أولاً: زينب بنت خزيمة أم المساكين - رضي الله عنها -:
هي زينب بنت خزيمة بن الحارث الهلالية، فهي من بني عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة. وكانت تسمى في الجاهلية «أم المساكين» لإطعامها إياهم، تزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في رمضان على رأس واحد وثلاثين شهرًا من الهجرة، فمكثت عنده ثمانية أشهر، وتوفيت في حياته - صلى الله عليه وسلم - في آخر ربيع الأول على رأس تسعة وثلاثين شهرًا، ودفنت في مدينة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(1).
كانت زينب بنت خزيمة تحت عبد الله بن جحش بن رئاب الذي قتل في معركة أحد شهيدًا في سبيل الله - تعالى -، فتزوجها - صلى الله عليه وسلم - إكرامًا لها بعد أن فُجعت بقتل زوجها في معركة أحد، ولم يتركها أرملة وحيدة، فكأنه كافأها - صلى الله عليه وسلم - على فضائلها بعد مصاب زوجها(2).
ثانيًا: زواج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأم سلمة - رضي الله عنها -:
هي هند بنت أبي أمية حذافة بن المغيرة القرشية المخزومية، كانت زوجة ابن عمها أبي عبد الله بن عبد الأسد، وزوجها هذا هو ابن عمة الرسول - صلى الله عليه وسلم - برة بنت عبد المطلب، وهو أيضا أخو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الرضاعة، وقد هاجرت أم سلمة - رضي الله عنها - وزوجها أبو سلمة إلى الحبشة فرارًا بدينهما من المشركين، ثم رجعا إلى مكة وهاجرا إلى المدينة بعد أن هاجر إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والمسلمون(3).
1- حديث أم سلمة لأبي سلمة - رضي الله عنهما -:
قالت أم سلمة لأبي سلمة: بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة، ثم لم تزوج إلا جمع الله بينهما في الجنة، فتعال أعاهدك ألا تزوَّج بعدي ولا أتزوج بعدك. قال: أتطيعينني؟ قالت: نعم، قال: إذا مت تزوجي، اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلاً خيرًا مني، لا يحزنها ولا يؤذيها، فلما مات قلت: من خير من أبي سلمة؟ فما لبث وجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقام على الباب فذكر الخطبة إلى ابن أخيها، أو ابنها فقالت: أرد على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أو أتقدم عليه بعيالي، ثم جاء الغد فخطب(4).
2- دعاء أم سلمة لما توفي زوجها:
لما توفي زوجها أبو سلمة من أثر جراحات أصابته في قتاله للمشركين، وكانت تحبه وتجله، فلما مات أبو سلمة جاءت النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالت: يا رسول الله إن أبا سلمة قد مات قال: «قولي: اللهم اغفر لي وله وأعقبني (5) منه عقبى حسنة» قالت: فقلت، فأعقبني الله من هو خير لي منه محمدًا - صلى الله عليه وسلم -(6).
3- حوار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأم سلمة عندما خطبها:
قال عمر بن أبي سلمة - رضي الله عنهما -: إن أم سلمة لما انقضت عدتها خطبها
أبو بكر فردته، ثم خطبها عمر فردته، فبعث إليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالت: مرحبًا: أخبر رسول الله أني غيرى(7)، وأني مُصبية(8)، وليس أحد من أوليائي شاهدًا.
فبعث إليها: «أما قولك: إني مصبية، فإن الله سيكفيك صبيانك، وأما قولك: إني غيرى فسأدعو الله أن يذهب غيرتك، وأما الأولياء فليس أحد منهم إلا سيرضى بي»(9).
وفي رواية: إني امرأة قد أدبر من سني، فكانت إجابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لها: «وأما السن فأنا أكبر منك»(10) وهكذا أحسن إليها - صلى الله عليه وسلم - الجواب، وما كان إلا محسنًا(11).
قالت أم سلمة: يا عمر (أي ابنها) قم فزوِّج رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(12)، قال ابن كثير في تعليقه على قول أم سلمة: قم يا عمر فزوج النبي - صلى الله عليه وسلم -: تعني قد رضيت وأذنت، فتوهم بعض العلماء أنها تقول لابنها عمر بن أبي سلمة، وقد كان ذاك صغيرًا لا يلي مثله العقد، وقد جمعت في ذلك جزءًا مفردًا بينت فيه الصواب في ذلك، ولله الحمد والمنة، وأن الذي ولي عقدها عليه ابنها سلمة بن أبي سلمة وهو أكبر(13) ولدها.
4- تأثيث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لبيت زينب ومعاملته لها:
فلما وافقت على الزواج قال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أما أني لا أنقصك مما أعطيت فلانة رحيين وجرتين ووسادة من أدم حشوها ليف»(14).
وكانت أم سلمة قد ولدت طفلة من زوجها أبي سلمة بعد موته، فعندما تزوجها - صلى الله عليه وسلم - جعل يأتيها، فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها، وكان - صلى الله عليه وسلم - حييًا كريمًا يستحي فيرجع ففعل ذلك مرارًا(15)، ففطن عمار بن ياسر - رضي الله عنه- وهو أخ لأم سلمة من أمها (سمية) الشهيدة التي قتلها أبو جهل، فأطلق قدميه نحو بيت أخته أم سلمة، فأخذ ابنة أخته ليسترضعها في بيته أو عند إحدى النساء، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أين زناب؟ » فقالت قريبة ابن أبي أمية ووافقها عندها(16): أخذها عمار بن ياسر فقال - صلى الله عليه وسلم -: «إني آتيكم الليلة».
قالت أم سلمة: فقمت فوضعت ثفالي(17)، وأخرجت حبات من شعير كانت في جرتي، وأخرجت شحمًا فعصدته، ثم بات، ثم أصبح، وقال حين أصبح: «إن بك على أهلك كرامة، فإن شئت سبّعت(18) لك وإن أسبع لك أسبع لنسائي(19)، وإن شئت ثلثت ثم درت» قالت: ثلِّث(20)، فأقام النبي - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أيام عند أم سلمة ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: «للبكر سبع وللثيب ثلاث»(21) هي مدة إقامة المتزوج عند زوجته إذا كان عنده غيرها.
أقام - صلى الله عليه وسلم - عند أم سلمة - رضي الله عنها - ثلاثة أيام سعيدة، ثم رتب لها يومًا كبقية زوجاته.
5- تغيير اسم برة بنت أبي سلمة:
تقول تلك الطفلة اليتيمة -رضي الله عنها-: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - دخل على أم سلمة حين تزوجها واسمي برة، فسمعها تدعوني برة، فقال: «لا تزكوا أنفسكم، فإن الله هو أعلم بالبرة منكن والفاجرة، سمِّها زينب».
فقالت أم سلمة: فهي زينب(22).
وهذا من هدي النبي - صلى الله عليه وسلم -، فقد كان يحب الأسماء الجميلة، ولم يكن - صلى الله عليه وسلم - يغير أسماء الأطفال فقط، بل كان للرجال والنساء والعجائز نصيب من ذلك الذوق النبوي الرفيع، فقد ذكر عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رجل يقال له: شهاب، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «بل أنت هشام» (23).
وكان - صلى الله عليه وسلم - إذا أتاه الرجل وله اسم لا يحبه حوله(24)، إلى اسم أجمل وألطف، وكان يفعل ذلك مع العجائز - صلى الله عليه وسلم -. فهذه عائشة - رضي الله عنها - تحدثنا، حيث تقول - رضي الله عنها -: (جاءت عجوز إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو عندي فقال لها رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من أنت؟ » قالت: جثامة المزنية. فقال: «بل أنت حسانة المزنية، كيف أنتم؟ كيف حالكم؟ كيف كنتم بعدنا؟ » قالت: بخير بأبي أنت وأمي يا رسول الله. فقرب إليه لحم، فجعل يناولها، فقلت: يا رسول الله لا تغمر يدك، فلما خرجت قلت: يا رسول الله تقبل على هذه العجوز هذا الإقبال؟ فقال: «إنها كانت تأتينا زمن خديجة، وإن حسن العهد من الإيمان»(25).
6- الحكمة في زواج أم سلمة:
والحكمة في هذا الزواج -كما يقول صاحب تفسير المنار-: ليس لأجل التمتع المباح له، وإنما كان لفضلها الذي يعرفه المتأمل بجودة رأيها يوم الحديبية، ولتعزيتها أي بوفاة زوجها(26)، ولا ننسى كذلك أن أم سلمة من بني مخزوم أعز بطون قريش، وهي التي كانت تحمل لواء الحرب والمواجهة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ووراء هذا الزواج تفتيت حقد هذه القبيلة وتقريب قلوب أبنائها، وتحبب إليهم ليدخلوا في الإسلام بعد أن صاروا أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم -(27).
وفي هذا الزواج فقه النبي - صلى الله عليه وسلم - في البناء الداخلي للأمة، وتأدية حق الشهداء في زوجاتهم، وحق هذه الزوجات من أن ينهلن من نور النبوة ما يشاء الله أن ينهلن لكي يبلغن عن رسول الله(28).
وكانت أم سلمة آخر من مات من أمهات المؤمنين، وكانت وفاتها سنة إحدى وستين، وقد روت عن رسول الله أحاديث، يبلغ مسندها ثلاثمائة وثمانية وثمانين حديثًا، واتفق البخاري ومسلم على ثلاثة عشر، وانفرد البخاري بثلاثة ومسلم بثلاثة عشر(29). لقد ساهمت في نشر العلم والحكمة عن رسول الله وبموتها انطفأ آخر مصباح من مصابيح أمهات المؤمنين طالما شع النور والهدى والعلم، فرضي الله عنها وأرضاها(30).
ثالثًا: مولد الحسن بن علي - رضي الله عنهما -:
قال الإمام القرطبي - رحمه الله -: ولد الحسن في شعبان من السنة الرابعة وعلى هذا ولد الحسين قبل تمام السنة من ولادة الحسن، ويؤيده ما ذكره الواقدي أن فاطمة علقت بالحسين بعد مولد الحسن بخمسين ليلة. وجزم النواوي في التهذيب أن الحسن ولد لخمس خلون من شعبان سنة أربع من الهجرة(31).
يقول علي بن أبي طالب - رضي الله عنه-: لما ولد الحسن سميته حربًا، فجاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: «أروني ابني..ما سميتموه؟ » قلت: حربًا، قال - صلى الله عليه وسلم -: «بل هو حسن»(32).
وهكذا غيَّر - صلى الله عليه وسلم - ذلك الاسم الحاد باسم جميل يدخل السرور والفرحة على القلب.
فحمل المولود الجديد اسمه الجميل، وحمله - صلى الله عليه وسلم - بين يديه وقبله، وهذا أبو رافع يخبرنا عن ماذا فعل رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، يقول: رأيت النبي - صلى الله عليه وسلم - أذن في أذني الحسن حين ولدته فاطمة بالصلاة(33).
وحدثنا أبو رافع عن عقيقة الحسن فقال: لما ولدت فاطمة حسنًا قالت: ألا أعق عن ابني بدم (بكبشين؟) قال - صلى الله عليه وسلم -: «لا ولكن احلقي رأسه وتصدقي بوزن شعره من فضة على المساكين والأوفاض» وكان الأوفاض ناسًا من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - محتاجين في المسجد أو الصفة، ففعلت ذلك(34).
وأحب - صلى الله عليه وسلم - أن يقدم عقيقة الحسن، فعق عنه كبشين(35).
وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في العقيقة: «كل غلام مرتهن بعقيقته، يذبح عنه يوم سابعه، ويحلق رأسه ويسمى» (36).
رابعًا: زيد بن ثابت - رضي الله عنه- يتعلم لغة اليهود سنة 4هـ:
وفي هذه السنة تعلم زيد بن ثابت كتابة اليهود، فعن خارجة بن زيد بن ثابت عن زيد بن ثابت: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يتعلم كتابة يهود ليقرأه على النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا كتبوا إليه(37)، فتعلمه في خمسة عشر يومًا، وفي رواية أخرى أن رسول الله لما قدم المدينة ذ ُهب بزيد إلى رسول الله، وقالوا: يا رسول الله، هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل الله عليك بضع عشرة سورة، فأعجب ذلك رسول الله وقال: «يا زيد تعلم لي كتاب يهود، فإني والله ما آمن يهود على كتاب» قال زيد: فتعلمت له كتابهم، ما مرت خمس عشرة ليلة حتى حذقته، وكنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه، وأجيب عنه إذا كتب(38).
وبهذا الخبر يتضح أن للترجمان مكانة رفيعة في الدولة، إذ هو الذي يطلع على أسرار الدولة وما يأتيها من مراسلات، أو ما ترسله من مخاطبات، إذ لا يصح أن يطلع كل إنسان على تلك الكتب الصادرة والواردة لئلا تختل الدولة وتكشف أسرارهاº ولذلك أمر النبي - صلى الله عليه وسلم - زيد بن ثابت بتعلم لغة اليهود(39)، وتعلم زيد بن ثابت لغة يهود في خمس عشرة يوما يدل على ذكاء مفرط، وقوة حافظة، وقد كان - رضي الله عنه- ممن حفظ القرآن كله على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ومن أشهر كتاب الوحي بين يديه، وهو الذي تولى كتابة القرآن وحده في الصحف في عهد الصديق، وكان أحد كاتبي المصاحف في عهد عثمان - رضي الله عنه-، وأمر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدًا بتعلم لغة اليهود وكتابتهم يدل على أن الإسلام يحبب إلى المسلم أن يتعلم لغة غيره وكتابتهم، ويتعرف على علومهم ومعارفهم ولا سيما إذا دعت لذلك ضرورة(40).
----------------------------------------
(1) انظر: تفسير القرطبي (14/166).
(2) انظر: المفصل في أحكام المرأة، عبد الكريم زيدان (11/469).
(3) انظر: سير أعلام النبلاء (2/202).
(4) انظر: سير أعلام النبلاء (2/203) وقال المحقق: أخرجه ابن سعد ورجاله ثقات.
(5) وأعقبني: أي بدلني وعوضني منه، أي في مقابلته عقبى حسنة أي بدلاً صالحًا.
(6) مسلم في الجنائز رقم 919.
(7) غيرى: كثيرة الغيرة.
(8) مصبية: أي ذات صبيان وأولاد صغار.
(9) انظر: سير أعلام النبلاء (2/203، 204) وإسناده صحيح.
(10) انظر: الطبقات لابن سعد (8/90) رجاله ثقات، لكنه مرسل.
(11) انظر: المفصل في أحكام المرأة (11/470).
(12) انظر: سير أعلام النبلاء (2/204) وإسناده صحيح.
(13) انظر: البداية والنهاية (4/92).
(14) انظر: سير أعلام النبلاء (2/204).
(15) المصدر نفسه (2/204).
(16) أي: توافق مجيء النبي (مع زيارة تلك المرأة لأم سلمة).
(17) هو ما يبسط تحت الرحى عند الطحن.
(18) أي أقمت عندك سبعة أيام.
(19) حديث حسن رواه ابن سعد (8/93).
(20) انظر: السيرة النبوية كما جاءت من الأحاديث الصحيحة للصوياني (3/136).
(21) حديث صحيح، صحيح الجامع للألباني (2/919).
(22) سنده قوي رواه ابن إسحاق ومن طريقه البخاري في الأدب المفرد (821).
(23) سنده حسن رواه البخاري في الأدب المفرد (825).
(24) حديث حسن رواه الطبراني (17/119).
(25) سنده قوي رواه الحاكم (1/62) والبيهقي في شعب الإيمان (6/517).
(26) انظر: تفسير المنار (4/372).
(27) انظر: التربية القيادية (3/356).
(28) المصدر نفسه (3/357).
(29) انظر: سير أعلام النبلاء (2/210).
(30) انظر: السيرة النبوية لأبي شهبة (2/248، 249).
(31) انظر: شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي (1/10).
(32) البخاري في الأدب (286).
(33) أبو داود رقم 5105.
(34) رواه الطبراني (3/30) بسند حسن.
(35) انظر: السيرة النبوية كما جاءت في الأحاديث الصحيحة للصوياني (3/106).
(36) انظر: صحيح الجامع (2/835).
(37) البخاري، كتاب الأحكام رقم 7195.
(38) انظر: سير أعلام النبلاء (2/429).
(39) انظر: زيد بن ثابت، كاتب الوحي وجامع القرآن، صفوان داوودي، ص80، 81.
(40) انظر:السيرة النبوية لأبي شهبة (2/249).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد