وكان رسول الله – رسول الله صلى الله عليه وسلم- بتأييد من الوحي حارساً للتطبيق الكامل للمشروع الإسلامي فكان يوجه وينصح و يرشد ويقوم ويسدد بأقواله وأفعاله وتقريراته. يقول برغوث مبارك (1415):
\" إن دراسة سيرة الرسول –صلى الله عليه وسلم- وحركته في 23 عاماً هي في جوهرها دراسة في تشكيل حضارة وبناء نموذج حياتي جديد بـ (لا إله إلا الله محمد رسول الله) فأقواله وأفعاله وتقريراته وشمائله وفضائله وأخلاقه –صلى الله عليه وسلم- هي القواعد التي عليها بنى المجتمع الإسلامي وعقد لبناته، فلم يكتف - عليه الصلاة والسلام - بوضع مخططات التغيير وبرامجه ومناهجه وكيفياته وموجباته، بل ساهم في البناء حتى وصل به إلى المرحلة التي أكمل فيها مهمة البلاغ المبين التي أمره بها الخالق - عز وجل -..فكانت الحضارة الإسلامية هي حضارة المصلحة بخلاف الحضارات التي عاصرتها والتي نعاصرها نحن اليوم بعد أربعة عشر قرناً من الزمان \" (ص43).
6 - تبصير الأجيال بخصائص نبي الحضارة ورسالته الخالدة:
لم يسجل التاريخ لأي من المربين أو العظماء تفصيلات حياته و دقائقها كما سجل لمحمد بن عبد الله – صلى الله عليه وسلم- ، ولم يكن لأي مشهور، قبل أن يبرز على مسرح التاريخ مواقف كبيرة، تدل على أن هذا الإنسان سيكون من الصفوة ذوي التأثير الحضاري.ولم يكن يُعلم أن هذا الإنسان سوف يأتيه يوم يستحق فيه الاهتمام ويستحق أن تُتابع تحركاته وأن تنال تصرفاته الإشادة والتقدير. وحتى الأنبياء - عليهم السلام - لم ترصد لنا المصادر الوثيقة تفاصيل السنوات التي عاشوها قبل مبعثهم، ولم تتوفر معلومات أكيدة تساعد على عرض سيرتهم منذ الولادة إلى الوفاة.
أما نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم- فلم تكن شاردةٌ ولا واردةٌ إلا وصلتنا عنه، وسجلتها كتب التاريخ والسير سواءً منها ما كان قبل البعثة أو بعدها. وتبوأ – صلى الله عليه وسلم- بفعله الحضاري في البشرية أن يكون أعظم عظماء التاريخ، ولا عجب في ذلك فقد اختاره الله واصطفاه وفضله على العالمين. وأخرج – صلى الله عليه وسلم- بعبادته وأخلاقه وسموه البشري نموذج الفرد الحضاري الذي أسس الحضارة الكاملة الراقية.
إن نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم- هو رائد الحضارة ومربي رجالها في القديم والحديث، فلابد من ذكر صفاته وشمائله، ولا بد من ترداد أقواله وأفعاله وسيرته كي تتعلق به قلوب الأجيال وتمتلىء حباً بذكر محاسنه – صلى الله عليه وسلم- . ومن السبل للوصول إلى هذا الهدف هو أن يتعرف المربي والمتربي على ما تحلى به – صلى الله عليه وسلم- من المآثر والمكارم التي أكرمه الله بها، وأن يتذكر الفضائل التي فضله بها على العالمين من الجن والإنس. ومنها قوله – صلى الله عليه وسلم- : (أنا سيد ولد آدم ولا فخر) رواه مسلم في كتاب الفضائل باب تفضيل نبينا – صلى الله عليه وسلم- . ومنها قوله – صلى الله عليه وسلم- : (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة ولا فخر) رواه البخاري في كتاب الأنبياء. يقول ابن القيم - رحمه الله - (1405): \" فلا يجوز لأحد قط أن يقول عن غيره أنه سيد الناس وسيد الكل أو سيد ولد آدم \" (ج2ص341). وأما ما ورد من النهي عن التفضيل بينه وبين الأنبياء من أحاديث من نحو قوله – صلى الله عليه وسلم- : (لا تفضلوا بين الأنبياء) متفق عليه، فقد قال ابن حجر (1404): \" قال العلماء في نهيه عن التفضيل بين الأنبياء: إنما نهى عن ذلك من يقوله برأيه لا من يقوله بدليل أو من يقوله بحيث يؤدي إلى تنقيص المفضول أو يؤدي إلى الخصومة والتنازع، أو المراد لا تفضلوا بجميع أنواع الفضائل بحيث لا يُترك للمفضول فضيبلة \" (ج6ص446). والله - تعالى - يقول: {تِلكَ الرٌّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ, مِنهُم مَن كَلَّمَ اللَّهُ وَرَفَعَ بَعضَهُم دَرَجَات}(البقرة: من الآية253).
ولا شك أن إدراج هذه المحتويات المعرفية تزيد المعلم والمتعلم إيماناً وتصديقاً وحباً واتباعاً لنبينا محمد – صلى الله عليه وسلم- ، ولا يزال المتربي يستزيد معرفةً فيزيد اتباعاً إلى أن يرتقي في المحبة و يصير خليل الرحمن – صلى الله عليه وسلم- أحب إليه من كل عزيز وحبيب. وإذا سيطر الحب الوجداني قدم أقوال المصطفى وأفعاله وآراءه على كل مرغوب مشتهى ومحبوب. قال – صلى الله عليه وسلم- : (لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين) رواه البخاري (ج1ص54) كتاب الإيمان.
وقد خص الله - سبحانه وتعالى- نبيه الكريم بخصائص لم يكرم بها أحداً لا ملكاً مقرباً ولا نبياً مرسلاً. قال - تعالى -: {وَأَنزَلَ اللَّهُ عَلَيكَ الكِتَابَ وَالحِكمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَم تَكُن تَعلَمُ وَكَانَ فَضلُ اللَّهِ عَلَيكَ عَظِيماً}(النساء: من الآية113).
ذكر العز بن عبد السلام (ت660) أن هذه الآية صريحة في المفاضلة، وأن الله فضل نبينا – صلى الله عليه وسلم- من وجوه كثيرة (ص33). ثم ذكر العديد من الخصائص التي تدل على علو مرتبته – صلى الله عليه وسلم- وشرف مكانته وتميزه على جميع الخلق، ومنها:
- أنه سيد ولد آدم، وأفضل الخلق، وبيده لواء الحمد يوم القيامة.
- إخباره أن الله غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، ولم يُخبر أحد من الأنبياء بمثل ذلك.
- إيثاره – صلى الله عليه وسلم- أمته على نفسه إذ جُعل لكل نبي دعوة مستجابة فكل منهم تعجل دعوته في الدنيا واختبأ – صلى الله عليه وسلم- دعوته شفاعةً لأمته يوم القيامة.
- معجزة كل نبي تصرمت وانقرضت، ومعجزة سيد الأولين والآخرين – صلى الله عليه وسلم- وهي القرآن العظيم - باقية إلى يوم القيامة.
- تسليم الحجر عليه – صلى الله عليه وسلم- ، وحنين الجذع إليه ونبع الماء من بين يديه، ولم يثبت لأحد من الأنبياء مثل ذلك.
- الأموات الذين أحياهم من الكفر بالإيمان أكثر عدداً ممن أحياهم عيسى حياة الأبدان.
- أن الله - تعالى - أرسل كل نبي إلى قومه خاصةً وأرسل نبينا محمداً – صلى الله عليه وسلم- إلى الناس كافة.
- أن الله - تعالى -كلم موسى - عليه السلام - بالطور وبالوادي المقدس (وهي في الأرض) وكلم نبينا محمداً – صلى الله عليه وسلم- عند سدرة المنتهى (وهي في السماء).
- أن الله - تعالى -أرسله رحمةً للعالمين فأمهل عصاة أمته ولم يعاجلهم إبقاءً عليهم بخلاف من تقدمه من الأنبياء فإنهم لما كُذبوا عوجل مكذبهم. (ص33-65).
وبعد هذا العرض الموجز للرسالة الحضارية التي قام بها المصطفى – صلى الله عليه وسلم- لنا أن نتساءل ما نصيب السيرة النبوية في المناهج التربوية اليوم؟ وما المقدار الكمي والكيفي الذي تتناوله الكتب الدراسية في فصول ومدارس العالم الإسلامي؟ ثم ما أثر معرفتها في سلوك المربين والمتربين على السواء؟ وما أثرها في حياة المعلمين والمرشدين العاملين في ميادين الدعوة والتربية والتعليم؟
إن من واجب المسئولين والمربين خاصةً أن يحسنوا التعامل مع السيرة النبوية وخصوصاً في هذه المرحلة العصيبة من حياة الأمة، وإن من المهمات الواجبة ما يلي:
- معرفة حق النبي – صلى الله عليه وسلم- وما يجب له من الإجلال والتوقير والتعظيم بدون غلو أو مبالغة.
- بذل الجهود لتحليل المواقف والأحداث التي مرت على النبي – صلى الله عليه وسلم- وصحت من سيرته لأخذ الدروس والعبر منها.
- تبيين منهج المصطفى – صلى الله عليه وسلم- وهديه في مختلف جوانب الحياة.
- التركيز على الاقتداء العملي من جميع فئات المجتمع وخاصةً المعنيين بالعملية التربوية.
-ربط السيرة النبوية جملةً وتفصيلاً بالسنن الربانية للاستفادة منها في حركة الإصلاح والتغيير الحضاري.
- إبراز كيفية ممارسة الرسول – صلى الله عليه وسلم- تدريب أصحابه على البناء والتعمير، وكيف دربهم على الجهاد والكفاح، ومن الأمثلة على ذلك عند بناء المسجد وأثناء حفر الخندق، ومواقفه الشجاعة والنبيلة أثناء الغزوات كما حصل في غزوة حنين وأحد وفتح مكة.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد