1- بنو المصطلق:
هم بطن(1) من خزاعة، والمصطلق(2) جدهم، وهو جذيمة بن سعد ابن عمرو بن ربيعة ابن حارثة بن عمرو بن عامر ماء السماء(3).
2- تاريخ الغزوة:
اختلف العلماء في ذلك، وانحصرت أقوالهم فيها في ثلاثة أقوال، فمن قائل إنها في شعبان سنة ست، قال بذلك ابن إسحاق وخليفة بن خياط، وابن جرير الطبري. ومن قال بأنها في شعبان من العام الرابع للهجرة، مثل المسعودي.
وذهبت طائفة إلى أنها كانت في شعبان من السنة الخامسة، منهم موسى بن عقبة، وابن سعد، وابن قتيبة، والبلاذري، والذهبي، وابن القيم، وابن حجر العسقلاني، وابن كثير - رحمهم الله - ومن المحدثين الخضري بك، والغزالي، والبوطي.
وقد كانت وفاة سعد بن معاذ في أعقاب غزوة بني قريظة، وغزوة بني قريظة كانت في ذي القعدة من السنة الخامسة على القول الراجح، فيتعين أن تكون غزوة بني المصطلق قبلها(4).
3- أسباب هذه الغزوة: من أهم الأسباب لهذه الغزوة:
أ- تأييد هذه القبيلة لقريش واشتراكها معها في معركة أحد ضد المسلمين، ضمن كتلة الأحابيش التي اشتركت في المعركة تأييدًا لقريش.
ب- سيطرة هذه القبيلة على الخط الرئيسي المؤدي إلى مكة، فكانت حاجزًا منيعًا من نفوذ المسلمين إلى مكة(5).
ج- أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - بلغه أن بني المصطلق يجمعون له، وكان قائدهم الحارث بن أبي ضرار ينظم جموعهم، فلما سمع بهم خرج إليهم حتى لقيهم على ماء من مياههم يقال له: المريسيع من ناحية قديد إلى الساحل فهزمهم شر هزيمة(6).
4- أحداث غزوة بني المصطلق:
عندما شعر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بحركة بني المصطلق المريبة أرسل بريدة بن الحصيب الأسلمي للتأكد من نيتهم، وأظهر لهم بريدة أنه جاء لعونهم فتأكد من قصدهم، فأخبر الرسول - صلى الله عليه وسلم - بذلك.
وفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر شعبان من السنة الخامسة للهجرة خرج الرسول - صلى الله عليه وسلم - من المدينة في سبعمائة مقاتل(7)، وثلاثين فارسًا(8)، متوجهًا إلى بني المصطلق، ولما كان بنو المصطلق ممن بلغتهم دعوة الإسلام، واشتركوا مع الكفار في غزوة أحد، وكانوا يجمعون الجموع لحرب المسلمين، فقد روى البخاري(9) ومسلم(10) أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أغار عليهم وهم غارون -أي غافلون- وأنعامهم تُسقى على الماء، فقتل مقاتلهم وسبى ذراريهم، وأصاب يومئذ جويرية بنت الحارث(11).
ثانيا: زواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جويرية بنت الحارث - رضي الله عنها -:
قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق، وكان من بين الأسرى جويرية بنت الحارث، وكانت بركة على قومها، ولنسمع قصتها من السيدة عائشة - رضي الله عنها - حيث قالت: (لما قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سبايا بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث في سهم لثابت بن قيس بن شماس، أو لابن عم له، فكاتبته على نفسها وكانت امرأة حلوة ملحة لا يراها أحد إلا أخذت بنفسه، فأتت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لتستعينه في كتابتها.
قالت: فوالله ما هو أن رأيتها على باب حجرتي فكرهتها، وعرفت أنه سيرى منها ما رأيت، فدخلت عليه فقالت: يا رسول الله أنا جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار سيد قومه، وقد أصابني من البلاء ما لا يخفى عليك، فوقعت في السهم لثابت بن قيس بن شماس أو -لابن عم له- فكاتبته على نفسي فجئتك أستعينك على كتابتي. قال: «فهل لك في خير من ذلك؟ ».
قالت: وما هو يا رسول الله؟ قال: «أقض عنك كتابك وأتزوجك». قالت: نعم يا رسول الله، قد فعلت. قالت: وخرج الخبر إلى الناس أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد تزوج جويرية بنت الحارث. فقال الناس: أصهار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأرسلوا ما بأيديهم. قالت: فلقد أعتق بتزويجه إياها مائة أهل بيت من بني المصطلق، فما أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها(12). وجاء الحارث بن أبي ضرار بعد الوقعة، بفداء ابنته، إلى المدينة، فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - إلى الإسلام فأسلم(13).
تعتبر غزوة المريسيع من الغزوات الفريدة المباركة التي أسلمت عقبها قبيلة بأسرها، وكان الحدث الذي أسلمت القبيلة من أجله هو أن الصحابة حرروا وردوا الأسرى الذين أصابوهم إلى ذويهم بعد أن تملكوهم باليمين في قسم الغنائم، واستكثروا على أنفسهم أن يتملكوا أصهار نبيهم - عليه الصلاة والسلام -، وحيال هذا العتق الجماعي، وإزاء هذه الأريحية الفذة، دخلت القبيلة كلها في دين الله.
إن مرد هذا الحدث التاريخي وسببه البعيد، هو حب الصحابة للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتكريمهم إياه، وإكبارهم شخصه العظيم، وكذلك يؤتي الحب النبوي هذه الثمار الطيبة، ويصنع هذه المآثر الفريدة في التاريخ.
لقد كان زواج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من جويرية بنت الحارث له أبعاده، وتحققت تلك الأبعاد بإسلام قومها، فقد كان الزواج منها من أهدافه الطمع في إسلام قومها، وبذلك يكثر سواد المسلمين، ويعز الإسلام، وهذه مصلحة إسلامية بعيدة، يسر الله هذا الزواج، وباركه، وحقق الأمل البعيد المنشود من ورائه، فأسلمت القبيلة كلها بإسلام جويرية، وإسلام أبيها الحارث، فقد عاد هذا الزواج على المسلمين بالبركة والقوة، والدعم المادي والأدبي معًا للإسلام والمسلمين(14).
أصبحت جويرية بنت الحارث زوجة لسيد المرسلين وأمًّا للمؤمنين، فكانت - رضي الله عنها - عالمة بما تسمع، وعاملة بما تعلم، فقيهة عابدة، تقية ورعة، نقية الفؤاد، مضيئة العقل، مشرقة الروح، تحب الله ورسوله، وتحب الخير للمسلمين.
وكانت - رضي الله عنها - تروي من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ناقلة لحقائق الدين من خزائنها عند من تنزلت عليه - صلى الله عليه وسلم -، يرويه عنها سدنة العلم من علماء الصحابة - رضي الله عنهم -، لينشروه في المجتمع المسلم
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد
التعليقات ( 1 )
هذه غزوة وهمية
-فؤاد الفائشي
05:03:32 2022-10-02