لا شك أن السر أمانة، ويجب المحافظة عليه وكتمانه خوفاً من أن يصبح مشاعاً على ألسنة الناس يتشدقون به في كل مكان، ويتبرعون بإفشائه لمن يلزمه ولمن لا يلزمه.
ولذلك اعتبر الإسلام إفشاء السر من الخيانة، فالمفشي للسر خائن لله ولرسوله وللمسلمين، وجعل عدم المحافظة عليه من صفات المنافقين، فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان» رواه البخاري، فيجب على المسلم أن يحافظ على سر أخيه ولو لم يطلب منه ذلك صراحة، فقد اعتبر النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الإشارة أو التلميح يكفي للمسلم حتى يحافظ على سر أخيه، فعن جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «إذا حدث الرجل بالحديث ثم التفت فهي أمانة» رواه البخاري.
واعلم أن إفشاء السر لا يفعله إلا الثرثارون المتشدقون، والضعفاء من الناس، وهي صفة مذمومة في الإنسان إذ يمقته الآخرون وينبذونه ولا يبوحون أمامه بشيء، فبمجرد حضوره مجلساً معيناً يغيرون مجرى الحديث إن كان فيه سر، لأن القادم ثرثار ونقل الكلام داء يسري في دمه.
وقد ذم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الرجل الثرثار واعتبره كاذباً ولو حدث بما هو صحيح، فقد قال - صلى الله عليه وسلم -: «كفى بالمرء إثماً أن يحدث بكل ما سمع» رواه مسلم.
آفات إفشاء السر:
أولاً: يوجب عقاب الإنسان من الله - عز وجل -، فهو خائن للأمانة.
ثانياً: يجعل صاحبه منبوذاً محتقراً بين الناس، يتجنبونه ويوصي بعضهم بعضاً بذلك.
ثالثاً: شيوع الآفات الاجتماعية مثل: الكذب، والنفاق، والخيانة، وضعف تربية الناشئة وهذه تؤدي إلى انحلال المجتمع وتفككه وسيطرة الأعداء عليه.
أسباب إفشاء الأسرار:
ضعف الإيمان بالله: فهو لم يقرأ القرآن ولم يرتدع من الأحاديث النبوية، ولم تؤثر فيه سير الصالحين الأمناء، ولذلك عليه إعادة النظر في إيمانه.
ضعف الثقة بالنفس: فالثرثار يريد أن يعوض عن ضعف شخصيته بأن يتبرع ويفشي أسرار الآخرين ظناً منه أن ذلك يجعلهم يحبونه ويحترمونه، فهو يريد أن يعوض عن شيء مفقود لديه، وهذا اعتقاد خاطئ، فإن الناس يحتقرونه ولا
يأتمنونه.
حب الزعامة والرياسة: فهو يريد أن يظهر أمام الآخرين أنه مسؤول يملك القوة والسيطرة ويعرف ما لا يعرفه غيره، فيفشي أسرار عمله وما يعرفه من أسرار الآخرين ليثبت أنه مسؤول، وهو هنا وقع في الخطأ، فالزعامة الحقيقية أن تستعينوا على قضاء حوائجكم بالسر والكتمان، ولا تعطي الناس معلومات لا يحتاجون إليها.
العلاج:
أولاً: إذا أردت المحافظة على سرك فاكتمه ولا تبح به أمام الآخرين إن لم يكونوا بحاجة إليه، فقديماً قالوا: «صدرك أوسع لسرك»، فكيف تطالب الناس بالمحافظة عليه وأنت لم تفعل؟
ثانياً: استشعار مخافة الله - عز وجل - وتذكر وعيده وعذابه للذين يحيدون عن أمره.
ثالثاً: تذكر أنك لا تحب أن يفشي الناس أسرارك وتتمنى أن يحافظوا عليها، فعامل الناس بالمثل.
رابعاً: تربية الناشئة على حفظ الأسرار، فلا تطلب من ولدك تقريراً عن تصرفات الجيران أو الأقارب إذا زارهم، ولا تشجعه على تتبع عورات الآخرين، بل لا تفعل ذلك أمامه.
خامساً: اقرأ سير الصالحين الأمناء الذين حافظوا على أسرارهم وأسرار الآخرين فكانوا رجالاً عظماء لا زلنا نحترمهم ونترحم عليهم، واقرأ سير الخونة الذين يبيحون الأسرار للعدو وتذكر أننا لا زلنا نلعنهم على رغم مرور مئات السنين وسيبقى ذلك حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
سادساً: اعلم أن إفشاء الأسرار قد يؤدي إلى مشاكل اجتماعية تكون أنت أول من يكتوي بنارها، وربما قادك هذا إلى حتفك، فتسحب يوم القيامة إلى النار من لسانك الطويل، ويقال في الدنيا «فلان مات من كثرة كلامه وكذب حديثه»، فعليك أن تتذكر قول الشاعر:
يموت الفتى من عثرة بلسانه *** وليس يموت المرء من عثرة الرجل
فعثرته من فيه ترمي برأسه *** وعثرته بالرجل تبرا على مهـــل
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد