الاستئذان أدب رفيع، يدل على حياء صاحبه وشهامته، وتربيته وعفته، ونزاهة نفسه وتكريمها عن رؤية ما لا يحب أن يراه عليه الناس، أو سمعا لحديث لا يحل له أن يسترقه دون معرفة المتحادثين، أو الدخول على قوم وإيقاعهم بالمفاجأة والإحراج.
والاستئذان هو طلب الأذن، ويكون لدخول بيت، أو الانضمام إلى مجلس، أو الخروج منه، أو التصرف في متاع غيره، أو إبداء رأي في مجتمعات الناس، أو سماع حديثهم.
أخرج ابن جرير عن عدي بن ثابت قال: جاءت امرأة من الأنصار فقالت يا رسول الله إني أكون في بيتي على حال لا أحب أن يراني عليها أحد، وإنه لا يزال يدخل عليّ رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فكيف أصنع؟ فنزلت: \"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها\" ولا يخفى ما في هذه الآية من معنى الاستئناس، الذي هو أبلغ من الاستئذان، إذ هو بالإضافة إلى ما فيه من معنى طلب الإذن، فيه معرفة أنس أهل البيت، واستعدادهم لاستقباله، ورضاهم عن دخوله عليهم.
وروي أن رسول الله – صلى الله عليه وسلم - بعث غلاماً من الأنصار يقال له مدلج إلى عمر بن الخطاب وقت الظهيرة ليدعوه فوجده نائماً قد أغلق عليه الباب، فدق عليه الغلام الباب ودخل فاستيقظ عمر وجلس فانكشف منه شيء، فقال عمر: وددت أن الله نهى أبناءنا ونساءنا وخدمنا عن الدخول في هذه الساعات إلا بإذن، ثم انطلق إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم – فوجد هذه الآية: \"يا أيها الذين آمنوا ليستأذنكم الذين ملكت أيمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مرات...\" قد نزلت، فخرّ ساجداً شكرا لله - تعالى -.
ومع تقدم الحضارة، وصناعة البيوت المغلقة، والأبواب المحكمة، فما زال هناك من يدخل بيته دون سلام، أو يغشى غرفة غيره، أو يقتحم مجلسه دون إعلام أو استئذان.
وإذا ما تعود الغلام منذ نعومة أظافره أن يستأذن على والديه كما أمر الله - تعالى -، نشأ على هذه العادة الحميدة، وهي ملكة في نفسه وطبع كريم، يقدره عليه الناس ويحبونه، ويثقون في أمانته وكرامته.
وهذه طائفة من آداب الاستئذان التي جاء بها ديننا الحنيف قبل أن يعرف الناس، أصول الأعراف وفن المعاملات، وحسن التصرف واللباقة في البيوت والمجتمعات..
1»» يجب الاستئذان لدخول بيت الناس، والاستئناس لمعرفة أنس أهل البيت بالدخول عليهم، فيأنس الداخل إلى إذنهم، ويأنسون إلى استئذانه.
قال - تعالى -: \"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها\".
2»» يجب قرن الاستئذان بالسلام، بل تقديمه عليه، لأن السلام قبل الكلام.
عن كلدة بن الحنبل قال: \"أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم -، فدخلت عليه ولم أسلم، فقال: ارجع فقل السلام عليكم أأدخل\" [رواه أبو داود والترمذي].
وعن ربعي بن نحراش قال: حدثنا رجل من بني عامر استأذن على النبي – صلى الله عليه وسلم - وهو في بيت فقال: أألج؟ فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لخادمه: أخرج إلى هذا فعلمه الاستئذان، فقل له قل: السلام عليكم أأدخل؟ فسمعه الرجل فقال: السلام عليكم أأدخل؟ فأذن له النبي فدخل\". رواه أبو داود.
وعن ابن عباس ما أن عمر استأذن على النبي – صلى الله عليه وسلم - فقال: \"السلام على رسول الله، السلام عليكم، أيدخل عمر\". [رواه ابن عبد البر].
وعن أبي هريرة أنه سئل فيمن يستأذن قبل أن يسلم قال: \"لا يؤذن له حتى يسلم\". [رواه البخاري].
3»» ينبغي على من قرع الباب مستأذناً أن يقف بجانب الباب الذي لا يظهر منه البيت عند فتحه، وظهره للباب، وعليه أن يغض بصره ما استطاع.
عن سهل بن سعد – رضي الله عنه - قال: اطّلع رجل في حجر من حجر النبي ومع النبي – صلى الله عليه وسلم - مدرى ـ آلة رفيعة من الحديد ـ يحك بها رأسه، فقال: \"لو أعلم أنك تنظر لطعنت بها في عينيك، إنما جعل الاستئذان من أجل النظر\". [متفق عليه].
وعن عبدالله بن بسر – رضي الله عنه - قال: \"كان رسول الله – صلى الله عليه وسلم - إذا أتى على باب قوم لم يستقبل الباب من تلقاء وجهه، ولكن من ركنه الأيسر ويقول: السلام عليكم السلام عليكم\" [رواه أبو داود وأحمد].
4 »» يشمل الأمر بالاستئذان النساء كما يشمل الرجالº لأنه شرع لئلا يطلع أحد على أحد على ما يطو الناس في بيوتهم مما لا يحبون أن يطلع عليه أحد، إلى جانب عدم النظر إلى ما لا يحل له أن ينظر إليه.
عن أم أياس – رضي الله عنها - قالت: \"كنت في أربع نسوة نستأذن على عائشة – رضي الله عنها - فقلت: ندخل؟ فقالت: لا فقالت واحدة: لا فقالت واحدة: السلام عليكم أندخل؟ قالت: أدخلوا، ثم قالت: \"يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها\".
5»» يكون الاستئذان ثلاثاً، فينتظر بعد طرق الباب بمقدار صلاة ركعتين، ثم يطرقه ثانية وينتظر المدة نفسها، ثم يطرق الثالثة فإن لم يجب انصرف ولو كان متأكداً من وجود أهل البيت فيه. لما روي عن أبي هريرة – رضي الله عنه - أنه قال: الاستئذان ثلاث بالأولى يستنصتون، وبالثانية يستصلحون، وبالثالثة يأذنون أو يردون، وينبغي أن لا يحزن أو يغضب إن لم يؤذن له.
قال - تعالى -: \"وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا، هو أزكى لكم، والله بما تعملون عليم\". [النور 28].
وعن أبي موسى – رضي الله عنه - قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: \"الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك وإلا فارجع\" [متفق عليه].
6»» ينبغي عند استعلام صاحب البيت عن المستأذن أن يذكر اسمه، ويكره أن يقول (أنا) لعدم كفايتها في معرفة قائلها.
عن جابر – رضي الله عنه - قال: \"أتيت النبي – صلى الله عليه وسلم -، فدققت الباب، فقال: من ذا؟ فقلت: أنا، فقال: أنا أنا؟ كأنه يكرهها\". [متفق عليه].
وعن أبي ذر – رضي الله عنه - قال: خرجت ليلة من الليالي، فإذا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - يمشي وحده، فجعلت أمشي في ظل القمر، فالتفت فرآني فقال: من هذا؟ فقلت: أبو ذر\". [متفق عليه].
وعن أنس – رضي الله عنه - في حديثه المشهور في الإسراء قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: ثم صعد بي جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح، فقيل: من هذا؟ قال: جبريل قيل: ومن معك؟ قال: محمد، ثم صعد إلى السماء الثانية والثالثة والرابعة وسائرهن، ويقال في باب كل سماء: من هذا؟ فيقول: جبريل\". [متفق عليه].
7»» يطلب الاستئذان بين الأهل في الدار الواحدة، عند إرادة الدخول على غرفة أحدهم، حتى مع أقرب الأقربين إليه، كأمه وأبيه..
عن زيد بن أسامة عن عطاء أن رجلاً سأل النبي أأستأذن على أمي؟ قال: نعم، قال: إنها ليس لها خادم غيري فأستأذن عليها كلما دخلت؟ قال: \" أتحب أن تراها عريانة\"؟ قال: لا، قال: \" فاستأذن عليها\". [رواه مالك في الموطأ].
8»» تعليم الأطفال الذين لم يبلغوا سن التكليف أن يستأنسوا في أوقات ثلاثة: وقت الفجر، وهو وقت النوم أو التهيؤ لصلاة الفجر، ووقت الظهيرة، وهو وقت القيلولة والراحة والتخفف من الثياب، ووقت العشاء، وهو وقت الخلود إلى النوم، وكلها أوقات فيها مظنة التكشف، ومحبة الخلوة، وهذا التعليم من باب التأديب والتعويد، حتى إذا بلغوا سن المراهقة والرشد استأنسوا في جميع الأوقات.
عن أسماء بنت أبي مرثد – رضي الله عنها - أنها دخل عليها غلام لها في وقت كرهت دخوله فأتت رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فقالت: \"إن خدمنا وغلماننا يدخلون علينا في حال نكرهها فأنزل الله - تعالى -: \"يَا أَيٌّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَستَأذِنكُمُ الَّذِينَ مَلَكَت أَيمَانُكُم وَالَّذِينَ لَم يَبلُغُوا الحُلُمَ مِنكُم ثَلَاثَ مَرَّاتٍ, مِن قَبلِ صَلَاةِ الفَجرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُم مِّنَ الظَّهِيرَةِ وَمِن بَعدِ صَلَاةِ العِشَاء ثَلَاثُ عَورَاتٍ, لَّكُم لَيسَ عَلَيكُم وَلَا عَلَيهِم جُنَاحٌ بَعدَهُنَّ طَوَّافُونَ عَلَيكُم بَعضُكُم عَلَى بَعضٍ, كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الآيَاتِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (58) وَإِذَا بَلَغَ الأَطفَالُ مِنكُمُ الحُلُمَ فَليَستَأذِنُوا كَمَا استَأذَنَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِم كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُم آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) النور.
9»» ينبغي للمرأة أن تتعفف في ثيابها، وتلتزم الحشمة والكمال والأدب في مظهرها في منزلها، أمام أولادها وإخوتها ومحارمها لأن الله ستير يحب الستر والعفة والحياء.
قال - تعالى -: \"وَالقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاء اللَّاتِي لَا يَرجُونَ نِكَاحاً فَلَيسَ عَلَيهِنَّ جُنَاحٌ أَن يَضَعنَ ثِيَابَهُنَّ غَيرَ مُتَبَرِّجَاتٍ, بِزِينَةٍ, وَأَن يَستَعفِفنَ خَيرٌ لَّهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ\" (60) النور.
وقال - تعالى -:وَقُل لِّلمُؤمِنَاتِ يَغضُضنَ مِن أَبصَارِهِنَّ وَيَحفَظنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنهَا النور 31.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد