نقولات مختارة من كتاب : وصية أبي الوليد الباجي الأندلسي لولديه 403 هـ - 474هـ


  

بسم الله الرحمن الرحيم

1- والعِلمُ سبيل لا تفضي بصاحبها إِلاَّ إلى السعادة والسلامة، ولا يَقصُرُ به عن درجة الرِّفعَةِ والكرامة، قَلِيلُهُ ينفع، وَكَثِيرُهُ يُعلَي ويَرفَع، كَنزٌ يَزكُو على كل حال، ويكثر مع الإنفاق، ولا يغصبه غاصب، ولا يُخاف عليه سارق ولا محاربº فاجتهدا في طلبه، واستعذبا التعب في حفظه، والسهر في درسه، والنصب الطويل في جمعه، وواظبا على تقييده وروايته، ثم انتقلا إلى فهمه ودرايته. وانظرا أي حالةٍ, من أحوال طبقات الناس تختاران، ومنزلةَ أيِّ صنف منهم تؤثران، هل تريان أحداً أرفع حالاً من العلماء؟ وأفضل منزلة من الفقهاء؟ يحتاج إليهم الرئيس والمرؤوس، ويقتدي بهم الوضيع والنفيس، يُرجع إلى أقوالهم في أمور الدنيا وأحكامها، وصحة عقودها وتبعاتها، وغير ذلك من تصرفاتها، وإليهم يلجأ في أمور الدين، وما يلزم من صلاة وزكاة وصيام، وحلال وحرام، ثم مع ذلك من التبعات والحظوة عند جميع الطبقات. ص32

2- والعلم ولاية لا يُعزل عنها صاحبها، ولا يَعرَى من جمال لابسها، وكل ذي ولاية - وإن جلت، وحرمت وإن عظمت - إذا خرج عن ولايته، أو زال عن بلدته، أصبح من جاهه عارياً، ومن حاله عاطلاً، غير صاحب العلمº فإن جاهه يصحبه حيث سار، ويتقدمه إلى جميع الآفاق والأقطار، ويبقى بعده في سائر الأعصار. ص33

3- وإياكما وقراءة شيء من المنطق وكلام الفلاسفةº فإن ذلك مبني على الكفر والإلحاد، والبعد عن الشريعة والإبعاد. وإنما أحذركما من قراءتها ما لم تقرآ من كلام العلماء ما تقويان به على فهم فساده، وضعف شبهه، وقلة تحقيقهº مخافة أن يسبق إلى قلب أحدكما من شبه تمويههم مالا يكون عنده من العلم ما يقوى به على رده. ص34

4- وعليكما بالأمر بالمعروف وكونا من أهله، وانهيا عن المنكر واجتنبا فعله. ص35

5- وعليكما بالصدقº فإنه زين، وإياكما والكذبº فإنه شين، ومن شهر بالصدق فهو ناطق محمود، ومن عرف بالكذب فهو ساكت مهجور مذموم، وأقل عقوبات الكذاب ألا يقبل صدقه ولا يتحقق حقه، وما وصف الله - تعالى - أحداً بالكذب إلا ذاماً له، ولا وصف الله - تعالى - أحداً بالصدق إلا مادحاً له، مرفِّعاً به. ص35

6- وإياكما والعون على سفك دم بكلمة، أو المشاركة فيه بلفظةº فلا يزال الإنسان في فسحة من دينه ما لم يغمس يده أو لسانه في دم امرىء مسلم. ص36

7- واجتناب الزنا من أخلاق الفضلاء، ومواقعته عار في الدنيا، وعذاب في الأخرى، قال الله - تعالى - [وَلا تَقرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً] الإسراء 32. ص36

8- وعليكما بطلب الحلال واجتناب الحرام، فإن عدمتما الحلال فالجآ إلى المتشابه. ص37

9- وإياكما والظلمº فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، والظالم مذموم من الخالق مبغض إلى الخلائق. ص37

10- وإياكما والنميمةº فإن أول من يمقت عليها من تنقل إليه، وقد روي عن النبي- صلى الله عليه وسلم -أنه قال: \"لا يدخل الجنة قتات\". ص38

11- وإياكما والحسدº فإنه داء يهلك صاحبه، ويعطب تابعه. ص38

12- وإياكما والفواحشº فإن الله - تعالى - حرم منها ما ظهر وما بطن، والإثم والبغي بغير الحق. ص38

13- وإياكما والغيبةº فإنها تحبط الحسنات، وتكثر السيئات، وتبعد من الخالق، وتبغض إلى المخلوق. ص38

14- وإياكما والكبرº فإن صاحبه في مقت الله متقلب، وإلى سخطه منقلب. ص38

15- وإياكما والبخلº فإنه لا داء أدوأ منه، لا تسلم عليه ديانة، ولا تتم معه سيادة. ص38

16- وإياكما ومواقف الخزي، وكلما كرهتما أن يظهر عليكما فاجتنباه، وما علمتما أن الناس يعيبونه في الملأ فلا تأتياه في الخلاء. ص38

17- وإياكما والرشوةº فإنها تعمي عين البصير، وتحط قدر الرفيع. ص39

18- وإياكما والأغانيº فإن الغناء ينبت الفتنة في القلب، ويولد خواطر السوء في النفس. ص39

19- وليلتزم أكبركما لأخيه الإشفاق عليه، والمسارعة إلى كل ما يحبه، والمعاضدة فيما يؤثره، والمسامحة بكل ما يرغبه. ص41

20- ويلتزم أصغرُكما لأخيه تقديمه عليه، وتعظيمه في كل أمر بالرجوع إلى مذهبه، والإتباع له في سره وجهره، وتصويب قوله وفعله، وإن أنكر منه في الملأ أمراً يريده، أو ظهر إليه خطأ فيما يقصده - فلا يظهر إنكاره عليه، ولا يجهر في الملأ بتخطئته، وليبين له ذلك على انفراد منهما، ورفق من قولهماº فإن رجع إلى الحق وإلا فليتبعه على رأيهº فإن الذي يدخل عليكما من الفساد باختلافكما أعظم مما يحذر من الخطأ مع اتفاقكما ما لم يكن الخطأ في أمر الدينº فإن كان في أمر الدين فليتبع الحق حيث كان. ص41

21- وليثابر على نصح أخيه وتسديده ما استطاع، ولا يُحِل يده عن تعظيمه وتوقيره. ص41 - 42

22- ولا يؤثر أحدكما على أخيه شيئاً من عرض الدنيا، فيخل بأخيه من أجله، أو يعرض عنه بسببه، أو ينافسه فيه. ص42

23- ومن وُسِّع عليه منكما في دنياه فليشارك بها أخاه، ولا ينفرد بها دونه، وليحرص على تثمير مال أخيه كما يحرص على تثمير ماله. ص42

24- وأظهرا التعاضد، والتواصل، والتعاطف، والتناصر حتى تعرفا بهº فإن ذلك مما ترضيان به ربكما، وتغيظان به عدوكما. ص42

25- وإياكما والتنافس، والتقاطع، والتدابر، والتحاسد، وطاعة النساء في ذلكº فإنه مما يفسد دينكما ودنياكما، ويضع من قدركما ويحط من مكانكما، ويحقر أمركما عند عدوكما، ويصغر شأنكما عند صديقكما. ص42

26- ومن أسدى إلى أخيه معروفاً، أو مُكَارَمةً، أو مواصلة فلا ينتظر مقارضةً عليها، ولا يذكر ما أتى منهاº فإن ذلك مما يوجب الضغائن، ويسبب التباغض، ويقبح المعروف، ويحقر الكبير، ويدل على المقت والفساد، ودناءة الهمة. ص42

27- وإن أحدكما زل وترك الأخذ بوصيتي في بر أخيه ومراعاته فليتلافَ الآخر ذلك بتمسكه بوصيتي، والصبر لأخيه والرفق به، وترك المقارضة له على جفوته، والمتابعة له على سوء معاملتهº فإنه يحمد عاقبة صبره، ويفوز بالفضل في أمره، ويكون لما يأتيه أخوه كبير تأثير في حياته. ص42 - 43

28- واعلما أني قد رأيت جماعة لم تكن لهم أحوال ولا أقدار، أقام أحوالَهم ورفع أقدارَهم اتفاقُهم وتعاضُدُهم، وقد رأيت جماعة كانت أقدارهم سامية، وأحوالهم ظاهرة نامية، محق أحوالَهم ووضع أقدارَهم اختلافُهم وتنابُذهمº فاحذرا أن تكونا منهم. ص43

29- وإياكما أن تحدثا أنفسكما أن تنتظرا مقارضةً ممن أحسنتما إليه، وأنعمتما عليهº فإن انتظار المقارضة يمسح الصنيعة، ويعيد الأفعال الرفيعة وضيعة، ويقلب الشكر ذماً، والحمد مقتاً، ولا يجب أن تعتقدا معاداة أحد، واعتمدا التحرز من كل أحد، فمن قصدكما بمطالبة، أو تكرر عليكما بأذية فلا تقارضاه جهدكما، والتزما الصبر له ما استطعتماº فما التزم أحد الصبر والحلم إلا عز ونصر [ثُمَّ بُغِيَ عَلَيهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ] الحج60. وقد استعملت هذا - بفضل الله - تعالى - مراراً فحمدت العاقبة، واغتبطت بالكف عن المقارضة. ولا تستعظما من حوادث الأيام شيئاًº فكل أمر ينقرض حقير، وكل أمد ينقضي قصير، وانتظرا الفرجº فإن انتظار الفرج عبادة، وعلقا رجاءكما بربكما وتوكلا عليهº فإن التوكل عليه سعادة، واستعينا بالدعاء، والجئا إليه في البأساء والضراءº فإن الدعاء سفينة لا تعطب، وحزب لا يغلب، وجند لا يهرب. ص45

30- وإذا أنعم ربكما عليكما بنعمة فتلقياها بالإكرام لها، والشكر عليها، والمساهمة فيها، واجعلاها عوناً على طاعته، وسبباً إلى عبادته، والحذر الحذر من أن تهينا نعمة ربكما فتترككما مذمومين، وتزول عنكما ممقوتين. ص46 31- ومن احتاج منكما فليجمل في الطلبº فإنه لا يفوته ما قُدِّر له، ولا يدرك ما لم يقدر له. ص48

32- واجتنبا صحبة السلطان ما استطعتما، وتحريا البعد منه ما أمكنكماº فإن الذل مع البعد عنه أفضل من العز مع القرب منه. ص48

33- ولا يرغب أحدكما في أن يكون أرفع الناس درجة، وأتمهم جاهاً وأعلاهم منزلةº فإن تلك حالٌ لا يسلم صاحبها، ودرجةٌ لا يثبت من احتلها، وأسلم الطبقات الطبقة المتوسطةº لا تُهتَضَمُ من ضعة، ولا تُرمق من رفعة، ومن عيب الدرجة العليا أن صاحبها لا يرجو المزيد، ولكنه يخاف النقص، والدرجة الوسطى يرجو الازدياد، وبينها وبين المخاوف حجابº فاجعلا بين أيديكما درجة يشتغل بها الحسود عنكما، ويرجوها الصديق لكما. ص49

34- ولا يطلب أحدكما الولايةº فإن طلبها شين، وتركها لمن دعي إليها زين، فمن امتحن بها منكما فلتكن حاله في نفسه أرفع من أن تحدث فيه بأواً، أو يبدي فيها زهواً، وليعلم أن الولاية لا تزيده رفعة، ولكنها فتنة ومحنة، وأنه معرض لأحد أمرين: إما أن يعزل فيعود إلى حالته، أو يسيء استدامة ولايته فيقبح ذكره، ويثقل وزره. وإن استوت عنده ولايته وعزله كان جديراً أن يستديم العملº فيبلغ الأمل، أو يعزل لإحسانه، فلا يحط ذلك من مكانه. ص49 35- وأَقِلا ممازحة الإخوان، وملابستهم، والمبالغة في الاسترسال معهم. فإن الأعداء أكثرهم ممن هذه صفته، وقل من يعاديك ممن لا يعرفك ولا تعرفه. ص49 - 50.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply