((وَلَنَبلُوَنَّكُم حَتَّى نَعلَمَ المُجَاهِدِينَ مِنكُم وَالصَّابِرِينَ وَنَبلُوَ أَخبَارَكُم)).

وقوله: ((ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)).

وتجد الصبر مقروناً بالتسبيح والاستغفار، في مثل قوله - تعالى -: ((فَاصبِر إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقُّ وَاستَغفِر لِذَنبِكَ وَسَبِّح بِحَمدِ رَبِّكَ بِالعَشِيِّ وَالإِبكَارِ)).

7- رُتب عليه أجر عظيم.

وجُعل سبباً لدخول الجنة: ((وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا)).

وقوله: ((إِنِّي جَزَيتُهُم اليَومَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُم هُم الفَائِزُونَ)).

وقوله: ((سَلامٌ عَلَيكُم بِمَا صَبَرتُم فَنِعمَ عُقبَى الدَّارِ)).

وقوله: ((إِنَّ المُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ وَالقَانِتِينَ وَالقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالخَاشِعِينَ وَالخَاشِعَاتِ وَالمُتَصَدِّقِينَ وَالمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالحَافِظِينَ فُرُوجَهُم وَالحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَغفِرَةً وَأَجرًا عَظِيمًا)).

وقوله: ((مَا عِندَكُم يَنفَدُ وَمَا عِندَ اللَّهِ بَاقٍ, وَلَنَجزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجرَهُم بِأَحسَنِ مَا كَانُوا يَعمَلُونَ)).

وقوله: ((وَلَنَبلُوَنَّكُم بِشَيءٍ, مِن الخَوفِ وَالجُوعِ وَنَقصٍ, مِن الأَموَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّر الصَّابِرِينَ)).

يقول أبو طالب المكي: (اعلم أنَّ الصبر سببٌ دخول الجنة، وسببٌ النجاة من النار، لأنَّه جاء في الخبر (حفت الجنة بالمكاره، وحفت النار بالشهوات).

8- الإخبار عن مضاعفة أجر الصابرين على غيره ز

كقوله: ((أُولَئِكَ يُؤتَونَ أَجرَهُم مَرَّتَينِ بِمَا صَبَرُوا وَيَدرَءُونَ بِالحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ وَمِمَّا رَزَقنَاهُم يُنفِقُونَ)).

وقوله: ((قُل يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُم لِلَّذِينَ أَحسَنُوا فِي هَذِهِ الدٌّنيَا حَسَنَةٌ وَأَرضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجرَهُم بِغَيرِ حِسَابٍ,)).

قال سليمان بن القاسم: كل عملٍ, يعرف ثوابه إلاَّ الصبر، قال الله - تعالى -: ((إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب)) قال كالماء المنهمر.

9- حصول الصابر على معيةِ الله - سبحانه وتعالى -، قال - تعالى -: ((وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفشَلُوا وَتَذهَبَ رِيحُكُم وَاصبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)).

10- حصول الصابر على محبة الله - سبحانه وتعالى -.

 ((وَكَأَيِّن مِن نَبِيٍّ, قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيٌّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُم فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا استَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبٌّ الصَّابِرِينَ)).

11- حصول الصابر على ثلاث جوائز لم تعط لغيره.

وهى الصلاة منهُ عليهم، ورحمته لهم، وهدايته إياهم، قال - تعالى -: ((وبشر الصابرين الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون)).

وقال بعض السلف وقد عُزي على مصيبةٍ, نالته، فقال: مالي لا أصبر وقد وعدني الله على الصبر ثلاث خصال، كل خصلةٍ, منها خيرٌ من الدنيا وما عليها.

12- خصال الخير لا يلقاها إلاَّ الصابرون.

قال - تعالى -: ((وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلمَ وَيلَكُم ثَوَابُ اللَّهِ خَيرٌ لِمَن آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا وَلا يُلَقَّاهَا إِلا الصَّابِرُونَ)).

وقال: ((وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ, عَظِيمٍ,)).

13- الانتفاع بآيات الله.

إنَّما تكون للصابر، وهذا يتبين في مثل قوله - تعالى -: ((إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور)).

14- الصبر سببٌ لحصولِ النصر.

قال - تعالى -: ((بَلَى إِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأتُوكُم مِن فَورِهِم هَذَا يُمدِدكُم رَبٌّكُم بِخَمسَةِ آلافٍ, مِن المَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ)).

وقال- صلى الله عليه وسلم -: ((واعلم أن النصر مع الصبر)).

15- الصبر سببٌ لرد كيد الأعداء.

 ((إِن تَمسَسكُم حَسَنَةٌ تَسُؤهُم وَإِن تُصِبكُم سَيِّئَةٌ يَفرَحُوا بِهَا وَإِن تَصبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرٌّكُم كَيدُهُم شَيئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعمَلُونَ مُحِيطٌ)).

16- الصبر سببٌ للحصول على ما تريد.

فإذا ما أردت شيئاً فاصبر على طلبهِ لتحصل عليه.

 

قل من جد في أمرٍ, يحاوله *** واستصحب الصبر إلاَّ فاز بالظفر.

 

وقال آخر:

لا تيأسنَ وإن طالت مطالبه *** إذا استعنت بصبرٍ, أن ترى فرجا

أخلق بذي الصبر أن يحظى بحاجته *** ومدمنُ القرعِ للأبواب أن يلجا

17- أكثرُ الأخلاقِ تدورُ عليه.

وتصدرُ منه، فمثلاً:

العفة: صبرٌ عن شهوةِ الفرجِ والعينِ المحرمة.

وشرفُ النفس: صبرٌ عن شهوةِ البطن.

وكتمان السر: صبرٌ عن إظهارِ مالا يحسنُ إظهارهُ من الكلام.

والزهد: صبرٌ عن فضول العيش.

والشجاعة: صبرٌ عن داعي الفرارِ والهرب.

والحلم: صبرٌ عن إجابةِ داعي الغضب.

والعفو: صبرٌ عن إجابةِ داعي الانتقام.

والجود: صبرٌ عن إجابةِ داعي الإمساك والبخل.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply