أديب الأمة العربية المسلمة ورائد الفكرة الإسلامية في الأدب العربي الحديث


 

بسم الله الرحمن الرحيم

مصطفى صادق بن عبد الرزاق الرافعي الفاروقي 

أديب الأمّة العربيّة المسلمة، رائد الفكرة الإسلاميّة في الأدب العربي الحديث، وزعيم المذهب البياني الكلاسيكي، كاتب مبدع وشاعر صاحب ديوان.

ولد في بهتيم، إحدى قرى القليوبيّة بمصر، من أسرة لبنانيّة الأصل نزحت من طرابلس الشام إلى مصر واستقرّت فيها، وتقلّبت أسرته في مناصب القضاء والفتوى، وعندما تولّى والده رئاسة المحكمة الشرعيّة في طنطا، انتقل مع أسرته إليها.

تلقّى العلوم الدينيّة على أبيه، وكان يملك مكتبةً واسعةً، انكبّ عليها الفتى واستوعبها، وحفظ القرآن، وكتاب (نهج البلاغة) وعكف على كتب التراث العربي قراءةً وحفظاًº ونهل من معين الإمام محمد عبده علماً وخلقاً، ولزمه كثيراً حتى آثره الإمام بحبّه، لما لمحه فيه من النجابة والذكاء الفطري، والشاعريّة الفياضة، وكان يشجّعه ويطريه، ويقول فيه: أقامك الله في الأواخر مكان حسّان في الأوائل.

أصيب بالصمم الكامل في الثلاثين من عمره، بعد إصابته بمرض التيفوئيد وهو طالب في المرحلة الابتدائيّة، وعاش فقيراً عفيف النفس متمسّكاً بأحكام الشرع، منقطعاً عن الناس بسبب مرضه، وعمل كاتباً في المحاكم الشرعيّة المصريّةº وكان أباً محباً وزوجاً فاضلاً، تغلب عليه رقة القلب، وشدّة التأثر العاطفي، ووصف بأنه كان معتدّاً بنفسه، شديد الاعتزاز بها، بسبب خيبة أمله، وتنكّر أهل عصره له.

كانت ثقافته محصورة في مكتبته، أخذ عنها العلم كما يأخذ المتقدّمون من علماء الأمّة عن العلماء والرواة فماً لفم، فنشأ بذلك نشأة السلف، يرى رأيهم ويفكر معهم ويتحدّث بلغتهم.

شغلته قضيّة المرأة، ومشكلة الفقر، وتتبّع الطاغية مصطفى كمال، وتصدّى للدفاع عن لغة القرآنº وكان الإمام حسن البنا ينظر إليه باعتباره رائد الأدب الإسلامي، ويحفظ الكثير من شعره.

رأى أن نهضة الأقطار العربيّة لا تقوم على أساس وطيد إلا إذا نهض بها الركنان الخالدان: الدين الإسلامي، واللغة العربيةº والدين عنده هو الذي يدفع الفرد والأمّة إلى طلب الاستقلال، ولولاه لما انتظمت الحياة واندفعت نحو الأكمل.

وتصدّى لشبهات مدرسة الاستشراق والاستعمار، وقال: إن في العربيّة سراً خالداً هو الكتاب المبين، واعتبر القرآن جنسيّة لغوية تجمع أطراف النسبة إليها.

وقال: ولولا العربيّة التي حفظها القرآن على الناس وردّهم إليها، وأوجبها عليهم، لما اطّرد التاريخ الإسلامي، ولا تراخت به الأيام إلى ما شاء الله، ولما تماسكت أجزاء هذه الأمّةº وكان حريصاً على اللغة حرصه على الدين، إذ لا يزال منهما شيء واحد قائم كالأساس والبناء، لا منفعة فيهما معاً إلا بقيامهما معاً.

واللغة عنده رابطة الأمّة العربيّة وعنوان عزّها، وأفصح اللغات وأبلغها، فما ذلّت لغة شعب إلا ذل، ولا انحطّت إلا كان أمره في ذهاب وإدبار، وليس في العالم أمّة عزيزة تقدم لغة غيرها على لغة نفسهاº وارتأى أن ضعف اللغة مردّه ضعف الدين قائلاً: ولن تجد ذا دخيلة خبيثة لهذا الدين إلا وجدت له مثيلها في اللغةº واشترط مهمّة الأدب أن يوافق السلوك والتطبيق، قائلاً بأدب النفس قبل أدب الدرس، وأنّ من شكّ في إيمانه يجب أن لا تأخذ عنه إلا ما صحّ عند سليم العقيدة.

وكان يؤكّد على القراءة فيقول: اقرأ ما تصل إليه يدك، فهي طريقة شيخنا الجاحظ، وليكن غرضك من القراءة اكتساب قريحة مستقلّة، وفكر واسع، وملكة تقوى على الابتكار، فكل كتاب يرمي إلى إحدى هذه الثلاث فاقرأه. وأوّل ما عرف القرّاء الرافعي عرفوه شاعراً، وذلك إثر نشره الجزء الأوّل من ديوانه سنة 1320/1902 وأتبعه بعد سنة بالجزء الثاني، ثم بعد سنتين بالجزء الثالث، ولقّبوه بشاعر الحسن لولعه بالغزل، وعرف بشاعر الشرق لإرساله الشعر في معاناته القوميّة، وأخذ يروّض قلمه على الإنشاء.

ولما تجاوز الثلاثين من عمره عدل عن الجري في ميدان الشعر، وأخذ يتّجه نحو النثر الأدبي، ليحتل مكانةً رفيعةً بين كتّاب العربيّة الخالدين.

يقول الأديب محمد سعيد العريان: أراد الرافعي أن يكون صاحب رسالة بين أدباء جيله، قوامها مدافعة أسباب الزيغ والفتنة والضلال عن اللغة العربيّة وعن كتابها الخالد، ضارباً المثل من قلمه على الأسلوب البياني الرفيع، محاولاً أن يعود بالجملة القرآنيّة وجرسها إلى أسماع القراء.

احتذى العرب البلغاء، وفحول الكتّاب المتقدّمين، وارتاض ببلاغتهم في التعبير جزالة اللفظ وجودة السبك، في لغة مصفاة من أوشاب الركاكة والعجمة. ورسم الرافعي الناقد معالم النقد الإسلامي من ناحيتي المبنى والمعنى.

 وعندما قرأ د. مصطفى الشكعة كتابه (تحت راية القرآن) قال: ومهما يكن القول فإن هذا الكتاب بما حوى من أحداث ونماذج كتابيّة إسلاميّة، ودفاع عن روح العقيدة، يضع الرافعي في مكانته اللائقة، على رأس كتّاب الفكرة الإسلاميّة في عصره، بل في عصور أخرى، من عصور التاريخ ماضيه وقادمه، وهو واحد من الكتّاب المعاصرين القلائل، الذين فهموا الإسلام فهماً صحيحاً، وغاصوا في أعماق الشريعة، مستكشفين كنه نورانيّتها، وروعة قدسيّتها.

وكان الرافعي ناقداً عنيفاً حديد اللسان، لا يعرف المداراة.

وأحب الرافعي النبي محمد (صلى الله عليه وسلم)، وهام به حباً وإجلالاً وولاءً، وكلف بجوانب شخصيّة الرسول العظيم، وتجلية أعماقها قدر استطاعته، وقدر ما في رسوخ فكره من خصوبة.

رد على طه حسين بعد نشر كتابه (في الشعر الجاهلي) سنة 1344/1926 في كتاب (تحت راية القرآن) أو (المعركة بين القديم والجديد) في العام نفسه، وكتب في النقد الأدبي رداً على عباس محمود العقاد (على السفود) ولم ينشر تحت اسمه، وانبرى لأحمد لطفي السيد صاحب الجريدة، حين دعا إلى تمصير اللغة سنة 1330/1912 وإعلاء شأن اللهجات العاميّة، ودفعها لتكون لغة الكتابة، وأشار إلى أن هذه الدعوة تستهدف القرآن نفسه، وإلى الفصل بين الأداء العربي في الأسلوب الحديث، ومستوى البيان القرآني، من أجل تعميق الفوارق بينهما، وأن الهدف تمزيق اللغة العربيّة إلى لهجات إقليميّة.

وعلى سلامة موسى عندما حمل على العربيّة، وغمز بالإسلام في كتابه (اليوم والغد) وفجّر معركة مع خصوم العقيدة واللغة، كانت خيراً وبركة على التراث العربي أدباً وفكراً، وخرج بالدين من المعركة منتصراً.

ولم يضره ما رمته به أقلام المجدّدين الذين تألبوا عليه عندما اتهمته بالصناعة والتكلّف، والبعد عن روح العصر، لأنّه منح النزعة الدينيّة مضامينها وأبعادها. ووصف بأنه كان غزير المادّة العلميّة، حصيف الرأي، سديد المنطق، وشبه علمه الغزير بمكتبة دقيقة الترتيب منظمة التبويب، ما أعانه على الإبداع، وأفسح له مكاناً بارزاً بين كبار الكتّاب حتى اليوم.

وكتب الرافعي القصّة، ولكنه لم يبلغ بها مابلغه في المقالة، وقصصه نوعان: قصص مستوحاة من التراث، وقصص من وحي الخيال.

يقول العريان: القصة عنده لا تعدو أن تكون مقالة من مقالاته في أسلوب جديد.

وله في النقد بحوث قيّمة، وتحاليل تدل على دقّة نظره وحسن بيانه ومقدرته على غربلة الأمور وجلاء حقائقها، وهو في نقده محلّل بصير، ومدافع عما يعتقده، و مخاصم متهكم.

كتب في النثر الفني: (حديث القمر) 1330/1912 و(المساكين) 1335/1917 وكتب في الدراسات والبحوث (تاريخ آداب العرب) ثلاثة أجزاء سنة 1325/1907 ونال به شهرة واسعة، و(إعجاز القرآن والبلاغة النبويّة) الذي وصفه سعد زغلول بقوله: كأنه تنزيل من التنزيل، أو قبس من نور الذكر الحكيم، وقدّم فصولاً في التاريخ الإسلامي في أسلوب رائع، وبيان خصب، كشف بها عظمة الإسلام، وبطولة رجاله، وألف (وحي القلم) على شكّل مقالات كان قد نشرها في مجلّة الرسالة بين عامي (1353/1954ـ 1356/1957) وفلسف العلاقة بين الرجل والمرأة، وكتب في فلسفة الحب ثلاثة كتب هي: (رسائل الأحزان) 1342/1924 و(السحاب الأحمر) 1342/1924 و(أوراق الورد) 1350/1931 بأسلوبه المشرق الرصين، في جو من الروحانية والسمو، في بلاغة مرفهة، وأداء عذب، يقترب من معالم الشعر، ونظم ديوان (النظرات) و(أغاني الشعب) و(ديوان الرافعي) ودرس مصطفى نعمان البدري شعر الرافعي في كتابه (أغاريد الرافعي) وقسمها إلى أغاريد التربية الفصحى، والأناشيد القومية، وأغاني الشعب. توفي بطنطا في 9/5/1937 وهو في السابعة والخمسين من عمره إثر نوبة قلبيّة، وهو في أوج عطائه، ودفن في المقبرة الرافعيّة.

وكتب في سيرة الرافعي: مصطفى نعمان البدري (الإمام الرافعي) وأحمد محمد عيش (سيرة الرافعي) ومحمد سعيد العريان (حياة الرافعي) ومصطفى الشكعة (مصطفى صادق الرافعي، كاتباً عربياً ومفكراً إسلامياً) وكمال نشأة (مصطفى صادق الرافعي) وحسين حسن مخلوف (مصطفى صادق الرافعي، حياته وأدبه) وعبد الستار السطوحي (الجانب الإسلامي في أدب مصطفى صادق الرافعي) وإبراهيم الكوفحي (مصطفى صادق الرافعي، الناقد والموقف) وإبراهيم عوضين (مصطفى صادق الرافعي أديباً إسلامياً).

 

---------------------------------------------

(1) قمم وأفكار إسلامية ص 87 سامح كريم. (2) تاريخ الأدب العربي ص 128 حنا الفاخوري. (3) معجم المؤلفين ج 12 ص 256 عمر رضا كحالة. (4) الإمام مصطفى صادق الرافعي. مصطفى نعمان البدري. (5) مصطفى صادق الرافعي. كاتباً عربياً ومفكراً إسلامياً ص 108 و181 مصطفى الشكعة. (6) الدراسات القرآنية المعاصرة ص 437 محمد السديس. (7) اليقظة الإسلامية في مواجهة الاستعمار ص 279 أنور الجندي. (8) النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين ج 1 ص 431 محمد رجب بيومي. (9) الصراع بين القديم والجديد في الأدب العربي الحديث ص 393 محمد الكتاني. (10) مجلة الوعي الإسلامي، مقال: الرافعي ودفاعه عن الإسلام لأنور الجندي ع 178 س 1399/1979. (11) مجلة الوعي الإسلامي، مقال: الرافعي تاريخ لا ينسى، وذكرى لن تموت لعبد الجواد الخضري ع 206 س 1402/1982. (12) أغاريد الرافعي ص 126 مصطفى نعمان البدري.(13) مجلة منار الإسلام س 20 ع 2 صفر 1415/يوليو 1994 مقال: الأديب الأصم لكمال سعد خليفة.(14) الفنون الأدبية وأعلامها ص 303 أنيس المقدسي.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply