دخل أحد الأعراب الإسلام، وجاء ليصلي في المسجد مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فوقف في جانب المسجد، وتبول، فقام إليه الصحابة، وأرادوا أن يضربوه، فقال لهم النبي - صلى الله عليه وسلم -: (دعوه، وأريقوا على بوله ذنوبًا من ماء - أو سجلاً (دلوًا) من ماء - فإنما بعثتم مُيسِّرِين، ولم تبعثوا مُعَسِّرين) [البخاري].
***
ما هو الرفق؟
الرفق هو التلطف في الأمور، والبعد عن العنف والشدة والغلظة. وقد أمر الله بالتحلي بخلق الرفق في سائر الأمور، فقال: {خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين} [الأعراف: 199]، وقال - تعالى -: {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم}. [فصلت: 34].
رفق النبي - صلى الله عليه وسلم -:
كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أرفق الناس وألينهم..أتى إليه أعرابي، وطلب منه عطاءً، وأغلظ له في القول، فتبسم النبي - صلى الله عليه وسلم - في وجهه، ثم أعطاه حمولة جملين من الطعام والشراب، وكان الرسول - صلى الله عليه وسلم - يلاعب الحسن والحسين ويقبٌّلهما، ويحملهما على كتفه.
وتحكي السيدة عائشة - رضي الله عنها - عن رفق النبي - صلى الله عليه وسلم - فتقول: ما خُيرَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بين أمرين قط إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثمًا، فإن كان إثمًا كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لنفسه في شيء قط إلا أن تُنتَهَك حرمة اللهº فينتقم لله -تعالى-.[متفق عليه]. وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول لأصحابه: (يسِّرُوا ولا تُعَسِّرُوا، وبَشِّرُوا ولا تُنَفِّروا) [متفق عليه].
أنواع الرفق:
الرفق خلق عظيم، وما وُجِدَ في شيء إلا حَسَّنَه وزَيَّنَه، قال الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه (حسنه وجمله)، ولا يُنزَعُ من شيء إلا شانه (عابه) [مسلم].
ومن أشكال الرفق التي يجب على المسلم أن يتحلى بها:
الرفق بالناس: فالمسلم لا يعامل الناس بشدة أو عنف أو جفاء، وقد كان الرسول - صلى الله عليه وسلم - أبعد ما يكون عن الغلظة والشدة، قال - تعالى -: {ولو كنت فظًا غليظ القلب لانفضوا من حولك} [آل عمران: 159]. وقد جاء رجل إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: أوصني؟ فقال له: (لا تغضب) [البخاري].
والمسلم لا يُعَير الناس بما فيهم من عيوب، بل يرفق بهم، رُوِي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (لا تُظهر الشماتة لأخيك، - فيرحمه الله - ويبتليك (أي: يصيبك بمثل ما أصابه) [الترمذي].
والمسلم لا يسب الناس، ولا يشتمهم، وقد حذَّر النبي - صلى الله عليه وسلم - من ذلك فقال: (سباب المسلم فسوف وقتاله كفر) [متفق عليه].
الرفق بالخدم: كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رفيقًا بالخدم، وأمر من عنده خادم أن يطعمه مما يأكل، ويلبسه مما يلبس، ولا يكلفه ما لا يطيق، فإن كلَّفه ما لا يطيق فعليه أن يعينه. يقول - صلى الله عليه وسلم - في حق الخدم: (من لطم مملوكه أو ضربه فكفارته أن يعتِقَه (يجعله حرًّا) [مسلم].
الرفق بالحيوانات: نهى الإسلام عن تعذيب الحيوانات والطيور وكل شيء فيه روح، وقد مَرَّ أنس بن مالك على قوم نصبوا أمامهم دجاجة، وجعلوها هدفًا لهم، وأخذوا يرمونها بالحجارة، فقال أنس: نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن تُصبَرَ البهائم (أي تحبس وتعذب وتقيد وترمي حتى الموت). [مسلم].
ومَرَّ ابن عمر - رضي الله عنه - على فتيان من قريش، وقد وضعوا أمامهم طيرًا، وأخذوا يرمونه بالنبال، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا، فقال لهم: مَن فعل هذا؟ لعن الله من فعل هذا، إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعن من اتخذ شيئًا فيه الروح غرضًا (هدفًا يرميه). [مسلم].
ومن الرفق بالحيوان ذبحه بسكين حاد حتى لا يتعذب، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم (أي: في الحروب) فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليُحِدَّ أحدُكم شَفرَتَه (السكينة التي يذبح بها)، وليُرِح ذبيحته) [متفق عليه]. وقد بين النبي - صلى الله عليه وسلم - أن الله - سبحانه - قد غفر لرجلº لأنه سقى كلبًا كاد يموت من العطش. بينما دخلت امرأة النارº لأنها حبست قطة، فلم تطعمها ولم تَسقِهَا حتى ماتت.
الرفق بالجمادات: المسلم رفيق مع كل شيء، حتى مع الجمادات، فيحافظ على أدواته، ويتعامل مع كل ما حوله بلين ورفق، ولا يعرضها للتلف بسبب سوء الاستعمال والإهمال.
فضل الرفق:
حثَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - على الرفق، فقال: (إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله) [متفق عليه]، وقال الله - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله رفيق، يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه) [مسلم].
والمسلم برفقه ولينه يصير بعيدًا عن النار، ويكون من أهل الجنة، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (ألا أخبركم بمن يحرُم على النار؟ أو بمن تَحرُم عليه النار؟ تَحرُم النار على كل قريب هين لين سهل) [الترمذي وأحمد].
وإذا كان المسلم رفيقًا مع الناس، فإن الله - سبحانه - سيرفق به يوم القيامة، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - يدعو، فيقول: (اللهم مَن وَلِي من أمر أمتي شيئًا فرفق بهم، فارفق به) [مسلم].
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد