عن عائشة أم المؤمنين قالت: كان لا يخطئ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يأتي بيت أبي بكر أحد طرفي النهار، إما بكرة، وإما عشية، حتى إذا كان اليوم الذي أذن فيه لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الهجرة، والخروج من مكة من بين ظهري قومه، أتانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالهاجرة([4])، في ساعة كان لا يأتي فيها، قالت: فلما رآه أبو بكر، قال: ما جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الساعة إلا لأمر حدث.
قالت: فلما دخل، تأخر له أبو بكر عن سريره، فجلس رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وليس عند أبي بكر إلا أنا وأختي أسماء بنت أبي بكر، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «أخرج عني من عندك» فقال: يا رسول الله إنما هما ابنتاي، وما ذاك، فداك أبي وأمي! فقال: «إنه قد أذن لي في الخروج والهجرة» قالت: فقال أبو بكر: الصحبة يا رسول الله؟ قال: «الصحبة» قالت: فوالله ما شعرت قط قبل ذلك اليوم أحدًا يبكي من الفرح، حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ، ثم قال: يا نبي الله، إن هاتين راحلتان قد كنت أعددتهما لهذا، فاستأجرا عبد الله بن أريقط رجلاً من بني الديل بن بكر، وكانت أمه امرأة من بني سهم بن عمرو، وكان مشركًا يدلهما على الطريق، فدفعا إليه راحلتيهما فكانتا عنده يرعاها لميعادهما([5]).
قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز، وصنعنا لهم سفرة في جراب، فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها فربطت به على فم الجراب، فبذلك سميت ذات النطاقين، ثم لحق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر بغار في جبل ثور فكمنا([6]) فيه ثلاث ليالٍ, يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر وهو غلام، شاب، ثقف([7]) لقن([8])، فيدلج([9]) من عندهما بسحر، فيصبح مع قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمرا يَكتادان([10]) به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك، حين يختلط الظلام ويرعى عليهما عامر بن فهيرة مولى أبي بكر منحة من غنم فيريحها عليها حين تذهب ساعة من العشاء فيبتان في رِسَل- وهو لبن منحتهما ورضيفهما([11])- حتى ينعق([12]) بها عامر بن فهيرة بغلس([13]) يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث، واستأجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأبو بكر رجلا من بني الديل وهو من بني عبد بن عدي هاديا خريتا- والخريت الماهر- بالهداية قد غمس حلفاً([14]) في آل العاص ابن وائل السهمي، وهو على دين كفار قريش، فأمناه فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث، وانطلق معهما عامر به فهيرة، والدليل فأخذ بهم طريق السواحل»([15]).
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد