النمّام


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد:

 

تعاهد الصديقان: خالد وحسّان على الوفاء مدى الحياة، ومضت الأيام وهما على هذه الحال، وشبّا على ذلك، كلُّ منهما يُقَدِّمُ لصاحبه ما يستطيع من خير، ويدفع عنه ما يستطيع من شرّ. وفي يوم من الأيام بينما كان خالد يشتري بضاعة للمتجر الذي اشتراه شَرِكَةً مع صديقه الحميم حسّان، جاء رجل من أقصى السوق يجري وينادي: أين التاجر حسّان، أين التاجر حسّان؟ فدلّه الناس عليه، فناداه: - حسّان، اِلحق عمّك.. لقد احترق منزله في البلدة المجاورة وهو في حالة خطرة! تأخّر خالد في تسوّقه فجاء ليلاً والسوق مغلقة، فذهب إلى بيته، وفي طريقه رأى التاجر المرابي غسّانًا، فسلّم عليه وتابع طريقه، لكن التاجر غسّانًا استوقفه وتقدم منه وقال له: أين كنت اليوم يا صديقي؟ لم نركَ، خيرًا إن شاء الله! فأجابه من فوره: أنا لست صديقك، فأنت تتعامل بالربا، وقد حرّمه الله. قال التاجر غسان بمكر ودهاء: ألم تعلم يا صديقي، لقد تركت التعامل بالربا، وتبت إلى الله. قال خالد: أرجو أن تكون صادقاً، ثم همّ بالمشي وهو يقول: عن إذنك، فأنا اليوم تَعِبٌ جداً و.. قاطعه التاجر غسان وهو يتقدم منه وكأنه يفشي له سرّاً: هل أنهيت شركتك مع حسّان؟ قال خالد دَهِشًا: أنهيتُ شركتي! لا، ولماذا تسأل؟ التاجر غسان: لقد رأيتُه يحمل نصيبه من البضاعة من المتجر، ورأيته يفتّش في الأدراج، لكني لم أرَ ماذا أخذ منها. أقول لك هذا صادقًا.. نعم، نعم تذكرت، ثمّ جاء رجل غريب عن البلدة، أظنٌّه شريكَهُ الجديدَ، ومَضَيا معًا، الله وحده يعلم إلى أين! دهش خالد من كلام التّاجر غسّان، وبدأ يفكر فيه، ولكنه لم يشأ أن يُظهر للتاجر غسان أي شُعور، فقال وهو يمضي: شريكي حسّان وفيُّ أمين، فكّر في مَكرٍ, آخر.. مشى خالد خطوات باتجاه بيته، ولكن باله كان مشغولاً: هل حقًا أخذ حسّان البضاعة والمال من المتجر وسافر؟! هل غرَّته الدنيا ولعب بِعَقلِهِ الشيطان؟! لا يمكن أن يفعل هذا! نظر التاجر غسان في ما بدا على قَسَمات وجه خالد، فشعر أنه أفلح في إيقاد فَتِيل الفِتنة بينه وبين شريكه، و سوف يربح الرِّهان مع أصدقائه... لم يدُم تردد خالد طويلاً، فقد قرر قبل أن يصل إلى بيته أن يعود إلى المتجر ليتيقّن بنفسه من كلام التاجر، وليطمئن قلبه. وصل خالد إلى المتجر وأضاء المصباح، ودار في أرجاء المكان فوجد البضاعةَ ناقصةً حقًا، فأسرع إلى الخزانة ففتحها. يا للكارثة.. لا شيء فيها.. أين غَلّةُ الأسبوع؟! كان أحد التجار في السوق قد تأخر في إغلاق محلِّه، فأحسّ به خالد، فأسرع إليه وسأله هل رأى شريكه حسّانًا، فأجابه: نعم، وقد اشترى من محلي أصنافًا من الطّعام، وكأنَّه على سفر وشيك جدًّا. شكر خالد هذا التاجر ومضى في طريقه، وقد ازدادت شكوكُهُ في صديقه... في اليوم التالي، جلس خالد في متجره كئيبًا حزينًا لا يعرف ماذا يفعل، والشيطان يوسوس له، إلى أن قرَّرَ إبلاغ الشرطة.. أمر رئيس الشرطة جنوده بأن يفتشوا عن هذا المخادع السارق (حسّان). ولم يمض سوى يوم وليلة حتى جاءت الشرطة بالتاجر حسّان الذي صار حديث الناس وشغلهم الشاغل.. ولكن مَن هؤلاءِ الغرباءُ القادمون مع شرطة البلد؟ وقف الجميع أمام قائد الشرطة، ثمّ تقدّم الشرطي الذي قبض على حسّان و قال: - يا سيدي، هذا حسّان، وهؤلاء شهود، وهذا شرطيُّ من البلدة المجاورة. تقدم الشرطي من قائد الشرطة وحدثه عن حسّان، وعن مَجِيئِهِ إلى البلدة لمساعدة زوجة عمّه وأطفالها بعد أن مات عمٌّهُ محاصرًا ببيته الذي احترق، وكيف أحضر لهم كساءً وطعامًا. وبينما هو يُجَهِّزُ أقرباءَهُ لِيُحضِرَهم إلى بيته في هذه البلدة، إذا بالشرطي يطلبه بقضية سرقة، فطلب مني قائد الشرطة في بلدتي أن آتيَكم وأقصَّ عليكم الخبر. سمع خالد حسّان، وتمنى لو تنشقّ الأرض وتبلعه! وقال في نفسه متحسّرًا:- أرجو أن يسامحني حسّان، لقد تعجّلتُ كثيرًا، أستغفر الله..أعنّي يا ربي على إصلاح ما أفسدتُ...

وصلى الله وسلم على نبينا محمد والحمد لله رب العالمين

 

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply