الحمد لله وكفى، والصلاة والسلام على عباده الذين اصطفى، وبعد:
في ظل هذه المحن التي تموج بالأمة والتيارات المتعارضة التي تأخذ بها ذات اليمين وذات الشمال، يبقي العلماء هم صمام الأمان، وسفينة النجاة، التي تبحر بالمسلمين إلى بر السلامة، فضائلهم معروفة، ومناقبهم مشهورة، وأياديهم سابقة، وجميل شذاهم عطر الآفاق.
ولكن هناك فئة من الناس كالذباب لا تقع إلاّ على الجرح، فجعلت هذه الفئة من هفوات العلماء أو ما يخيل إليها أنها أخطاء سبيلاً ممهدا للنيل من أهل العلم، والتعرض لهم بكل ألوان التنقيص، وبعض هذه الفئة ولج إلى هذا الباب بسوء طوية وفساد نية والعياذ بالله، ومنهم من غُرِّر به فركب الموجة من دون روية أو تبصر.
وإن من أهم أسباب هذه الظاهرة الغَيرة والغيرة بفتح الغين هي الانفعال لأجل دين أو حرمة وهي محمودة، أما الغِيرة بكسر الغين فهي قرينة الحسد وهي مذمومة، وكذلك الحسد وسببه غالباً التنافس في سبيل الحصول علي مال أو جاه، وأيضا فإن من أسبابها التعصب والهوى، وكان السلف يقولون: أحذر من الناس صاحب هوى أعماه هواه، وصاحب دنيا أعمته دنياه.
ومن أسباب هذا البلاء أيضاً التقليد، فكثير من الناس يقع في عرض بعض العلماء لمجرد أنه سمع غيره يتكلم فيهم، فهو يأكل من لحم لا لشيء إلاّ أن غيره قد أكل منه. ويكسر في خشب السفينة لا لشيء غير أنه رأى غيره يكسر منها.
وكذلك من أسباب الوقيعة في الفضلاء التعالم، فكثير من طلبة العلم لا يقدر لنفسه قدرها، ويظن أنه قد بلغ المنزلة التي يكون فيها أهلاً لأن يجرح ويعدل العلماء، وربما تفيقه فقال: الجرح والتعديل من الدين، وما درى المسكين أن للجرح والتعديل رجاله كأحمد وابن أبي حاتم وابن معين وأضرابهم، أما مَن طعن من الأغمار في الرجال فقد جاء بما يوجب الطعن فيه والقدح، فرحم الله من عرف قدره فلم يعدوه.
وأيضا من أسباب التجرؤ على قادة السفينة الربانية النفاق وكره الحق فالمنافقون من أشد الناس أكلا لقادة الأمة الناصحين من علماء وأمراء عدل.
ثم من الأسباب تمرير مخططات الأعداء وذلك عبر زعزعت الثقة في العلماء كما يفعل العلمانيون.
أما الآثار المترتبة علي الوقوع في العلماء فمن أظهرها:
أن جرح العالم سبب لرد ما يقول من الحق، ولهذا كان المشركون يحالون تشويه صورة النبي - صلى الله عليه وسلم - لصرف الناس عن السماع له.
وجرح العالم جرح للعلم الذي معه، والعلم الذي معه هو ميراث النبي صلي الله عليه وسلم، فالطعن فيه طعن في الإسلام من حيث لا يشعرا لجارح.
أما الدواء الناجع لهذا الداء الخطير فلعل يجتمع في إطارين:
ما يجب على العلماء:
يجب أن يكون العالم قدوة فيما يقول فيربط بين العلم والعمل، وأن يتثبت العالم في الفتوى، ويكمل شروطها، وأن يحذر العالم من الاستدراك والتلبيس والتدليس عليه والحذر من تقليب الأمور في نظره و أن يكون جريئاً في الحق لا تأخذه في الله لومة لائم.
ما يجب علينا تجاه العلماء:
فأن نحفظ للعلماء مكانتهم أن نعلم أنه لا معصوم إلا من عصم الله وهم الأنبياء والملائكة، وأن ندرك أن الخلاف موجود منذ عهد الصحابة وإلى أن تقوم الساعة.
ثم علينا أن نفوت الفرصة على الأعداء بالدفاع عن علمائنا، وأن نحمل أقوال العلماء وآراءهم محملا حسنا ننشغل بعيوبنا عن عيوب الناس عامة وعيوب العلماء خاصة.
وأخيراً000هذه ليست دعوة لتقديس العلماء، أو السكوت عن بيان الحق، أو التغاضي عن الأخطاء وترك النصح، بل هي دعوة للتأدب مع العلماء ومعرفة قدرهم والكف عن أعراضهم والبعد عن النقد الهدام لذواتهم واجتهاداتهم.
وإذا صنعنا ذلك كنا خير عون لقواد سفينة النجاة، التي يرجى أن يرسيها العلماء على شاطئ السلامة، في الدنيا والآخرة، والله هو الموفق، وهو يهدي السبيل.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد