سأتكلم عن لغة لا تحتاج إلى ترجمة، هي أجمل شيء في الوجود، وسلاح للحياة والعقل، بل هي مفتاح ٌ للقلوب، فعلها لا يكلف شيئا، ولا تستغرق أكثر من لمحة بصر، لكن أثرها يخترق القلوب، ويسلِبُ العقول، ويذهب الأحزان، ويصفي النفوس، ويكسر الحواجز مع بني الإنسان، فعلها الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، وتعبَّد بها خلق كثيرٌ ممن سار على نهجه.
إنها الابتسامة:
أخي الفاضل...أختي الفاضلة.
الابتسامة الساحرة، الابتسامة الرائعة، الابتسامة الجذابة، الابتسامة الحارة، لا بد أن يكون لها واقع عملي مع الزوجات والأولاد، والجيران والأقارب، وكل من نعرف ومن لا نعرف، لأنها بلسمٌ شافي، ونورٌ محبب.
فقَد فَقَدَت بعض الزوجات تلك الابتسامة الجميلة التي تعبر عن الحب والصفاء، والروح النقية من ذلك الزوج، حتى استمَدَّ هذه العادة الأبناء، فتكونت أسرة تعادي بعضها بعضا بلمحات الوجه، وقسوة التعامل.
ولا شك أن المسلم في حياته تعتريه أكدار وهموم وأحزان وغموم، مما يحتاج حقيقة إلى من يجلي حلكتها، ويخترق ظلمتها بشيء من الابتسامة الرفيعة، والضحكة المتزنة، والدعابة المرموقة، لأن ذلك هو البلسم الناجع، والدواء النافع في ترويح النفس وطرد الآلام، وتخفيف الأحزان عن المسلم.
فيكفي ما يعرضه بعض بني الإنسان، من تقطيب الوجه، وكتم الابتسامة، واللمحات التي تنبئ بالكراهية والعداء، سواء كان ذلك للوالدين أو الأقارب، أو العمال، أو من استحقر رؤيتهم والجلوس معهم.
قال جرير بن عبد الله البجلي - رضي الله عنه- كما في البخاري: ((ما رآني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - منذ أسلمت إلا تبسم في وجهي)). وهذا يدل على جمال روح الحبيب - صلى الله عليه وسلم -، ويدل أيضاً على تأثر هذا الصحابي باستمرار ابتسامة الرسول - صلى الله عليه وسلم - حينما يلاقيه.
وليست هذه الابتسامة مع جرير فقط بل ورد عن عبد الله بن الحارث - رضي الله عنه - قال: ((ما رأيت أحداً أكثر تبسماً من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -)) [رواه الترمذي].
لقد كان رسول الهدى ونبي التقى محمد بن عبد الله صلوات ربي وسلامه عليه من أشرح الناس صدرا، وأعظمهم قدرا، وأعلاهم شرفا، وأبهاهم وجها، وأكثرهم تبسما - صلى الله عليه وسلم -، وما كان يتكلف الضحك، ولا يختلق الابتسامة، بل كان يمتلك نفوس أصحابه - رضي الله عنهم - بابتسامته المشرقة، وضحكته الهادئة اللطيفة، ليكسب قلوبهم ويفوز بودهم، ومع ذلك الفعل المستمر مع صحابته، يحثنا - صلى الله عليه وسلم - على التبسم ويقول: ((وتبسمك في وجه أخيك صدقة)).
ويقول- صلى الله عليه وسلم - كما في صحيح مسلم: ((إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسط الوجه وحسن الخلق)).
وقد كان الرسول- صلى الله عليه وسلم - يجلس مع أصحابه ويشاركهم في حديثهم، ويتبسم - صلى الله عليه وسلم - لما يذكرونه من أمور الجاهلية.
فقد كانت هذه ميزته حتى في غضبه، فيقول كعب بن مالك- رضي الله عنه- كما في البخاري في قصة تخلفه، وما كان من شأنه في غزوة تبوك: فجئته ـ أي النبي - صلى الله عليه وسلم - ـ فلما سلمت عليه تبسم تبسٌّم المغضب.
يا أيها الآباء، يا أيها المعلمون، يا أيها المربون، يا أيها المسئولون عاملوا الناس بأخلاق الرسول - صلى الله عليه وسلم -.
أنظروا إلى هذه الملاحظة الدقيقة التي لاحظها كعب بن مالك على رسول الله وهو يعلم أنه غضب عليه غضباً شديداً، وأمر بهجر الصحابة له أكثر من أربعين يوما بسبب تخلفه في غزوة تبوك، ومع ذلك قال: ((فتبسم تبسم المغضب)).
هل تريدون مثالاً ثانيا على تعامل وابتسامة الرسول في المواقف الحرجة؟
إليكم هذا المثال: يقول أنس بن مالك- رضي الله عنه-: كما في البخاري ((كنت أمشي مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم - وعليه رداء نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجذبه جذبة شديدة، قال أنس: فنظرت إلى صفحة عاتق النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أثرت به حاشية الرداء من شدة جذبته، ثم قال هذا الأعرابي: مر لي من مال الله الذي عندك) فماذا عمل الرسول مع هذا الموقف؟
((التفت وضحك ثم أمر له بعطاء)).
هذا مجمل ما أردت ذكره عن الابتسامة وطلاقة الوجه، وهذه إشارات من الإشارات، ولا أزعم أني أوفيت على الغاية في الإفادة، وما ذكرته من خلق هو لبنة على الطريق، وأرجوا أن تكون بقدر الياقوت والعقيق.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد