المختصر الأنيق في فضائل أبي بكر الصديق (2-2)


 

بسم الله الرحمن الرحيم

 

ومن مناقبه:

ثقة الرسول بالصديق لإيمانه ويقينه:

من فضائله ثقة الرسول به لعلمه بصدق إيمانه، وقوة يقينه، وكمال معرفته لعظيم سلطاته وكمال قدرته: كما ثبت في البخاري: \" بينما راع في غنمه، عدا عليه الذئب فأخذ منها شاة، فطلبه الراعي فالتفت إليه الذئب فقال: من لها يوم السبع، يوم ليس لها راع غيري؟ وبينا رجل يسوق بقرة قد حمل عليها، فالتفتت إليه فكلمته، فقالت: إني لم أخلق لهذا، ولكني خلقت للحرث). قال الناس: سبحان الله، قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (فإني أؤمن بذلك وأبو بكر وعمر بن الخطاب). - رضي الله عنهما - \".

 

 فالنبي جعل أبا بكر وعمر معه في الإيمان بما ذكر الناس، مع أنهما لم يحضرا ذلك المجلس وذلك لما اطلع عليه من غلبة صدق إيمانهما، وقوة يقينهما.

 

 ومن مناقبه:

 الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يحرص أن يعلم أصحابه معرفة منزلة أبي بكر وتوقيره:

حرص الرسول على ذكره بالفضل وتعليم أصحابه معرفة منزلة أبي بكر:

 في البخاري: \" عن أبي الدرداء - رضي الله عنه - قال:

كنت جالسا عند النبي - صلى الله عليه وسلم - إذ أقبل أبو بكر آخذا بطرف ثوبه، حتى أبدى عن ركبته، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (أما صاحبكم فقد غامر). فسلم وقال: إني كان بيني وبين ابن الخطاب شيء، فأسرعت إليه ثم ندمت، فسألته أن يغفر لي فأبى علي، فأقبلت إليك، فقال: (يغفر الله لك يا أبا بكر). ثلاثا، ثم إن عمر ندم فأتى منزل أبي بكر، فسأل: أثم أبو بكر، فقالوا: لا، فأتى إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فسلم، فجعل وجه النبي - صلى الله عليه وسلم - يتمعر، حت أشفق أبو بكر، فجثا على ركبتيه فقال: يا رسول الله، والله أنا كنت أظلم، مرتين، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: (إن الله بعثني إليكم فقلتم كذبت، وقال أبو بكر صدق. وواساني بنفسه وماله، فهل أنتم تاركوا لي صاحبي). مرتين، فما أوذي بعدها \".

 

 وقد تعلم الصحابة من هذا الموقف عدم إغضاب الصديق ولمقامه من رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

 

 ومن مناقبه:

الصديق أحب الناس إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -:

 فقد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن العاص - رضي الله عنه - قال: \" بعثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على جيش ذات السلاسل فأتيته فقلت: يا رسول الله أي الناس أحب إليك قال - صلى الله عليه وسلم - عائشة قلت: من الرجال؟ قال: أبوها \".

 

 ولا شك مع هذه المنزلة العظيمة للصديق من النبي - صلى الله عليه وسلم - تتضاءل كل منازل الدنيا، فإن من أحبه النبي - صلى الله عليه وسلم - أحبه الله - تعالى -، ومن أحبه الله - تعالى -فقد فاز بالدنيا والآخرة، وذلك هو الفوز المبين.

 

 ومن مناقبه:

 جهاده بالسيف مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وثباته وعدم تخلفه عن أي غزوة:

 قال شيخ الإسلام: \" قال العلماء: صحب أبو بكر النبي - صلى الله عليه وسلم - حين أسلم إلى حين توفي لم يفارقه سفراً ولا حضراً إلا فيما أذن له - صلى الله عليه وسلم - فيه من حج وغزو وشهد معه المشاهد كلها \" (المنهاج 8/390).

 قال ابن سعد: \" قالوا: وشهد بدراً وأحداً والخندق والمشاهد كلها مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ودفع رسول الله رايته العظمى يوم تبوك إلى أبي بكر وكانت سوداء...وكان ممن ثبت مع رسول الله يوم أحد حين ولى الناس \" (الطبقات 3/175).

زهد الصديق خليفة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: \" أهل العلم يقولون: أزهد الناش بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الزهد الشرعي أبو بكر وعمر \" (المنهاج)

 عن أسلم: \" أن عمر اطلع على أبي بكر وهو يمد لسانه فقال: ما تصنع يا خليفة رسول الله؟ فقال: إن هذا أوردني الموارد \". (رواه أبو يعلى في المسند 1/17).

 

 في البخاري عن عائشة - رضي الله عنها - قالت: \" دخلت على أبي بكر - رضي الله عنه -، فقال: في كم كفنتم النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: في ثلاثة أثواب بيض سحولية، ليس فيها قميص ولا عمامة. وقال لها: في أي يوم توفي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ قالت: يوم الإثنين. قال: فأي يوم هذا؟ قالت: يوم الإثنين. قال: أرجو فيما بيني وبين الليل. فنظر إلى ثوب عليه كان يمرض فيه، به ردع من زعفران، فقال: اغسلوا ثوبي هذا، وزيدوا عليه ثوبين، فكفنوني فيها. قلت: إن هذا خلق؟ قال: إن الحي أحق بالجديد من الميت، إنما هو للمهلة.

فلم يتوف حتى أمسى من ليلة الثلاثاء. ودفن قبل أن يصبح \" (البخاري 1321).

 

 عن الحسن بن علي - رضي الله عنه - قال: \" لما احتضر أبو بكر - رضي الله عنه - قال: يا عائشة انظري اللقحة التي كنا نشرب من لبنها، والجفنة التي كنا نصطبح فيها، والقطيفة التي كنا نلبسها، فإنا كنا ننتفع بذلك حين كنا في أمر المسلمين فإذا مت فرديه إلى عمر، فلما مات أبو بكر - رضي الله عنه - أرسلت به إلى عمر - رضي الله عنه - فقال عمر - رضي الله عنه -: رضي الله عنك يا أبا بكر لقد أتعبت من جاء بعدك \".

 

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية: \" أما أبو بكر فلم يعلم أنه منع أحدا حقه ولا ظلم أحداً حقه لا في حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبعد موته \" (المنهاج).

 

 من مناقبه:

 أشجع الناس بعد رسول الله:

 وأبو بكر كان أشجع الناس لم يكن بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو أشجع من أبي بكر وعمر وعثمان وطلحة والزبير.

 

 وهذا يعرفه من يعرف من يعرف سيرهم وأخبارهم فإن أبا بكر باشر الأهوال التي كان يباشرها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من أول الإسلام إلى آخره ولم يجبن ولم يحرج ولم يفشل.

 

 وكان يُقدِم في المخاوف يقي النبي - صلى الله عليه وسلم - بنفسه يجاهد المشركين تارة بيده وتارة بلسانه وتارة بماله وهو في ذلك كله مقدم.

 

 كان يوم بدر في العريش مع النبي مع علمه بأن العدو يقصدون مكان النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو ثابت القلب رابط الجأش يعاونه ويذب عنه ويخبره بأنا واثقون بنصر الله.

 

 والمسلمون كما قال شيخ الإسلام كانت لهم هزيمتان يوم أحد ويوم حنين والثابت في السير والمغازي أن أبا بكر وعمر ثبتا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم أحد ويوم حنين ولم ينهزما مع من انهزم.

 

 ولما مات النبي ونزلت بالمسلمين أعظم نازلة بهم حتى أوهنت العقول فمن الصحابة من أنكر موته ومنهم من أقعد ومنهم من دهش فلا يعرف من يمر وعليه ومن يسلم عليه وأكثر الأعراب قد ارتدوا عن الدين فقام الصديق - رضي الله عنه - بقلب ثابت وفؤاد شجاع وجمع الله له بين الصبر واليقين.

 

 ومن شجاعته مدافعته للنبي لما خنقه عقبة بن أبي معيط وهو ثابت في البخاري وذلك لما سئل عبد الله بن عمرو بن العاص عن أشد ما لاقاه النبي - صلى الله عليه وسلم -: \" قال: رأيت عقبة بن أبي معيط، جاء إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - وهو يصلي، فوضع رداءه في عنقه فخنقه به خنقا شديدا، فجاء أبو بكر حتى دفعه عنه، فقال: أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله، وقد جاءكم بالبينات من ربكم \".

 

 وكان يجاهد الكفار تارة بلسانه وتارة بقلبه وتارة بماله وهو في ذلك مقدم على جميع الصحابة.

 

إنجازات الصديق في خلافته:

 بعث جيش أسامة: قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: \" فكان خروجه في ذلك الوقت أي جيش أسامة في زمن الصديق من أكبر المصالح والحالة تلك، فساروا لا يمرون بحي من أحياء العرب إلا أرعبوا منهم وقالوا: ما خرج هؤلاء من قوم إلا وبهم منعة شديدة فقاموا أربعين يوماً ويقال سبعين يوماً ثم أتوا سالمين غانمين \". (البداية والنهاية).

 

 قتال المرتدين: قال شيخ الإسلام ابن تيمية: \" من أعظم فضائل أبي بكر عند الأمة أولهم وآخرهم أنه قاتل المرتدين \". (المنهاج 8/324).

 

 في البخاري (1335) عن أبي هُرَيرَةَ قَالَ: \" لَمَّا تُوُفِّيَ النَّبِيٌّ - صلى الله عليه وسلم - وَاستُخلِفَ أَبُو بَكرٍ, وَكَفَرَ مَن كَفَرَ مِن العَرَبِ قَالَ عُمَرُ يَا أَبَا بَكرٍ, كَيفَ تُقَاتِلُ النَّاسَ وَقَد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - أُمِرتُ أَن أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَمَن قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَقَد عَصَمَ مِنِّي مَالَهُ وَنَفسَهُ إِلَّا بِحَقِّهِ وَحِسَابُهُ عَلَى اللَّهِ قَالَ أَبُو بَكرٍ, وَاللَّهِ لَأُقَاتِلَنَّ مَن فَرَّقَ بَينَ الصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ فَإِنَّ الزَّكَاةَ حَقٌّ المَالِ وَاللَّهِ لَو مَنَعُونِي عَنَاقًا كَانُوا يُؤَدٌّونَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - لَقَاتَلتُهُم عَلَى مَنعِهَا قَالَ عُمَرُ فَوَاللَّهِ مَا هُوَ إِلَّا أَن رَأَيتُ أَن قَد شَرَحَ اللَّهُ صَدرَ أَبِي بَكرٍ, لِلقِتَالِ فَعَرَفتُ أَنَّهُ الحَقٌّ \".

 

 أخرج عبدالله بن أحمد في زوائده على الفضائل عن عائشة قالت: \" قبض النبي - صلى الله عليه وسلم - فارتدت العرب واشرأب النفاق بالمدينة فلو نزل بالجبال الرواسي ما نزل بأبي هاضها فوالله ما اختلفوا في نقطة إلا طار أبي بحظها وعنائها في الإسلام \". (الفضائل 1/98 وإسناده صحيح).

 

 عن وكيع قال: \" لولا أبو بكر الصديق ذهب الإسلام \". (رواه عبد الله في زوائده على الفضائل 1/138 وإسناده صحيح).

 

 قال شيخ الإسلام ابن تيمية في قوله - تعالى -: \" {فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه} وهم الذين قاتلوا أهل الردة وإمامهم أبو بكر \" (الفتاوى 4/416).

 

 قتل مسيلمة الكذاب: عن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال: \" قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فجعل يقول: إن جعل لي محمد الأمر من بعده تبعته، وقدمها في بشر كثير من قومه، فأقبل إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومعه ثابت بن قيس بن شماس، وفي يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قطعة جريد، حتى وقف على مسيلمة في أصحابه فقال: (لو سألتني هذه القطعة ما أعطيتكها، ولن تعدو أمر الله فيك، ولئن أدبرت ليعقرنك الله، وإني لأراك الذي أريت فيك ما رأيت) فأخبرني أبو هريرة: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: (بينما أنا نائم، رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما، فأوحي إلي في المنام: أن انفخهما، فنفختهما فطارا، فأولتهما كذابين يخرجان من بعدي). فكان أحدهما العنسي، والآخر مسيلمة الكذاب، صاحب اليمامة\".

 

 أخرج البخاري عن قتادة: \" ما نعلم حيا من أحياء العرب، أكثر شهيدا، أعز يوم القيامة من الأنصار قال قتادة: وحدثنا أنس بن مالك: أنه قتل منهم يوم أحد سبعون، ويوم بئر معونة سبعون، ويوم اليمامة سبعون. وقال: وكان بئر معونة على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ويوم اليمامة على عهد أبي بكر، يوم مسيلمة الكذاب \".

 

جمعه للقرآن:

 عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - قال: \" رحم الله أبا بكر هو أول من جمع بين اللوحين \". (عبد الله بن أحمد في زوائد الفضائل 1/138 وإسناده حسن).

 

 في البخاري (4402) عن زيد بن ثابت الأنصاري - رضي الله عنه -، وكان ممن يكتب الوحي قال: \" أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة، وعنده عمر، فقال أبو بكر: إن عمر أتاني فقال: إن القتل قد استحر يوم اليمامة بالناس، وإني أخشى أن يستحر القتل بالقراء في المواطن، فيذهب كثير من القرآن، إلا أن تجمعوه، وإني لأرى أن تجمع القرآن. قال أبو بكر: قلت لعمر: كيف أفعل شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال عمر: هو والله خير، فلم يزل عمر يراجعني فيه حتى شرح الله لذلك صدري، ورأيت الذي رأى عمر، قال زيد بن ثابت، وعمر عنده جالس لا يتكلم، فقال أبو بكر: إنك رجل شاب عاقل ولا نتهمك، كنت تكتب الوحي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فتتبع القرآن فاجمعه. فوالله لو كلفني نقل جبل من الجبال ما كان أثقل علي مما أمرني به من جمع القرآن. قلت: كيف تفعلان شيئا لم يفعله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟ فقال أبو بكر: هو والله خير، فلم أزل أراجعه حتى شرح الله صدري للذي شرح الله له صدر أبي بكر وعمر، فقمت فتتبعت القرآن أجمعه من الرقاع والأكتاف والعسب، وصدور الرجال، حتى وجدت من سورة التوبة آيتين مع خزيمة الأنصاري لم أجدهما مع أحد غيره: {لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم}. إلى آخرهما.

وكانت الصحف التي جمع فيها القرآن عند أبي بكر حتى توفاه الله، ثم عند عمر حتى توفاه الله، ثم عند حفصة بنت عمر \".

فنسأل الله أن يحشرنا مع الصديق إنه ولي ذلك والقادر عليه.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply