الإمام ( تركي بن عبد الله ) يُقرب البطانة الصالحة ويُبعد الفاسدة


  

بسم الله الرحمن الرحيم

بعد سقوط الدرعية على يد إبراهيم باشا عام (1234هـ) عاشت البلاد السعودية حوالي سبع سنوات في فوضى واضطرابات وفتن ونزاعات ضج منها المؤمنون، وتضرعوا إلى بارئهم أن يُعيد لهم أمنهم ووحدتهم التي عرفوها.فقيض الله لهم الإمام تركي بن عبد الله - رحمه الله تعالى - الذي استطاع بفضل الله طرد الغزاة، والتمكين لأهل الخير والصلاحº فعادت البلاد كما كانت - ولله الحمد والمنة -.

كان قاضي بلدة \" مرات \" الشيخ المؤرخ أحمد بن علي بن دعيج قد عاصر زمن الفتنة وسقوط الدولة، ثم شهد بعد ذلك زمن الانتصار والتمام الشملº فسجل هذا كله في \" أرجوزة \" مشهورة تداولها الناس بعده شفويًاº وكتبها بعضهمº وفيها وصفٌ يغلب عليه عدم التكلف والسهولة لما حل بالبلاد.

 

وقد أعجبني قوله - رحمه الله - أثناء تعداده لمناقب الإمام تركي التي اشتهر بها أنه كان حريصًا على (البطانة الصالحة) أن تكون حولهº ترشده وتدله على ما ينفع البلاد في دنياهم وأخراهمº لعلمه بأن هذا الصنيع هو من أسباب ثبات الملك.

 

وفي المقابل أبعد (البطانة الفاسدة) التي تأمر بالسوء والفحشاءº وتُزين له الظلم والفسادº وتُعجل بضعف الدولة وانحلالهاº كما هي سنة الله في الأمم.

وقد قال - تعالى -: (يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تُخفي صدورهم أكبر): يعتقد البعض أن هذه الآية وردت للتحذير من الركون والاعتماد في الحكم على اليهود أو النصارى، وفاتهم أن المفسرين ذكروا مع هذين فريقًا ثالثًا لا يقل عنهما عداوة وبغضًا للدولة المسلمةº وهم المنافقون. بل ابتدأ بهم ابن كثير - رحمه الله - تفسير هذه الآية قبل غيرهمº لعلمه بخطورة أمرهم، قال: (يقول الله- تبارك وتعالى -ناهيًا عباده المؤمنين عن اتخاذ المنافقين بطانةº أي يُطلعونهم على سرائرهم وما يُضمرونه لأعدائهم. والمنافقون بجهدهم وطاقتهم لا يألون المؤمنين خبالاº أي يسعون في مخالفتهم وما يضرهم بكل ممكن، وبما يستطيعون من المكر والخديعة، ويودون ما يُعنت المؤمنين ويُحرجهم ويشق عليهم).

ولذا نجد أن الشيخ عبد الرحمن بن حسن - رحمه الله - وجه نصيحة ثمينة للإمام فيصل بن تركي - رحمه الله - يحثه فيها أن يسير سيرة أبيه مؤسس الدولة السعودية الثانية في هذا الأمرº ومما قال له: (من عبد الرحمن بن حسن إلى الأخ المحب الكريم فيصل بن تركي، ألهمه الله رشده، ووقاه شر نفسه، سلام عليكم ورحمة الله وبركاتهº وبعد: تعلم أن نصيحتي لك نصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهمº لأن بصلاحك يقوم الدين، ويصلح أكثر الناس... - إلى أن يقول - وقد حذر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - من طاعة الكافرين والمنافقينº فقال - تعالى -(يا أيها النبي اتق الله ولا تُطع الكافرين والمنافقين. إن الله كان عليمًا حكيمًا) عليمًا بما يُصلح عباده، حكيمًا في أقواله وأفعاله وشرعه وقدره. ولما كان التحذير من أولئك من أهم مقامات الدين قال الله - تعالى -لنبيه (واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك).. فعليك بقرب من إذا قربتهم قربك الله وأحبك، وإذا نصرتهم نصرك الله وأيدك. واحذر أهل الباطل الذين إذا قربتهم أبعدك الله، وأوجب لك سخطه.. فلو حصل ذلك لثبت الدينº وبثباته يثبت الملك، وباستعمال أهل النفاق والخيانة والظلم يزول الملك ويضعف الدين.. ). (الدرر السنية 9/90-95).

 

نعود إلى \" ابن دعيج \" الذي يقول في أرجوزته:

 

وأظلمت نجد وثارت الفــتن *** واستنسر البعوض والثـعلب فتن

فانتدب الشهم المـوفق تـركي *** وجرّد \" الأجرب \" نظام الملكِ

وأورد الأعدا بحار الهـــلكِ *** وقض من نجــد قصور التركِ

ولاح بدرٌ طالعـــًا في السَعَدِ *** وكف شرًا واستقــرت نجدي

فانصلحت به الأمــور الفاسده *** وأرغم الله - تعالى -حاسده

واستنــقذ الملــة والخـلافه *** وناف فعلا عن فعال أســلافه

يُجهز الجيــــوش للمغازي *** ويقمع أهل الشــين والمخازي

وينصـــر المظلومَ، والحدودا *** يُقيمـها ويُكــــرم الوفودا

يُقـــرب أهل الخير والأمانه *** يجعلهم شعاره والبــــطانه

ويُبعد أهل الشـــر من ناديه *** ويُقصهم لو كانوا مــن ذويه

أسأل الله أن يوفق ذرية الإمام تركي بن عبد الله - رحمه الله - للسير على ما سار عليه هذا الرجل الموفق من تقريب البطانة الصالحة، والتمكين لهم، وإبعاد البطانة الفاسدة، وعدم السمع لهم، وأن يُثبت ملكهم، ويُعز الإسلام وأهله بهم.

أضف تعليق

هذه التعليقات لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر الموقع وهي وجهات نظر أصحابها

This site is protected by reCAPTCHA and the Google Privacy Policy and Terms of Service apply