تأتي علينا كل عام الذكريات وتتكرر الأحداث، ونقوم في الغالب بالاحتفال بكل المناسبات والأعياد، وتقام السرادقات وتعقد الندوات ويتحدث المتحدثون، ولكن الأهم من ذلك والذي يجب علينا أن نلتفت إليه ولا نغفله، ماذا تعلمنا من تلك الذكرى أو من هذا الحدث، وما العائد الحقيقي من وراء استذكاره، أو الاحتفال به، وبذلك يكون الاحتفال الحقيقي، الاحتفال الذي يفيدنا في حياتنا الدنيا وفي أخرانا.
وشهر رمضان مليء بالأحداث العظام، والذكريات الجملية والكثيرة في الوقت ذاته، فهو شهر الانتصارات، وشهر تنزل فيه القرآن، وبه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهو في نفس الوقت شهر الطاعات التي تستوجب الرحمات، وشهر الغفران، وشهر العتق من النيران، فهو شهر كل من أوله إلى آخره مناسبات سعيدة، يسعد بها قلب المؤمن، ولأجمل من ذلك كله أنه عندما يذهب يأتي بالأفراح والأعياد، و\" للصائم فرحتان فرحة عند فطره وفرحة يوم أن يلاقي ربه\" صدق رسول الله عليه وسلم.
حول هذه المعاني وغيرها، دارت خطب الجمعة اليوم (18 من رمضان 1426 هـ / 21 10- 2005م) في عدد من البلدان والأقطار الإسلامية، ومن هذه الخطب نحاول استخلاص العبر والعظات والدروس النافعات لنا في وقتنا الحاضر.
عدم الاستبداد وطاعة الأمير
في مسجد زايد بن سلطان آل نهيان بغزة، أكد إمامه وخطيبه على أن من مزايا شهر رمضان بالإضافة إلى أنه شهر القرآن فإنه كذل شهر الجهاد في سبيل الله من أجل إعلاء كلمة الحق، وشهر الانتصارات التي أكرم الله بها عباده المؤمنين الصادقين، فكان فيه: غزوة بدر الكبرى، أو كما سماه الله - سبحانه - يوم الفرقان، وهو أول لقاء بين أهل الحق وحزب الباطل، والذي به ساق اله - سبحانه - لرسوله وأصحابه بأن النصر سيكون حليفهم، وأن سينصر الحق وسيهزم الباطل، وأن الله مؤيد الحق وجنده ( إذ يوحي ربك إلى الملائكة.... ).
ومن الأمور التي يجب أن نتعلمها من بدر الكبرى عدم الاستبداد في الأمور كلها، وهذا الأمر منطبقا على الحاكم والمحكوم، القوي والضعيف، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع مكانته ومنزلته ومع أنه يوحى إليه إلا أنه شاور أصحابه.
ومن الدروس كذلك طاعة المأمورين لأميرهم، طالما أنهم يرون أنه على حق، وهذا جلي واضح في سلوك المهاجرين والأنصار مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، مع صحابته في غزوة بدر.
إرجاع الحق لأهله
و في مسجد السيدة زينب بالقاهرة فقد أكد الشيخ الشحات العزازي، على أن من أهم الدروس والعبر التي من الممكن أن نستفيدها من غزوة بدر الكبرى إرجاع الحق لأهل، فيوم أن خرج النبي - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه رضوان الله عليهم إلى الحرب يقول - صلى الله عليه وسلم - لأصحابه بعد أن يسوي الصفوف: \" قد حضرنا هذا الموقف، وهذا موقف قد يكون آخر عهدنا بالدنيا فمن كان له حق أو خصومة فليقتص أو يتحلل، فيقوم رجل، أي رسول الله إن الله قد بعثك بالحق والعدل فاقتص لي من نفسك، فيكشف النبي عن بطنه
وموقف آخر نتعلمه من النبي - صلى الله عليه وسلم -، حين يقول لعلي ومرثد بن أثاثة ما أنتما بأقوى على المشي مني ولا أنا بأغنى عن الأجر منكما، وكانوا يتناوبون على جمل يركب كل منهم عليه مسافة ثم يتبادلون معا، فعرض الصحابيان الجليلان عليه - صلى الله عليه وسلم - أن يكمل الطريق، قائلين نحن نكيفك المشي فأنت نبي وقائدنا.
وهذا هو السلوك القويم من القائد، والأدب والاحترام والافتداء من قبل الجنود.
النصر بالقلوب لا بالأعداد.. ولكن!
عندما رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه، قبل الخروج لبدر استبشر بهم، فقد كان عددهم 313 صحابيًا، فلم يخف من قلة العدد ولا من كثرة عدد المشركين، ولكنه تذكر أن طالوت قد انتصر بنفس العدد أمام جيش كان تعداده أكثر من 100000 مقاتل، وهكذا فعلينا جنودا وقادة أن نستبشر وندع التشاؤم.
ومع ذلك فلابد أن نعلم قوتنا وقوة عدونا ولا نغتر بأنفسنا، وفي التكتيكات والترتيبات ما يعوض العدد، وهو ما فعله - صلى الله عليه وسلم -، عندما استشار أصحابه، في مكان الجيش، وهل نخرج أم لا، وهذا هو واجب القائد، وذلك لأمرين: الأول التأكد مما في قلوب الجنود، وحتى لا يشعر أحد باستئثار القائد بنفسه دونهم.
وقد انتصر المسلمون في بدر بعد أن أثبتوا نقاء قلوبهم وصحة نواياهم، وقوة عزيمتهم، وشكيمتهم، وهذا ما نوه عليه خطيب وإمام مسجد مولاي محمد - طرابلس ليبيا، كما أكد على أن المسلمين الآن في أحوج مما يكونا إلى ذلك.
جمع للكلمة وتوحيد للأمة
النبي - صلى الله عليه وسلم - أراد قبل أن يخرج لبدر أن يتأكد من وحدة كلمة والأمة والجماعة المسلمة التي خرجت معه لحرب أعدائهم، فهو - صلى الله عليه وسلم - يقول: أيها القوم أشيروا علي وعندها يقف المقداد وسط فيقول: يا رسول الله! امض لما أمرك الله فنحن معك، والله لا نقول لك، كما قالت بنو إسرائيل لموسى: (فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون)، ولكن اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى برك الغماد لجالدنا معك، وقاتلنا من بين يديك، ومن خلفك، وعن يمينك، وعن شمالك.
فقال له رسول الله – صلى الله عليه وسلم - خيراً ودعا له، وأشرق وجهه وسره، وأعجبه.
ثم التفت النبي وقال: أشيروا علي أيها الناس.
قال له سعد بن معاذ: والله لكأنك تريدنا يا رسول الله
قال النبي: أجل.
قال: فقد آمنا بك، وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق، وأعطيناك على ذلك عهودنا ومواثيقنا على السمع والطاعة، فامض يا رسول الله – صلى الله عليه وسلم - لما أردت، فنحن معك، فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غداً إنا لصبر في الحرب، صدق في اللقاء، لعل الله يريك منا ما تقر به عينك، فسر بنا على بركة الله.
وهكذا يتأكد الرسول الكريم والقائد المحنك من وحدة الصف، وبذلك يطمئن على جنده وأصحابه، ويدخل الحرب ولا يلقي بالا لعدد الكفار ولا عدتهم.
وهذا يؤكد لنا أن نصر الأمة الإسلامية لن يكون إلا إذا توحدت كلمتهم وصفوفهم فصاروا كالبنيان المرصوص يشد بعه بعضا.
وهذا ما ذكره الشيخ فضل الله في خطبته للجمعة بمسجد الإمامين الحسنين بلبنان.
ولذا فعلى المسلمين اليوم أن يعملوا على توحيد كلمتهم، ويردوا الحقوق إلى أهلها قيما بينهم، ولا يغتروا بقوتهم، ولا يستبدوا بآرائهم ولا يعصوا أمراءهم إذا اتبعوا الحق حتى يستحقوا النصر من الله - سبحانه وتعالى -.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد