بسم الله و الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله و على آله و صحبه ومن والاه. أما بعد
فالأمة مستهدفة، وهي تمر بمرحلة عصيبة، تسلط فيها الأعداء على رقاب البلاد و العباد، وصار حال المسلمين أشبه باليتيم على موائد اللئام أو كالمستجير من الرمضاء بالنار، وبدلا ً من إساءة الظن بالنفس وإتهامها بالتفريط والتقصير في أمر الله، فما حدث إلا بما كسبت أيدينا وهو من عند أنفسنا، نقول بدلاً من الصلح مع الله حتى يعود لنا نصرنا وعزنا و تمكيننا الغائب، وجدنا البعض لا يستبطأ النصر فحسب و إنما يسب الزمان، ويتهم دينه، ويستحمق القدر، ورأينا و سمعنا من لا ينتقص المسلمين ويشمت فيهم وحسب، وإنما ينبهر بأعدائهم من الكفرة الفجرة، وفريق قد أصابه اليأس والقنوط..... إلى غير ذلك من الظنون السيئة، و التي هي أقرب إلى ظن الجاهلية،
ولما كان السلوك مرآة الفكر، وكل إناء بما فيه ينضح فقد ترتب على هذه الظنون السيئة أخطر السلوكيات، مما جعل شياطين الأنس و الجن يحرصون على تغذيتها بشتي الصور، ولذلك كان لا بد من تدارك لمعرفة الداء والدواء، وقراءة السنن الشرعية والكونية قراءة واعية، يقول ابن القيم.. رحمة الله عليه فى تفسير قوله تعالى: ( الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوءِ عَلَيهِم دَائِرَةُ السَّوءِ ) \" الفتح: 6
\" فسر هذا الظن بأنه - سبحانه - لا ينصر رسوله، وأن أمره سيضمحل، وفسر أن ما أصابهم لم يكن بقدر الله و حكمته، ففسر بإنكار الحكمة وإنكار أن يتم أمر رسوله، وأن يظهره على الدين كله، وهذا هو ظن السوء الذى ظن المنافقون و المشركون، وإنما كان هذا ظن السوء لأنه ظن غير ما يليق به - سبحانه - وما يليق بحكمته وحمده ووعده الصادق، فمن ظن أنه يديل الباطل على الحق إدالة مستقرة يضمحل معها الحق، أو أنكر أن يكون ما جرى بقضائه و قدره، وأنكر أن يكون قدره لحكمة بالغة يستحق عليها الحمد، بل زعم أن ذلك لمشيئة مجردة
(ذلك ظن الذين كفروا فويل للذين كفروا من النار) ص 25،
إن سوء الظن بالله من الكبائر وهو ابلغ من اليأس والقنوط وذلك لتجويزه على الله - تعالى -أشياء لا تليق بكرمه و جوده، فالنصر عقبى الصابرين، وربنا لا يضيع أجر المحسنين، و العاقبة للمتقين، وهو - سبحانه - لا يصلح عمل المفسدين قال - تعالى -:(هُوَ الَّذِي أَخرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أَهلِ الكِتَابِ مِن دِيَارِهِم لِأَوَّلِ الحَشرِ مَا ظَنَنتُم أَن يَخرُجُوا وَظَنٌّوا أَنَّهُم مَّانِعَتُهُم حُصُونُهُم مِّنَ اللَّهِ فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِن حَيثُ لَم يَحتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرٌّعبَ يُخرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيدِيهِم وَأَيدِي المُؤمِنِينَ فَاعتَبِرُوا يَا أُولِي الأَبصَارِ ) الحشر: 2 \"
و قال - سبحانه - : (بَل ظَنَنتُم أَن لَّن يَنقَلِبَ الرَّسُولُ وَالمُؤمِنُونَ إِلَى أَهلِيهِم أَبَدًا وَزُيِّنَ ذَلِكَ فِي قُلُوبِكُم وَظَنَنتُم ظَنَّ السَّوءِ وَكُنتُم قَومًا بُورًا ) \" الفتح: 12 \"
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال \" (ومن الناس من يعبد الله على حرف) وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرفٍ, فَإِن أَصَابَهُ خَيرٌ اطمَأَنَّ بِهِ وَإِن أَصَابَتهُ فِتنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجهِهِ خَسِرَ الدٌّنيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الخُسرَانُ المُبِينُ) \" الحج: 11 \" قال: كان الرجل يقدم المدينة فإن ولدت إمرأته غلاما و نتجت خيله قال: هذا دين صالح، وإن لم تلد إمرأته ولم تنتج خيله قال: هذا دين سوء، وفى الحديث قال الله - عز وجل - (يؤذيني ابن آدم، يسب الدهر و أنا الدهر، أقلب الليل و النهار ) رواه البخاري و مسلم.
قال ابن القيم- رحمه الله -: أكثر الناس يظنون بالله ظن السوء فيما يختص بهم وفيما يفعله بغيرهم، فقلَّ من يسلم من ذلك إلا من عرف الله وأسماءه و صفاته، وهو موجب حكمته و حمده فليعتن اللبيب الناضج لنفسه بهذا، و ليتب إلى الله - تعالى - ويستغفره من ظنه بربه ظن السوء ولو فتشت من فتشت لرأيت عنده تعنتا على القدر، وملامة له، يقول: إنه كان ينبغي أن يكون كذا و كذا فمستقل و مستكثر و فتش نفسك هل أنت سالم؟ فإن تنج منها تنج من ذي عظيمة.. وإلا فإني لا إخالك ناجيا.
كان أجدر بنا أن نعاود مهمتنا ودورنا في الحياة فنقيم واجب العبودية و نسعى في إيصال الحق للخلق جميعا، كما قال ربعي بن عامر لرستم قائد الفرس: \" ابتعثنا لله لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الآخرة ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام \" فبدلا من النهوض بذلك صرنا مرتعا لدعوات الآخرين، ينشرون فينا الديمقراطية اللواطية و الحريات الإباحية، كان الواجب علينا أن نتوب من التبرج والعرى و الخلاعة و الإختلاط المريب هانت أعراضنا علينا، فلا يستبعد هوانها على أعداء الإسلام و المسلمين، فصرنا نسمع عن الإغتصاب غير المسبوق على هذا النحو، ووجد فينا الجلادون الظلمة الذين لا تأخذهم بمسلم رحمة ولا شفقة، و الذين عناهم الصادق المصدوق بقوله \" صنفان من أمتي لم أرهما بعد رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، و نساء كاسيات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة.. الحديث رواه مسلم،
فهل نستغرب إذا فعل بنا الكفرة مثل هذه الأفاعيل، وقد عناهم - سبحانه - بقوله : (لاَ يَرقُبُونَ فِي مُؤمِنٍ, إِلاًّ وَلاَ ذِمَّةً ) \" التوبة: 10 \" وقال : (وَلَن تَرضَى عَنكَ اليَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُم ) \" البقرة: 120 \" لقد صار ولاء البعض منا لأعداء الإسلام ويستعين بهم البعض على البعض الآخر، وطائفة من جلدتنا ويتكلمون بلساننا، يسارعون فبهم، وينهجون نهجهم و يأخذون النجاسات الموجودة عند الأعداء وبزعم أن فيها صلاح البلاد والعباد، وهؤلاء الى النفاق أقرب، قال تعالي: (فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخشَى أَن تُصِيبَنَا دَآئِرَةٌ فَعَسَى اللّهُ أَن يَأتِيَ بِالفَتحِ أَو أَمرٍ, مِّن عِندِهِ فَيُصبِحُوا عَلَى مَا أَسَرٌّوا فِي أَنفُسِهِم نَادِمِينَ) المائدة: 52 و عاب - سبحانه - على المنافقين الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين قال: (أَيَبتَغُونَ عِندَهُمُ العِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا) \" النساء: 139 \"
وهذه أمثلة على حالة الغربة التي آلت إليها الأمة، فبدلا من اتهام ديننا و سوء الظن بالله، كان الواجب علينا أن نتوب إلى الله وأن نثق في وعده الصادق (وَكَانَ حَقًّا عَلَينَا نَصرُ المُؤمِنِينَ ) \"الروم: 47 \" فهو - سبحانه - الذي نصر عبده و أعز جنده و هزم الأحزاب وحده و قال: ( إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَد نَصَرَهُ اللّهُ ) \" التوبة: 40 \" ومن طالع قصص الإغتصاب و إستكراه الأعداء للمسلمين و الشذوذ و قتلهم للشيوخ و النساء و الأطفال و إنتهاكهم لحرمة المساجد لعلم مدى عداوتهم للإسلام و أهله وزيف الشعارات التي يرددونها عن حقوق الإنسان و نشر الرخاء و الحرية، لقد أنفضح أمره لكل ذي عينين وفى هذا الخير الكثير ليحيى من حيى عن بينة ويهلك من هلك أيضا عن بينة، كان البعض يقول: تبكون على من مات جسده ولا تبكون على من مات قلبه وهو أشد. لا يسعنا إلا أن نحسن الظن بربنا فتدبير الأعداء تدميرهم، وكيدهم دائما يرتد إلى نحورهم، وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر و بأقوام لا خلاق لهم. وهذا الدين سيبلغ مداه. بإذن الله بعز عزيز أو بذل ذليل، عز يعز به الله الإسلام وذلا يذل به الكفر، وما ذلك على الله بعزيز، ولتعلمن نبأه بعد حين،
( هُوَ الَّذِي أَرسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ) \" التوبة: 33 \"
فإن أنطوى الواقع على مذلة و مهانة و هزيمة وشر، فاحرصوا على الخروج من هذا الواقع السيئ ما وسعكم الأمر متوكلين على الله، واصلين الأرض بالسماء و الدنيا بالآخرة ينصركم - سبحانه - و يمددكم بمدد من عنده، حتى و إن كنتم قلة مستضعفين في الأرض بلا عدد ولا عتاد قال تعالى:( وَلَقَد نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدرٍ, وَأَنتُم أَذِلَّةٌ) وقال: (وَاذكُرُوا إِذ أَنتُم قَلِيلٌ مٌّستَضعَفُونَ فِي الأَرضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُم وَأَيَّدَكُم بِنَصرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُم تَشكُرُونَ) الأنفال: 26 وقال (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ استُضعِفُوا فِي الأَرضِ وَنَجعَلَهُم أَئِمَّةً وَنَجعَلَهُمُ الوَارِثِينَ)القصص: 5 فسلاح الإيمان هو السلاح الذي لا يقهر ومن يعتصم بالله فقد هدي إلى صراط مستقيم ولنا فيما من مضى بإحسان أسوة وقدوة (قَالَ الَّذِينَ يَظُنٌّونَ أَنَّهُم مٌّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ, قَلِيلَةٍ, غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ )البقرة: 249 وقال: (لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً)النور: 15 (بأنفسهم أي بإخوانهم) فالأخ كالنفس وقال تعالى (حَتَّى إِذَا استَيأَسَ الرٌّسُلُ وَظَنٌّوا أَنَّهُم قَد كُذِبُوا جَاءهُم نَصرُنَا فَنُجِّيَ مَن نَّشَاء وَلاَ يُرَدٌّ بَأسُنَا عَنِ القَومِ المُجرِمِينَ) يوسف: 110
وقال (أَم حَسِبتُم أَن تَدخُلُوا الجَنَّةَ وَلَمَّا يَأتِكُم مَّثَلُ الَّذِينَ خَلَوا مِن قَبلِكُم مَّسَّتهُمُ البَأسَاء وَالضَّرَّاء وَزُلزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصرَ اللّهِ قَرِيبٌ )البقرة: 214 \"
عن أبي بكر - رضي الله عنه - قال: قلت للنبي صلي الله عليه وسلم وأنا في الغار: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا، فقال: ما ظنك يا أبا بكر إثنان الله ثالثهما \" رواه البخاري ومسلم. وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - عن رسول الله صلي الله عليه وسلم: أن الله - عز وجل - قال: أنا عند ظن عبدي بي، إن ظن بي خيرا ً فله، وإن ظن شرا ً فله \" رواه أحمد وصححه الألباني، وفي الحديث \" إن حسن الظن بالله تعالي من حسن العبادة \" رواه أبو داود و الترمذي وهو حسن، وعن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال: \" والذي لا إله غيره ما أعطي عبد مؤمن شيئا ً خيراً من حسن الظن بالله - عز وجل -، والذي لا إله غيره، لا يحسن عبد بالله - عز وجل - الظن إلا أعطاه الله - عز وجل - ظنه ذلك بأن الخير في يده، ولما قيل لعلي بن بكار، ما حسن الظن بالله؟ قال ألا يجمعك والفجار في دار واحدة. وعن سفيان الثوري - رحمه الله - في قوله تعالي (وَأَحسِنُوَا إِنَّ اللّهَ يُحِبٌّ المُحسِنِينَ)البقرة: 195 قال: أحسنوا الظن بالله. فيا عباد الله فاثبتوا فلا ملجأ ولا منجا من الله إلا إليه، ولا عاصم من أمر الله إلا من رحمه، وإبتلاء الله للمؤمن رحمة وللكافر نقمة.
(فَمَا يُكَذِّبُكَ بَعدُ بِالدِّينِ أَلَيسَ اللَّهُ بِأَحكَمِ الحَاكِمِينَ )\" التين 7، 8 \" وربكم غير مطعون في قضائه، فهو بقسطه وعلمه جعل الروح والفرح في اليقين والرضا وجعل الهم والحزن في الشك والسخط، كربكم وإن أشتد سيزول بأذن الله، وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب وأن مع العسر يسر، ولن يغلب عسر يسرين، فأبشروا، فهذه الأمة شأنها كشأن المطر لا يدري أوله خير أم آخره خير، هي أمة ولادة، وألم المخاض سينقشع عن صلاح جديد، سيبزغ الفجر ويتلاشي الظلم والظلام .
(وَيَومَئِذٍ, يَفرَحُ المُؤمِنُونَ بِنَصرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ العَزِيزُ الرَّحِيمُ ) الروم: 4، 5
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد