المحراب:
لقد سبق الإسلام بمبادئه السامية تجاه البشرية كل الأديان والقوانين الوضعية، بحيث لا تعرف قوانينه التعصب المذموم، الذي يؤدي بالناس إلى الشحناء والبغضاء والفرقة، التي تمزق المجتمع الإنساني الذي يهتم به الإسلام أيما اهتمام.
ومن ضمن من حفظ الإسلام لهم حقوقهم وأوجب حمايتهم، غير المسلمين من أهل الذمة المقيمين في بلاد المسلمين، فلم يغفلهم أو يغمط حقهم، بل راعى إنسانيتهم ما داموا ملتزمين بمعاهداتهم، ويتضح ذلك في أمور كثيرة ونصوص متعددة يظهر منها عدل الإسلام وسماحته.
الإسلام يوجب العدل حتى مع غير المسلمين:
يقول الدكتور صالح بن حسين العايد (أمين المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ) إن الإسلام قد أمر بالعدل وحث عليه، حتى ولو كان الحكم لصالح الأعداء على الأهل والأصحاب قال تعالى \"يا أيها الذين آمنوا كنوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون\"
ومن تمام عناية الإسلام بغير المسلمين أنه عندما خيرهم بالتحاكم إلى شرائعهم، أكد على المساواة بينهم في حالة التحاكم إلى شريعتنا، يقول سبحانه \"فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين\".
الدفاع عن أهل الذمة وحمايتهم من الأعداء أمر لازم:
كما أوجب الإسلام الدفاع عن أهل الذمة وحمايتهم من الأعداء، إذ أن لهم من الحقوق مثل ما للمسلمين، بل يلزم الدفاع عنهم مما يؤذيهم والقتال دونهم وفك أسراهم من الأعداء مقابل ما دفعوه من جزية، قال ابن حزم رحمه الله \"إن من كان من أهل الذمة وجاء أهل الحرب إلى بلادنا يقصدونه وجب علينا أن نخرج لقتالهم بالكراع والسلاح ونموت دون ذلك، صونا لمن هم في ذمة الله تعالى وذمة رسوله صلى الله عليه وسلم فإن تسليمه دون ذلك إهمال لقعد الذمة\"
وإذا كانت حماية غير المسلمين من المعتدين الخارجين لازمة فحمايتهم من الاعتداء الداخلي ألزم، قال الماوردي \"ويلتزم لهم، يعني أهل الذمة، ببذل الجزية حقان: أحدهما الكف عنهم، والثاني: الحماية لهم ليكونوا بالكف آمنين وبالحماية محروسين\".
الصحابة رضوان الله عليهم التزموا بنهج الإسلام وتعاليمه:
ولذا نجد الصحابة رضوان الله عليهم راعوا مبدأ حماية الإسلام لأهل الذمة، والحفاظ على حقوقهم من الاعتداء عليها أو النيل منها بغير وجه حق، سواء أكان هذا الاعتداء من المسلمين أو من غيرهم، وتجلى ذلك في صور عديدة ولا أدل على ذلك من القصة المشهورة والتي رواها أنس بن مالك - رضي الله عنه - قال: كنا عند عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - إذ جاء رجل من أهل مصر فقال: يا أمير المؤمنين هذا مقام العائذ بك قال: وما لك؟ قال أجرى عمرو بن العاص بمصر الخيل فأقبلت فرسي، فلما رآها الناس قام محمد بن عمرو فقال: فرسي ورب الكعبة. فلما دنا مني عرفته فقلت: فرسي ورب الكعبة، فقام إلي يضربني بالسوط ويقول: خذها وأنا ابن الأكرمين. وبلغ ذلك عمرا أباه، فخشي أن آتيك فحبسني في السجن، فانفلت منه، وهذا حين أتيتك. قال أنس - رضي الله عنه -: فوالله ما زاد عمر على أن قال: اجلس. وكتب إلى عمرو: إذا جاءك كتابي هذا فأقبل وأقبل معك بابنك محمد. وقال للمصري: أقم حتى يأتيك مقدم عمرو. فدعا عمرو ابنه، فقال: أأحدثت حدثا؟ أجنيت جناية؟ قال: لا. قال: فما بال عمر يكتب فيك؟ فقدما على عمر. قال أنس - رضي الله عنه -: فوالله إنا عند عمر، إذا نحن بعمرو وقد أقبل في إزار ورداء، فجعل عمر يلتفت هل يرى ابنه فإذا هو خلف أبيه. فقال عمر: أين المصري؟ قال: ها أنا ذا. قال دونك الدرة فاضرب بها ابن الأكرمين. فضربه حتى أثخنه، ونحن نشتهي أن يضربه، فلم ينزع عنه حتى أحببنا أن ننزع من كثرة ما ضربه، وعمر يقول: اضرب ابن الأكرمين.
ثم قال عمر: أجلها على صلعة عمرو، فوالله ما ضربك إلا بفضل سلطانه. فقال المصري: يا أمير المؤمنين، قد استوفيت واشتفيت، يا أمير المؤمنين قد ضربت من ضربني.
قال عمر - رضي الله عنه-: أما والله لو ضربته ما حلنا بينك وبينه، حتى تكون أنت الذي تدعه.
يا عمرو متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟
فجعل عمرو يعتذر ويقول إني لم أشعر بهذا. ثم التفت عمر إلى المصري فقال: انصرف راشدا، فإذا رابك ريب فاكتب لي.
الوعيد الشديد لمن أخفر ذمة معاهد
ويقول الأستاذ الدكتور إبراهيم محمد قاسم (الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف) إن الإسلام قد كفل حقوق غير المسلمين، وتكفل بحمايتهم ليس ذلك بالحث فقط على حسن معاملتهم أو الإشارة إلى ضرورة حمايتهم، بل إنه نص نصا صريحا قاطعا يبين تلك الحقوق ويقرر هذه الأصول في تشريعاته ومصادره، حتى لا يدعي أحد من بعد غير ما قرره الإسلام وأكده، وحتى تظل تلك النصوص شاهدة على سماحة الإسلام وعدالته وأنه الدين الصالح لكل زمان ومكان.
ولم يكتف الإسلام بأن وضع الأسس والقواعد التي تكفل حماية غير المسلمين، بل إنه وضع عقوبات رادعة لمن يتعدى حدود الله عز وجل ويتجاوز حدود العهود بين المسلمين وغيرهم، وبمقتضى التشريع الإسلامي فإن المسلم الذي يقتل غير مسلم دون حق فإنه يقتل به، ومن سرق أحدا من أهل الكتاب فإنه يقام عليه الحد كمن سرق من المسلمين، كما ثبت ذلك من عموم الأدلة.
واستمع إلى هذا الحديث النبوي الشريف لترى مدى عناية الإسلام بالمعاهد وحفاظه عليه يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: \"ألا من ظلم معاهدا أو كلفه فوق طاقته أو أخذ شيئا بغير طيب نفس منه فأنا حجيجه يوم القيامة (أخرجه البيهقي)
وهو عليه الصلاة والسلام يقول \"من قتل نفسا معاهدا لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها ليوجد من مسيرة أربعين عاما\" رواه البخاري
تلك صور من صور حماية الإسلام للمعاهدين من غير المسلمين.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد