السيرة العطرة


 

بسم الله الرحمن الرحيم

ولد - صلى الله عليه وسلم - يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول، و ذلك عام الفيل، بعده بخمسين يوماً، و مات أبوه و هو حمل،، و استرضع له في بني سعد، فأرضعته حليمة السعدية، و أقام عندها في بني سعد نحواً من أربع سنين، و شق عن فؤاده هناك، فردته إلى أمه، فخرجت به أمه إلى المدينة تزور أخواله بالمدينة، فتوفيت بالأبواء، وهي راجعة إلى مكة و له من العمر ست سنين، وقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لما مر بالأبواء و هو ذاهب إلى مكة عام الفتح استأذن ربه في زيارة قبر أمه فأذن له، فبكى وأبكى من حوله و كان معه ألف مقنع، فلما ماتت أمه حضنته أم أيمن و هي مولاته، ورثها من أبيه، وكفله جده عبد المطلب، فلما بلغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العمر ثماني سنين توفي جده، و أوصى به إلى عمه أبي طالب، لأنه كان شقيق فكفله، وحاطه أتم حياطة، ونصره حين بعثه الله أعز نصر، مع أنه كان مستمراً على شركه إلى أن مات، و خرج به عمه إلى الشام في تجارة و هو ابن ثنتي عشرة سنة، ثم خرج ثانياً إلى الشام في تجارة لخديجة بنت خويلد رضي الله - تعالى -عنها مع غلامها ميسرة على سبيل القراض، فرأى ميسرة ما بهره من شأنه، فرجع فأخبر سيدته بما رأى، فرغبت إليه أن يتزوجها، لما رجت في ذلك من الخير الذي جمعه الله لها، و فوق ما يخطر ببال بشر، فتزوجها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - و له خمس وعشرون سنة.

. وكان الله - سبحانه - قد صانه و حماه من صغره، و طهره من دنس الجاهلية و من كل عيب، و منحه كل خلق جميل حتى لم يكن يعرف بين قومه إلا بالأمين، لما شاهدوا من طهارته و صدق حديثه و أمانته، حتى إنه لما بنت قريش الكعبة في سنة خمس و ثلاثين من عمره فوصلوا إلى موضع الحجر الأسود اشتجروا فيمن يضع الحجر موضعه، فقالت كل قبيلة: نحن نضعها، ثم اتفقوا على أن يضعه أول داخل عليهم، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: جاء الأمين، فرضوا به، فأمر بثوب، فوضع الحجر في وسطه، وأمر كل قبيلة أن ترفع بجانب من جوانب الثوب، ثم أخذا الحجر فوضعه موضعه - صلى الله عليه وسلم -.

 

حجه واعتماره - صلى الله عليه وسلم -:

لم يحج - صلى الله عليه وسلم - بعدما هاجر إلا حجة واحدة، و هي حجة الإسلام وحجة الوداع،، و أما عمره فكن أربعاً: الحديبية التي صد عنها، و عمرة القضاء بعدها، ثم عمرة الجعرانة، ثم عمرته التي مع حجته. و قد حج - صلى الله عليه وسلم - قبل الهجرة مرة، و قيل: أكثر. و هو الأظهر، لأنه كان - صلى الله عليه وسلم - يخرج ليالي الموسم يدعو الناس إلى الله - تعالى -، - صلى الله عليه وسلم - تسليماً كثيراً دائماً إلى يوم الدين.

 

عدد غزواته و بعوثه - صلى الله عليه وسلم -:

فروى مسلم من حديث عبد الله بن بريدة بن الحصيب الأسلمي عن أبيه قال: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع عشرة غزوة، قاتل في ثمان منهن، وعن زيد بن أرقم قال: غزا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تسع عشرة غزوة كنت معه في سبع عشرة. و أما محمد بن إسحاق فقال: كانت غزواته التي خرج فيها بنفسه سبعاً وعشرين، و كانت بعوثه و سراياه ثمانياً و ثلاثين، و زاد ابن هشام في البعوث على ابن إسحاق، و الله أعلم.

 

أولاده - صلى الله عليه وسلم -:

فأما أولاده فذكورهم وإناثهم من خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -، إلا إبراهيم فمن مارية القطبية، و هم: القاسم، و به كان يكنى لأنه أكبر أولاده، ثم زينب، ثم رقية، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة. ثم بعد النبوة: عبد الله، و كلهم مات قبله، إلا فاطمة - رضي الله عنها - فإنها توفيت بعده بيسير..

 

زوجاته - صلى الله عليه وسلم -:

أول من تزوج - صلى الله عليه وسلم - خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها -، ثم تزوج سودة بنت زمعة القرشية العامرية، بعد موت خديجة بمكة، و دخل بها هناك، ثم تزوج حفصة بنت عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - في السنة الثالثة من الهجرة، ثم أم سلمة، ثم تزوج زينب بنت جحش في سنة خمس من ذي القعدة، ثم تزوج جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار المصطلقية، ثم تزوج صفية بنت حيي بن أخطب الخيبرية -رضي الله تعالى عنها-، ثم تزوج أم حبيبة، ثم تزوج ميمونة بنت الحارث الهلالية، و قد كان له من السراري اثنتان.و هما: مارية بنت شمعون القبطية، و أما الثانية فريحانة بنت عمرو..

 

خدمه - صلى الله عليه وسلم -:

و قد التزم جماعة من الصحابة - رضي الله عنهم - بخدمته، كما كان عبد الله بن مسعود صاحب نعليه، إذا قام ألبسه إياهما، و إذا جلس جعلهما في ذراعيه حتى يقوم، و كان المغيرة بن شعبة سيافاً على رأسه. وعقبة بن عامر صاحب بغلته، يقود به في الأسفار. و أنس بن مالك، و ربيعة بن كعب، و بلال، و ذو مخبر..

 

قصة الفيل:

كان سبب قصة أصحاب الفيل أن أبرهة بن الصباح كان عاملاً للنجاشي ملك الحبشة على اليمن، فرأى الناس يتجهزون أيام الموسم إلى مكة - شرفها الله - فبنى كنيسة بصنعاء، وكتب إلى النجاشي: إني بنيت لك كنيسة لم يبن مثلها، ولست منتهياً حتى أصرف إليها حج العرب، فسمع به رجل من بني كنانة، فدخلها ليلاً، فلطخ قبلتها بالعذرة، فقال أبرهة: من الذي اجترأ على هذا؟ قيل: رجل من أهل ذلك البيت، سمع بالذي قلت. فحلف أبرهة ليسيرن إلى الكعبة حتى يهدمها، وكتب إلى النجاشي يخبره بذلك، فسأله أن يبعث إليه بفيله، وكان له فيل يقال له: محمود، لم ير مثله عظماً وجسماً وقوة، فبعث به إليه، فخرج أبرهة سائراً إلى مكة، فسمعت العرب بذلك فأعظموه، ورأوا جهاده حقاً عليهم. فخرج ملك من ملوك اليمن، يقال له: ذو نفر، فقاتله، فهزمه أبرهة وأخذه أسيراً، فقال: أيها الملك استبقني خيراً لك. فاستحياه وأوثقه. وكان أبرهة رجلاً حليماً، فسار حتى إذا دنا من بلاد خثعم خرج إليه نفيل بن حبيب الخثعمي، ومن اجتمع إليه من قبائل العرب، فقاتلوهم فهزمهم أبرهة، فأخذ نفيلاً، فقال له: أيها الملك، إنني دليلك بأرض العرب، وهاتان يداي على قومي بالسمع والطاعة، فاستبقني خيراً لك. فاستبقاه، وخرج معه يدله على الطريق. فلما مر بالطائف خرج إليه مسعود بن معتب في رجال من ثقيف، فقال له: أيها الملك! نحن عبيدك، ونحن نبعث معك من يدلك، فبعثوا معه بأبي رغال مولى لهم، فخرج حتى إذا كان بالمغمس مات أبو رغال، وهو الذي يرجم قبره. وبعث أبرهة رجلاً من الحبشة -يقال له: الأسود بن مفصود- على مقدمة خيله وأمر بالغارة على نعم الناس، فجمع الأسود إليه أموال الحرم، وأصاب لعبد المطلب مائتي بعير. ثم بعث رجلاً من حمير إلى أهل مكة، فقال: أبلغ شريفها أنني لم آت لقتال، بل جئت لأهدم البيت. فانطلق، فقال لعبد المطلب ذلك. فقال عبد المطلب: ما لنا به يدان، سنخلي بينه وبين ما جاء له، فإن هذا بيت الله وبيت خليله إبراهيم، فإن يمنعه فهو بيته وحرمه، وإن يخلي بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به من قوة. قال: فانطلق معي إلى الملك -وكان ذو نفر صديقاً لعبد المطلب- فأتاه، فقال: يا ذا نفر، هل عندك غناء فيما نزل بنا؟ فقال: ما غناء رجل أسير لا يأمن أن يقتل بكرة أو عشياً، ولكن سأبعث إلى أنيس سائس الفيل، فإنه لي صديق، فأسأله أن يعظم خطرك عند الملك، فأرسل إليه، فقال لأبرهة: إن هذا سيد قريش يستأذن عليك، وقد جاء غير ناصب لك، ولا مخالف لأمرك، وأنا أحب أن تأذن له. وكان عبد المطلب رجلاً جسيماً وسيماً، فلما رآه أبرهة أعظمه وأكرمه، وكره أن يجلس معه على سريره، وأن يجلس تحته، فهبط إلى البساط، فدعاه فأجلسه معه، فطلب منه أن يرد عليه مائتي البعير التي أصابها من ماله. فقال أبرهة لترجمانه: قل له: إنك كنت أعجبتني حين رأيتك، ولقد زهدت فيك. قال: لم؟ قال: جئت إلى بيت -هو دينك ودين آبائك، وشرفكم وعصمتكم- لأهدمه، فلم تكلمني فيه، وتكلمني في مائتي بعير؟ قال: أنا رب الإبل، والبيت له رب يمنعه منك. فقال: ما كان ليمنعه مني. قال: فأنت وذاك. فأمر بإبله فردت عليه، ثم خرج. وأخبر قريشاً الخبر، وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب، ويتحرزوا في رؤوس الجبال، خوفاً عليهم من معرة الجيش، ففعلوا. وأتى عبد المطلب البيت، فأخذ بحلقة الباب، وجعل يقول:

يا رب لا أرجو لهم سواكا... يا رب فامنع منهمو حماكا

إن عدو البيت من عاداكا... فامنعهمو أن يخربوا قراكا

وقال أيضاً:

لا هم إن المرء يمنع رحله... وحلاله فامنع حلالك

لايغلبـن صليبهم ومحـ.... ـالهم غدراً محالـك

جروا جموعهم هم والفيـ.... ـل كي يسبـوا عيـالك

إن كنت تـاركهم وكعبتنا... فأمـر مــا بــدا لــك

ثم توجه في بعض تلك الوجوه مع قومه، وأصبح أبرهة بالمغمس قد تهيأ للدخول، وعبأ جيشه، وهيأ فيله، فأقبل نفيل إلى الفيل، فأخذ بإذنه، فقال: أبرك محمود فإنك في بلد الله الحرام. فبرك الفيل، فبعثوه فأبى. فوجهوه إلى اليمن، فقام يهرول، ووجهوه إلى الشام ففعل مثل ذلك، ووجهوه إلى المشرق ففعل ذلك، فصرفوه إلى الحرم فبرك. وخرج نفيل يشتد حتى صعد الجبل، فأرسل الله طيراً من قبل البحر، مع كل طائر ثلاثة أحجار: حجرين في رجليه وحجراً في منقاره، فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم، فلم تصب تلك الحجارة أحداً إلا هلك، وليس كل القوم أصابت، فخرج البقية هاربين يسألون عن نفيل، ليدلهم على الطريق إلى اليمن، فماج بعضهم في بعض، يتساقطون بكل طريق، ويهلكون على كل منهل. وبعث الله على أبرهة داء في جسده، فجعلت تساقط أنامله، حتى انتهى إلى صنعاء وهو مثل الفرخ، وما مات حتى انصدع صدره عن قلبه ثم هلك.  

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply