الإمام شيخ الإسلام ابن أبي ذئب


  

بسم الله الرحمن الرحيم

اسمه ونسبه: أبو الحارث محمد بن عبد الرحمن بن المغيرة بن الحارث بن أبي ذئب واسم أبي ذئب هشام بن شعبة، القرشي العامري المدني الفقيه.

 

مولده: ولد سنة ثمانين.

 

شيوخه: سمع عكرمة وسعيدًا المقبري، ونافعًا مولى ابن عمر، وصالحًا مولى التوأمة والزهري، ومحمد بن المنكدر، وشعبة مولى ابن عباس، ومسلم بن جندب، وخلقًا سواهم.

 

تلامذته: حدث عنه ابن المبارك ويحيى القطان وابن أبي فديك والثوري وأبو نعيم ووكيع وآدم بن أبي إياس والقعنبي وعلي بن الجعد، والوليد بن مسلم، وعبد الله بن وهب، وعبد الله بن يزيد المقرئ، وأسد بن موسى، وخلق كثير.

 

ثناء العلماء عليه:

قال أحمد بن حنبل: كان يشبه بسعيد بن المسيب.

فقيل لأحمد: خلّف مثله؟ قال: لا، ثم قال: كان أفضل من مالك إلا أن مالكًا - رحمه الله - أشد تنقية للرجال منه؟ علق الذهبي على ذلك بقوله: وهو أقدم نقيا للكبار من مالك، ولكن مالكًا أوسع دائرة في العلم والفتيا والحديث والإتقان منه بكثير.

وقال أحمد: ابن أبي ذئب ثقة.

قال الواقدي: وكان من أورع الناس وأفضلهم ورمي بالقدر وما كان قدريًا، لقد كان يتقي قولهم ويعيبه ولكنه كان رجلاً كريمًا يجلس إليه كل أحد ويغشاه فلا يطرده ولا يقول له شيئًا وإن مرض عاده فكانوا يتهمونه بالقدر لهذا وشبهه، علق الذهبي على ذلك بقوله: كان حقه أن يكفهر في وجوههم، ولعله كان حسن الظن بالناس.

قال يحيى بن معين: ابن أبي ذئب ثقة وكل من روى عنه ابن أبي ذئب فثقة إلا أبا جابر البياضي. اه.

قلت: هذا الذي قال عنه الشافعي - رحمه الله -: بيّض الله عيني من حدث عن أبي جابر البياضي.

قال يعقوب بن شيبة: سمعت أحمد ويحيى يتناظران في ابن أبي ذئب وعبد الله بن جعفر المخرميّ فقدّم أحمد المخرميّ فقال يحيى: المخرميّ شيخ وأيش عنده؟ وأطرى ابن أبي ذئب وقدّمه على المخرمي تقديمًا كثيرًا متفاوتًا فذكرت هذا لعلي (يعني ابن المديني) فوافق يحيى، وسألت عليّا عن سماع ابن أبي ذئب من الزهري، فقال: هي مقاربة وهي عرض.

قال ابن حبان: كان من فقهاء أهل المدينة وعبادهم.

وقال عثمان بن أبي شيبة: سألت عليّا عنه فقال: كان عندنا ثقة.

قال النسائي: ثقة.

قال الذهبي: هو ثقة مرضي، أو قال: وكان من أوعية العلم ثقة فاضلاً قوالاً بالحق مهيبًا.

قال الخليلي: ثقة أثنى عليه مالك فقيه من أئمة أهل المدينة حديثه مخرج في الصحيحين إذا روى عن الثقات.

قال ابن حجر: ثقة فقيه فاضل.

 

من أحواله وأقواله:

قال الواقدي تلميذه: وكان يصلي الليل أجمع ويجتهد في العبادة، ولو قيل له: إن القيامة تقوم غدًا، ما كان فيه مزيد من الاجتهاد، أخبرني أخوه قال: كان أخي يصوم يومًا ويفطر يومًا، ثم سرد الصوم كان شديد الحال يتعشى الخبز والزيت، وله قميص وطيلسان يشتو فيه ويصيف، قال: وكان من رجال الناس صرامة وقولاً بالحق، وكان يحفظ حديثه ولم يكن له كتاب، وكان يروح إلى الجمعة باكرًا فيصلي إلى أن يخرج الإمام ورأيته يأتي دار أجداد عند الصفا فيأخذ كراءها وكان لا يغير شيبه. اه.

قلت: أما قيام الليل كله وسرد الصوم ففيهما مخالفة للسنة النبوية.

قال الواقدي: دخل مرة على والي المدينة فكلمه - وهو عبد الصمد بن علي عم المنصور - فكلمه في شيء، فقال عبد الصمد بن علي: إني لأراك مرائيًا، فأخذ عودًا وقال: من أرائي؟ فوالله للنَّاس عندي أهون من هذا.

وفي مسند الشافعي: أخبرني أبو حنيفة بن سماك حدثني ابن أبي ذئب عن المقبري عن أبي شريح أن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - قال: \"من قُتل له قتيل فهو بخير النظرين: إن أحب العقل وإن أحب فله القود\". قلت لابن أبي ذئب: أتأخذ بهذا؟ فضرب صدري وصاح صياحًا كثيرًا ونال مني وقال: أحدثك عن رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - وتقول تأخذ به، نعم آخذ به وذلك الفرض عليّ وعلى كل من سمعه، إن الله اختار محمدًا - صلى الله عليه وسلم - من الناس فهداهم به، وعلى يديه، فعلى الخلق أن يتبعوه طائعين أو داخرين لا مخرج لمسلم من ذلك.

قال أحمد بن حنبل: بلغ ابن أبي ذئب أن مالكًا لم يأخذ بحديث: \"البيعان بالخيار\". {متفق عليه}. فقال: يستتاب فإن تاب وإلا ضربت عنقه، ثم قال أحمد: هو أورع وأَقول بالحق من مالك.

قال الذهبي: لو كان ورعًا كما ينبغي لما قال هذا الكلام القبيح في حق إمام عظيم، فمالك إنما لم يعمل بظاهر الحديث لأنه رآه منسوخًا، وقيل عمل به وحمل قوله: \"حتى يتفرقا\" على التلفظ بالإيجاب والقبول، فمالك في هذا الحديث وفي كل حديث له أجر ولابد فإن أصاب ازداد أجرًا آخر، وإنما يرى السيف على من أخطأ في اجتهاده الحرورية، وبكل حال فكلام الأقران بعضهم في بعض لا يعول على كثير منه، فلا نقصت جلالة مالك بقول ابن أبي ذئب فيه ولا ضعف العلماء ابن أبي ذئب بمقالته هذه بل هما عالما المدينة في زمانهما - رضي الله عنهما - ولم يسندها الإمام أحمد فلعلها لا تصح.

قلت: ولعل كلام ابن أبي ذئب يحمل على التحذير للآخرين من رد حديث رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم -، فمن رده فهو على شفا هلكة.

قال أبو العيناء: لما حج المهدي دخل مسجد رسول اللَّه - صلى الله عليه وسلم - فلم يبق أحد إلا قام إلا ابن أبي ذئب، فقال له المسيب بن زهير: قم هذا أمير المؤمنين، فقال: إنما يقوم الناس لرب العالمين، فقال المهدي: دعه، فلقد قامت كل شعرة في رأسي.

قال أبو العيناء: وقال ابن أبي ذئب للمنصور قد هلك الناس، فلو أعنتهم من الفيء، فقال: ويلك، لولا ما سددت من الثغور لكنت تُؤتي في منزلك فتُذبح، فقال ابن أبي ذئب: قد سد الثغور وأعطى الناس من هو خير منك، عمر - رضي الله عنه - فنكس المنصور رأسه والسيف في يد المسيب ثم قال: هذا خير أهل الحجاز.

قال أبو نعيم: حججت عام حج أبو جعفر ومعه ابن أبي ذئب ومالك بن أنس فدعا ابن أبي ذئب فأقعده معه على دار الندوة، فقال له: ما تقول في الحسن بن زيد بن حسن - يعني أمير المدينة؟ فقال: إنه ليتحرى العدل، فقال له: ما تقول فيّ – مرتين -؟ فقال: وربّ هذه البنية إنك لجائر؟ قال: فأخذ الربيع الحاجب بلحيته، فقال له أبو جعفر: كُف يا ابن اللخناء، ثم أمر لابن أبي ذئب بثلاث مائة دينار.

قال أحمد بن حنبل: قد دخل على أبي جعفر المنصور فلم يَهُلهُ أن قال له الحق، وقال: الظلم ببابك فاشٍ,، وأبو جعفر أبو جعفر.

قال حماد بن خالد: كان يشبه بسعيد بن المسيب وما كان هو ومالك في موضع عند سلطان إلا تكلم ابن أبي ذئب بالحق والأمر والنهي ومالك ساكت.

قال الدار قطني: كان ابن أبي ذئب صنف موطأً فلم يخرج.

وقال الذهبي: قيل ألف ابن أبي ذئب كتابًا كبيرًا في السنن.

 

وفاته: مات - رحمه الله - سنة ثمان وخمسين ومائة وقيل: تسع وخمسين بالكوفة.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply