يوجد من الناس من تمرس على المكر والكيد والظلم والعدوان، وصار مجرم حرب لا يرجى منه خير، وهذا النوع لا يفيد معه نصح أو تخويف، فلا بد من تطهير المجتمع منه ومن شره، ففي بقائه ضرر على الناس، ومنعٌ للخير، وجلبٌ للشر.
و سلام بن أبي الحقيق - أبو رافع - هو من هذا الصنف، حيث إنه من أكابر مجرمي اليهود، الذين حزبوا الأحزاب وأعانوهم بالمؤن والأموال ضد المسلمين، وكان ممن آذى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان كثير التحريض على الدولة الإسلامية، فلا بد أن ينال عقابه، ويحصد ما جنت يداه.
فبعد فراغ المسلمين من بني قريظة، أرادت الخزرج أن يكون لها فضل التخلص من أبي الحقيق، كما نالت الأوس فضل التخلص من صاحبه كعب بن الأشراف.
فأرسلت الخزرج مجموعة رجال من بني سلمة بقيادة عبدالله بن عتيك قاصدين قتل أبي الحقيق وذلك بعد استئذان رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان ذلك في السنة الخامسة للهجرة.
وتوجه الصحابة قبل غروب الشمس من المدينة إلى حصن أبي رافع الذي كان يقبع فيه بخيبر من أرض الحجاز، فلما دنوا من الحصن، وقد غربت الشمس، وراح الناس بمواشيهم ودوابهم وأدخلوها إلى حصونهم وعادوا من الرعي، قال عبد الله بن عتيك لأصحابه - رضي الله عنهم -، اجلسوا مكانكم فإني منطلق ومتلطّف للبواب لعلّي أن أدخل، فأقبل عبد الله حتى دنا من الباب، وهاهنا فقد بعض اليهود من أهل الحصن حماراً لهم، فاستغل فرصة انشغال اليهود في البحث، فقام ودخل الحصن متقنعاً، وجلس أصحابه ينتظرونه، ثم نظر في الداخل يريد مكاناً آمناً له يختبئ فيه، فوجد مربط حمارٍ, عند باب الحصن فاختبأ فيه، ولما دخل اليهود إلى الحصن لاحظ عبد الله أين سيضع البواب المفاتيح.
فلما تيقن عبد الله من خلو المكان، أخذ المفاتيح من الموضع الذي وضعت فيه، ثم توجه إلى بيت أبي رافع، وأخذ في فتح الأبواب التي توصل إليه، وكلما فتح بابا أغلقه من الداخل حتى انتهى إليه، فإذا هو في بيت عال من الحصن لا يصل إليه أحد إلا عن طريق السٌّلم، وعندما أقبل على البيت إذا به بيت مظلم و أبو الحقيق وسط عياله، فلم يستطع عبد الله أن يعرفه إلا بعد أن ناداه، فأهوى عبد الله بالسيف نحو الصوت فلم يفلح في قتله، ثم عاد الثانية يناديه وفي كل مرة يغير صوته حتى تمكن منه وقتله دون أن يؤذي أحدا من أولاده وزوجه.
يقول عبد الله بن عتيك: فخرجت مسرعاً من داره فجعلت أفتح الأبواب باباً باباً، حتى أتيت السُلّم، فوضعت رجلي وأنا أظن أني قد انتهيت إلى الأرض، فوقعت فانكسرت ساقي، فعصبتها بعمامة، وقد ذكر ابن إسحاق - رحمه الله - أن عبد الله بن عتيك كان ضعيف البصر. وفي رواية عند البخاري: \"فانخلعت رجلي\"، ثم تحامل على نفسه حتى عاد إلى إخوانه،، وعادوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -، فأخبروه بالحدث، ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لعبد الله بن عتيك: (ابسط رجلك، قال: فبسطت رجلي، فمسحها، فكأنها لم أشتكها قط) رواه البخاري.
وفي هذا يقول شاعر الإسلام حسان بن ثابت عن مقتل أبي الحقيق
يا ابن الحُقيق وأنت يا ابن الأشرف *** للـه در عصـابة لاقيتهـم
يسرون بالبيض الخفاف إليكم *** مرحـاً كأُسـد فـي عرين مُغرّف
حتـى أتوكم في محل بيوتكم *** فسقوكـم حتفـاً ببيـضٍ, ذُفَّـفِ
مستنصرين لنصـر دين نبيهم *** مستصـغرين لكـل أمـرٍ, مُجحِفِ
تلك هي نهاية الظالمين المعتدين، وعاقبة الخائنين الغادرين، الذين لا يجدي معهم سوى هذا النوع من العلاج، وبهذا تم التخلص من ذلك المجرم اليهودي، لعله يكون عبرة لغيره، ودرساً يستفيد منه الآخرون.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد