الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، ثم أم بعد: -
إن المواقف ذات العبرة لكثيرة في السيرة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم.. فارتأيت أن أفرد لك موقف حلقة أتحدث فيه، مع ذكر الفوائد والعبر منها قدر الإمكان، حيث أن فعلاً كهذا فيه من المحامد والفوائد الشيء الكثير.. لاسيما وأن تحلية المجالس والدروس والخطب بذكر صحيح القصص النبوي يحتاجه كل باحث، و مدرّس و خطيب وقاص و غيرهم ..
فكم للقصة من أثر بالغ في نفس القارئ والسامع.. تهفو له النفوس.. وتطمئن له القلوب.. وتسمو به الأرواح.. لا سيما وأن القصص النبوي هداية للمهتدين و نموذج تربوي سام للمعلمين..
وهذه السيرة الشريفة مليئة بالذخائر والكنوز واللآلئ والدرر، ولابد من الغوص وراء أصدافها الحافظة لها، واستخراج دررها الفريدة من داخلها.. عجائبها غزيرة، وعقودها باهرة، أتت بالعجائب والنجائب والمراتب في كل باب، وأنتجت الفتوحات متنوعات في كل درب، وقدمت الصيغ الإنسانية التي تربّت على مائدة القرآن، أفضل النماذج التي يحتذى بها..
وقد احتوت السيرة النبوية ذلك كله، ولذلك فكلما عاشها الإنسان وعاشت به، عرفها أكثر، وأدركها أعمق، واقترب من مضامينها وأسرارها..
وهذه مباحث في سيرة الرسول - صلى الله عليه وسلم -، تقدم تصوراً وترسم منظراً، تكاد ترقبه وتشهده حتى لكأنك ترى أحداثه متحركة أمامك ماثلة نصب عينيك..
وبتمعنك فيها يتبين لك من خلالها ذلك الكم الهائل من الدروس والعبر المستفادة من حياة الرسول الكريم - صلى الله عليه وسلم - وحياة أصحابه الأبرار رضوان الله عليهم أجمعين..
فهي تُظهر أهميتها ودقائق تفاصيلها، وفقهها المتعمق للعمل بها والاستظلال بظلها، وهي حصيلة أصيلة.. وخبرة مستنيرة.. ومتعلق عاشق.. قام بدراستها وتدريسها.. وهي تطبيق لمنهج ودراسة لأحداث واستقراء لمضامين، ترى من خلالها هذه المعاني: أكثر نوراً وأشد ظهوراً وأشمل حبوراً.. أقدمها تقرباً إلى الله و حباً لرسوله الكريم - صلى الله عليه وسلم -، وخدمة لهذا الدين، من خلال رعاية تاريخه وبيان حقائقه المنيرة..
ولن أتطرق إلى ذكر الفوائد والدروس المستفادة من غزوات النبي - صلى الله عليه وسلم - وسراياهº لأن لذلك كله موضوع مستقل أتناول الحديث فيه عن هذا النشاط الجهادي والدعوي دون التوسع في أحداث الغزوة لأنها معروفة ومفصلة في كتب السيرة.. وإنما أكتفي بذكر الفوائد والدروس والعبر المستفادة من تلك الغزوات..
وهذه بعض فوائد دراسة السيرة النبوية أقدمها بين يدي هذا الموضوع: -
1- السيرة ذاتها معجزة من معجزات النبي - صلى الله عليه وسلم -، وآية من آيات نبوته، فهي سيرة عظيمة لمن تدبرها و لو لم تكن له معجزة غير سيرته لكفى.
2- معايشة الصحابة الكرام والسعادة بصحبة خير الأنام، نفرح لفرحهم، ونبكي لبكائهم.
3- دراسة السيرة النبوية متعة روحية وغذاء للقلوب الزكية.
4- دراسة السيرة تفيد المسلم الوقوف على كثير من الأحكام الفقهية والدروس التربوية، فلا يستغني عنها الدعاة إلى الله عزوجل ليتعلموا كيف تكون الدعوة إلى الله، ولا يستغني عنها المربون ليتعلموا كيف تكون التربية.
5- دراسة السيرة تعطينا المنهج الصحيح لحياة الفرد والمجتمع المسلم، ومعين رائق لفهم الشرعية الإسلامية وصورة صحيحة لأعظم منهج شهدته الأرض.
فهذه جملة من فوائد دراسة السيرة النبوية على صاحبها أتم الصلاة وأزكى التسليم ليست على سبيل الحصر، وقد بذلت جهداً أحتسبه عند الله عزوجل في جمع هذه الفوائد من بطون الكتب والمؤلفات، كما وأني واستنبطت بعضها، ولا أدعي أنني استوعبت الموضوع كله..
فهذا مجمل ما أردت قوله.. و أرجو الله ألا أكون ممن تخدعه الشمس بطول ظله.. و قد قلت بمقدار
ما اجتهدت.. و ما شهدت إلا بما علمت.. إن هي إلا خطرات.. بعضها متمنىً فات.. و بعضها لا يزال في بطون المؤلفات.. لم آتِ فيها على آخر إرادة.. ولا أزعم أني وفيّت على الغاية في الإفادة.. على أني قد كنت تمنيت أن أكتب أكثر فما أنجزت.. لكن لا ضير أن أصف النجم في سراه.. و إن لم أستقر في ذراه.. إن هي إلا لبنة على طريق الدعوة.. و أرجو أن تكون بقيمة الدرة.. و ما أراني بعد قد شفيت غلة النفس.. و بلغت بها أمنيتها.. فإنها تنظر إلى كثيرٍ, و كثير.. و أما أنا فإني أشد فقراً إلى عون الله و توفيقه و تثبيته..
اللهم اهدنا لأحسن الأحوال و الأفعال لا يهدي لأحسنها إلا أنت.. و ارزقنا صلاح الظاهر و الباطن.. و صدق النية.. و حسن الخاتمة.. و صلى الله على نبينا محمد و على آله و صحبه و سلم.
أضف تعليق
هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها
تم الإرسال
ستتم إضافة التعليق بعد معاينته من قبل فريق عمل مداد