الحياء هو الحياة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، وبعد: الحياء ملك الأخلاق الحميدة وسلطان الأخلاق الرشيدة، وسيد الأخلاق المجيدة، وله ثمار عديدة، وحسنات فريدة، فهو مفتاح لكل خير وسعادة،

ومغلاق لكل شر وتعاسة، مفتاح لكل الطاعات، مغلاق لكل المعاصي والموبقات، مغلاق

للنار، مفتاح للجنات.

 

تعريف الحياء:

قال الحافظ ابن حجر: الحياء: خلق يبعث صاحبه على اجتناب القبيح ويمنع من التقصير في حق ذي الحق. [فتح الباري: 1/68]

 

علاقة الحياء بالحياة:

قال ابن القيم - رحمه الله -: الحياء مشتق من الحياة، والغيث يسمى حيًا - بالقصر - لأن به حياة الأرض والنبات والدواب وكذلك سميت بالحياة حياة الدنيا والآخرة، فمن لا حياء فيه فهو ميت في الدنيا شقي في الآخرة. [الداء والدواء: 96]

 

النظرة اللغوية لمعنى الحياء تشير إلى بعد آخر

هو العلاقة اللفظية الواضحة بين الحياء والحيا والحياة؟ إذ الحياء مدد للفضائل والقيم كما أن الحيا هو المطر يحيي الأرض وينشر الخير والخصب، وإذا كانت الحياة تعني الحيوية والعطاء والنمو والتأثير فإن الحياء يعني ذلك كله بالنسبة للمنهج الأخلاقي في كل أعراف البشر.

 

من فضائل الحياء:

للحياء فوائد حميدة، وفضائل عديدة وثمار مديدة منها:

1 ـ الحياء مفتاح كل خير:

في الصحيحين: عن عمران بن حصين قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «الحياء لا يأتي إلا بخير».

يقول ابن حجر رحمه اللَّه: إذا صار الحياء عادة وتخلق به صاحبه يكون سببًا يجلب الخير إليه فيكون منه الخير بالذات والسبب. [فتح الباري: 539/10]

الحياء أصل كل خير وذهابه ذهاب الخير أجمعه. [الداء والدواء 96]

2ـ الحياء مغلاق لكل شر:

في صحيح البخاري (6120) عن أبي مسعود قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستح فاصنع ما شئت».

قال الخطابي: الحكمة في التعبير بلفظ

الأمر دون الخبر في الحديث أن الذي يكف الإنسان عن مواقعة الشر هو الحياء فإذا تركه صار كالمأمور بارتكاب كل شر. [فتح الباري: 10/540]

قال ابن القيم: خُلق

الحياء من أفضل الأخلاق وأجلها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا بل هو خاصة الإنسانية، فمن لا حياء فيه فليس معه من الإنسانية إلا اللحم والدم وصورتهما الظاهرة كما أنه ليس معه من الخير شيء. [مفتاح دار السعادة 227]

إن الحياء في حقيقته شجاعة تملأ القلب فتمسك بتلابيب النفس حتى لا تنغمس في شهواتها وتتورط في هواها وتنطلق تتعدى الحدود وتحطم القيود.

نلاحظ هنا: أن الحياء الحقيقي هو الذي يغلق أمامك كل أبواب الشر ويفتح لك أبواب الخير.

3 ـ الحياء مفتاح لكل الطاعات:

في الصحيحين عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا اللَّه، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان». وقد سمى الحياء من الإيمانº لكونه باعثًا على فعل الطاعة وحاجزًا عن فعل المعصية فإن قيل لِمَ أُفرد بالذكر هنا؟ أجيب بأنه - الحياء - كالداعي إلى باقي الشٌّعَب - أي شعب الإيمان. [الفتح: 1/68]

معنى ذلك أن الحياء الحقيقي يحفزك على فعل باقي شعب الإيمان الكثيرة وكافة الطاعات.

4 ـ الحياء مفتاح محبة اللَّه - تعالى -: عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن اللَّه - تعالى -إذا أنعم على عبد يحب أن يرى أثر النعمة عليه ويكره البؤس والتباؤس ويبغض السائل الملحف ويحب الحيي العفيف المتعفف». [صحيح الجامع 1711]

فاللَّه - تعالى -يحب الحياء وبالتالي يحب أهل الحياء ومن أحبه اللَّه - تعالى -صار سعيدًا في كل حياته وعند مماته وفي قبره ويوم لقاء اللَّه - تعالى -.

5 ـ الحياء من مفاتيح الزينة والبهاء: عن أنس - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «ما كان الفحش في شيء إلا شانه، وما كان الحياء في شيء إلا زانه». [رواه الترمذي (1974) وصححه الألباني]

وقال القرطبي: من الحياء ما يحمل صاحبه على الوقار بأن يُوقر غيره ويتوقر هو في نفسه. [الفتح 10/538]

6 ـ الحياء من مفاتيح الأمن يوم القيامة: في صحيح البخاري (660) عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «سبعة يظلهم اللَّه في ظله يوم لا ظل إلا ظله: الإمام العادل، وشاب نشأ في عبادة ربه، ورجل قلبه معلق في المساجد، ورجلان تحابا في اللَّه اجتمعا عليه وتفرقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف اللَّه، ورجل تصدق أخفى حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، ورجل ذكر اللَّه

خاليًا ففاضت عيناه».

نلاحظ في هذا الحديث أن قوة الحياء الحقيقية متوافرة فيهم أجمعين، ويأتي منهم هذا الرجل العجيب الذي تعرض لفتنة عظيمة ألا وهي فتنة النساء وما أدراك ما فتنة النساء؟! امرأة كاملة الأوصاف من مال وجمال ومنصب

تدعوه إلى الزنى، ومن العجب أنها مع الجمال والمنصب هي التي تدعوه إلى الفاحشة، ولكن قوة الحياء من اللَّه - تعالى -تمنعه، ويقول: إني أخاف اللَّه، فكان الجزاء من جنس العمل فأظله اللَّه في ظل عرشه يوم الفزع الأكبر.

قال القرطبي: قوله: «إني أخاف اللَّه إنما يصدر ذلك عن شدة خوف من اللَّه - تعالى -ويقين وتقوى».

[فتح الباري 2/660]

7 ـ الحياء من مفاتيح الجنة: عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «الحياء من الإيمان، والإيمان في الجنة». [رواه الترمذي (2009) وصححه الألباني]

 

نماذج من أهل الحياء:

1 ـ نبينا محمد - صلى الله عليه وسلم -:

لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا [الأحزاب: 21].

في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أشد حياءً من العذراء في خدرها، فإذا رأى شيئًا يكرهه عرفناه في وجهه. العذراء: هي المرأة التي لم تتزوج وهي شديدة الحياء لأنها لم تتزوج وتعاشر الرجال فتجدها حيية في خدرها (سترها)، فرسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - أشد حياء منها. [شرح رياض الصالحين]

2 ـ نبي اللَّه موسى - عليه السلام -: في كتاب اللَّه - عز وجل - نرى هذا الموقف: فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير (24) فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين (25) قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين [القصص: 24- 26].

قال ابن عباس - رضي الله عنهما -: سار موسى - عليه السلام - من مصر إلى مدين ليس له طعام إلا البقل وورق الشجر وكان حافيًا فما وصل إلى مدين حتى سقطت نعل قدميه وجلس في

الظل وهو صفوة اللَّه من خلقه، وإن بطنه للاصق بظهره من الجوع وإن خضرة البقل لترى من داخل جوفه وإنه لمحتاج إلى شق تمرة. [تفسير ابن كثير: 3/397]

فوجد امرأتين فأحسن إليهما وسقى لهما الغنم وجلس يستريح في الظل يدعو اللَّه قائلاً: رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير. فكانت إجابة الدعاء سريعة، يقول - تعالى -: فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا، تمشي على استحياء مشية الفتاة الطاهرة الفاضلة العفيفة النظيفة حين تلقى الرجال على استحياء، في غير ما تبذل ولا تبرج ولا تبجح ولا إغواء، جاءته لتنهى إليه دعوة في أقصر لفظ وأخصره يحكيه القرآن بقوله: إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا.

هذا الحياء علم المرأة طاعة اللَّه - تعالى -، وعلمت عن موسى - عليه السلام - الأمانة، ولذلك قالت المرأة لأبيها: يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين [القصص: 26].

 

كيف نكتسب الحياء؟

الحياء موجود في فطرة الإنسان ويحتاج إلى أن ننميه في أقوالنا وأفعالنا، وذلك عن طريق: جامع أوصاف الحياء:

عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «استحيوا من اللَّه تعالى حق الحياء، قال: قلنا يا رسول الله إنا نستحي والحمد لله، قال: ليس ذلك، ولكن الاستحياء من اللَّه حق الحياء أن تحفظ الرأس وما وعى، البطن وما حوى، ولتذكر الموت والبِلَى، ومن أراد الآخرة ترك زينة الدنيا، فمن فعل ذلك فقد

استحيا من اللَّه حق الحياء». [صحيح سنن الترمذي وحسنه]

فالحياء من اللَّه تعالى أن تحفظ الرأس وما وعى: يدخل فيه حفظ السمع والبصر واللسان من المحرمات، وحفظ البطن وما حوى: يتضمن حفظ القلب عن الإصرار على ما حرم اللَّه ويتضمن أيضًا حفظ البطن من إدخال الحرام إليه من المآكل والمشارب، ومن أعظم ما يجب حفظه من نواهي اللَّه - عز وجل - اللسان والفرج. [جامع العلوم والحكم 206]

 

حياء يرفضه الإسلام:

هناك صور يرفضها الإسلام لأنها ليست من الحياء في شيء، منها على سبيل المثال:

1 ـ الحياء في طلب العلم: في صحيح مسلم عن سعيد بن المسيب أن أبا

موسى قال لعائشة - رضي الله عنها -: إني أريد أن أسألك عن شيء وأنا أستحي منك. فقالت: سل ولا تستحي فإنما أنا أمك، فسألها عن الرجل يغشى ولا ينزل، فقالت عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إنه إذا أصاب الختان الختان فقد وجب الغسل». قال مجاهد: لا يتعلم العلم مستحي ولا مستكبر، وقالت عائشة - رضي الله عنها -: نعم النساء نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين. [فتح الباري: 1/229]

2 ـ الحياء من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «إن اللَّه ليسأل العبد يوم القيامة حتى يقول: ما منعك إذ رأيت المنكر أن تنكره؟ فإذا لقن اللَّه عبدًا حجته قال: يا رب رجوتك وفرقت

من الناس». [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]

معنى فرقت: خفت من الناس. فإذا رأيت مسلمًا يفعل منكرًا فلا يجوز أن تتركه يلقي بنفسه في النار بحجة أننا

نستحي أن ننكر عليه.

3 ـ الحياء من تَرك مصافحة الأجنبية: أن يصافح الرجل

المرأة الأجنبية زعمًا منه أنه استحيا منها لأنها مدت يدها لتصافحه! قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لأن يُطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له». [صححه الألباني في صحيح الجامع: 5045]

4 ـ خروج المرأة سافرة:

خروج المرأة سافرة متبرجة كاشفة جسدها للأجانب فإذا نظر إليها رجل احمر وجهها وحاولت أن تستر جسدها، هذا ليس من الحياء في شيء، وإنما الحياء أن تلبس حجابها وتستر جسدها.

والله ولي التوفيق.

 

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply