ما إن عاد الأنصار الى يثرب حتى أذن الرسول - صلى الله وعليه وسلم - للمسلمين بالهجرة فخرجوا من مكة زرافات و وحدانا يتسللون خوفا من منع قريش لهم و ظلت الهجرة حوالى شهرين تقريبا (من آخر ذى الحجة إلى أول ربيع الأول) حتى خلت معظم ديار المسلمين فى مكة من ساكنيها و لم يبق بمكة غير الرسول - صلى الله وعليه وسلم - و أبي بكر و علي و آل بيوتهم و المستضعفين من المسلمين
وكان وقع الهجرة على مشركي قريش سيئا فحاولوا منع المسلمين بشتى الطرق الإرهابية ولكنها لم تجد فتيلا، فتآمروا بالرسول - صلى الله عليه وسلم - فى دار الندوة و استقر رأيهم على الفتك به بطريقة تضمن تفرق دمه فى القبائل فلا يكون لأهله حتى المطالبة به فانتقوا من كل قبيلة شابا قويا، و أوكلوا إليه حصار بيت الرسول - صلى الله وعليه وسلم - و أن يقتلوه بضربة واحدة، و لكن كان تدبير الله أقوى من تدبيرهم، كما قال - تعالى -: وَيَمكُرُونَ وَيَمكُرُ اللهُ وَاللهُ خَيرُ المَاكِرِينَ، فأطلع رسوله على تدبير قريش و أوصى إليه بالهجرة إلى يثرب فنام علي فى فراش الرسول - صلى الله وعليه وسلم - و تغطى ببردته ليغرر بالمحاصرين، و اصطحب الرسول - صلى الله وعليه وسلم - معه أبا بكر و خرجا ليلا إلى جنوب مكة و اختفيا فى غار جبل ثور و مكثا فيه ثلاثة أيام و كان عبد الله بن أبى بكر و أخته أسماء يحملان الأخبار و الطعام و الماء إليهما
جن جنون قريش عندما عرفت أنها باتت تحرس علي وأن الرسول - صلى الله وعليه وسلم - خرج من مكة سليما معافى، فاتجه رجالها للبحث عنه فى كل مكان و وصل بهم قصاصو الأثر حتى باب الغار الذى يختبىء فيه الرسول - صلى الله وعليه وسلم - و صاحبه، و لكن جند الله كانت تحرسه و تسهر عليه و أيده الله بجنود شاهدها الناس كالحمام و العنكبوت و جندا لم يشاهدوها و هى التى عناها الحق فى قوله - تعالى – ( وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ, لَّم تَرَوهَا) و بعد أن مكثا فى الغار ثلاثة أيام ركبا صوب يثرب و كان عليهما أن يختارا طريقا غير الطريق المعهود حتى لا تظفر بهما قريش فاتخذا من\"عبد الله بن أريقط\"دليلا لهما فسلك بهما الطريق الغربي المحاذي للبحر الأحمر و هو طريق وعر غير مسلوك لكثرة ما فيه من صعوبات و مشاق تحملها الرسول - صلى الله وعليه وسلم - و صاحبه و قطعوا مسافة 510 ميلا تحت الشمس الحارقة تطاردهم مكة بأسرها و قد أدركهم بعض المطاردين فحماهم الله منهم،
قطعوا المسافة فى ثمانية أيام و وصلوا إلى قباء ضاحية يثرب يوم الأثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول
سمات الدعوة الإسلامية فى دورها المكي
استغرقت الدعوة الإسلامية فى دورها المكي(من البعثة حتى الهجرة)اثنتي عشرة سنة و خمسة أشهر وواحد و عشرون يوما نزل فيها على الرسول - صلى الله عليه وسلم - معظم القرآن فنزل بمكة اثنتان وثمانون سورة من جملة سور القرآن البالغة مائة و أربع و عشرة بالإضافة إلى اثنتي عشرة سورة مشتركة بين المكي والمدني و اشتمل التشريع المكي على أهم ما جاءت من أجله الدعوة الإسلامية، كما يتميز بأنه تشريع كلي، أي أنه يهتم بالأمور الكلية ولا يتعرض لأحكام جزئية و يمكن تلخيص سمات التشريع المكي فيما يأتى :
أولا: الوحدانية و رفض عبادة الأوثان و أن تكون هذه العقيدة أساسا لبناء المجتمع الجديد
ثانيا: تقرير فكرة البعث و الحساب واليوم الآخر و أن كل إنسان يحاسب بمفرده على عمله فلا تزر وازرة وزر أخرى
ثالثا: وحدة الرسالات السماوية و أنها تستمد أصولها من منبع واحد هو الله - سبحانه وتعالى -
رابعا: بيان الصفات التي تقرب العبد من ربه و التي تبعده عنه
خامسا: إذابة الفوارق بين الطبقات و الغاء العصبية القبلية فالناس جميعا متساوون فى الحقوق و الواجبات فكلهم من ذكر و أنثى، و أن الأفضلية لا تكون إلا بمقدار تقوى العبد لربه{إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللهِ أَتقَاكُم}
سادسا: فرضت الزكاة و الصلاة في هذا العصر
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد